محتويات
تفسير سورة الكافرون
قل يا أيها الكافرون
تفسير قول الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ):[١][٢]
- بدأت الآية بقوله -تعالى-: (قُلْ)، رغم أن الله –تعالى- أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يقول، ويبلغ القرآن كله، ولكنه أورد (قُلْ) هنا؛ من أجل جلب اهتمام المخاطَبين من كفار قريش، ومن أجل تنبيههم لما بعدها، وأن القول هنا مختص بهم.
- (يَا أَيُّهَا): بدأ بندائهم؛ لما في النداء من التنبيه، والتحفيز للسماع، ومراعاة الإنصات، والإقبال على الكلام بوعي واهتمام.
- (الْكَافِرُونَ)، وصفهم بالكفر؛ لغايات، منها:
- تحقيراً واستصغاراً لهم.
- التبرؤ من الكافرين، والتمايز الذي ينبغي بين أصحاب الحق وأصحاب السعير.
- بيان جانب القوة في خطاب النبي لهم، وأنه لا يخشاهم، وقادر على قول كلمة الحقّ.
لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد
تفسير قوله -تعالى-: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ):[٣]
- في الآية حرفان من حروف النفي؛ (لا) مع فعل مضارع (لَا أَعْبُدُ)؛ يدلّ على نفي المستقبل، و(ما) مع فعل مضارع (مَا أَعْبُدُ)؛ تفيد نفي الزمن الحاضر؛ أي لن أعبد في المستقبل، ما تعبدونه أنتم في الحال.[٤]
- وقوله -تعالى-: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)؛ أي لن تعبدوا أنتم في مستقبل أيامكم، ما أعبده أنا الآن.[٤]
ولا أنا عابد ما عبدتّم ولا أنتم عابدون ما أعبد
قوله -تعالى-: (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)،[٥] جاء في تفسير هاتين الآيتين معنيان، وهما كما يأتي:
- أن هاتين الآيتين، توكيد للآيتين السابقتين؛ من أجل التأكيد على أنّ ما تطمحون إليه، وهو أن يترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدعوة محال.
- أن النفي في الآيتين الأخيرتين وقع على جملة اسمية؛ والجملة الاسمية خالية من الزمن، وتنفي وجود الشيء من أصله، فجاء النفي مع الجملة الاسمية شاملاً لكل زمن.[٦]
لكم دينكم ولي دين
قوله -تعالى-: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)،[٧] في هذه الآية معنيان:[٨]
- أنتم رضيتم بدينكم، ونحن رضينا بديننا.
- لكم يوم القيامة جزاؤكم، ولي -ومن معي- يوم القيامة جزائي؛ لأن من معاني كلمة دين، الجزاء.
سبب نزول سورة الكافرون
وردت روايات كثيرة في سبب النزول تفيد بمجملها: أنّ قريشاً عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجمعوا له المال الوفير، ويزوجوه من أجمل نسائهم، مقابل ترك الدعوة، أو أن يتناوب معهم على عبادة إلهه عاماً، وعبادة آلهتم عاماً، فأنزل الله -تعالى- سورة الكافرون.[٩]
عن ابن عباس: "أن قريشا وعدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعطوه مالا؛ فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا، فيها صلاح، قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة؛ اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال: "حتى أنظر ما يأتي من عند ربي"، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).[٩]
التعريف بسورة الكافرون
- تعتبر سورة الكافرون سورة مكية، عدد آياتها ست آيات، وكلماتها ثمان وعشرون، وحروفها أربع وتسعون.[١٠]
- تنتهي آياتها بحرف النون، سمّيت بهذا الاسم؛ لأن افتتاح السورة جاء بكلمة (الكافرون).[١٠]
- تُسمّى بالمقشقشة؛ لأنها تقشفش الذنوب، ويقال لها، ولسورة الإخلاص المقشقشتان.[١٠]
- اشتملت السورة على مواضيع هي:[١٠]
- يأس الكافرين من موافقة النبي –صلى الله عليه وسلم- لهم.
- أن الناس يحاسبون بما عملوا، وأن كل أحد يلاقي المصير حسب عمله.
- ورد في فضل السورة بعض الأحاديث، نذكر بعضاً منها، فيما يأتي:
- عن فروة بن نوفل، أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشي، قال: (اقْرَأْ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ).[١١]
- عن أبي هريرة: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).[١٢]
- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ بها في ركعتي الطواف: (كان يقرأ في الركعتين؛ قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه).[١٣]
المراجع
- ↑ سورة الكافرون، آية:1
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 580-581، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ سورة الكافرون، آية:2-3
- ^ أ ب د وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر ، صفحة 440-441، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ سورة الكافرون، آية:4-5
- ↑ الآلوسي (1415)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية ، صفحة 487، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة الكافرون، آية:6
- ↑ القرطبي (1384)، تفسير القرطبي (الطبعة 2)، القاهرة:دار الكتب المصرية ، صفحة 229، جزء 20. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن جرير الطبري (1387)، تاريخ الطبري (الطبعة 2)، بيروت:دار التراث، صفحة 337، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث الفيروزآبادى (1393)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، القاهرة:المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 548، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن فروة بن نوفل، الصفحة أو الرقم:3403، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:729، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.