محتويات
شرح سورة نوح
سورة نوح هي سورة مكية وعدد آياتها 28 آية، وقد سُميّت بسورة نوح؛ لورود اسم سيّدنا نوح في مطلعها، كما أنّها تحدّثت عن قصته -عليه السلام- وقد تضمّنت مواضيع عدّة، وفي هذا المقال سيتم شرح سورة نوح مع ذكر أهم الموضوعات التي تضمّنتها.[١]
دعوة سيدنا نوح لقومه
بدأت سورة نوح بالحديث عن دعوة النبي -عليه السلام- قومه للإيمان بالله وترغيبه لهم بذلك وتحذيرهم من عاقبة الكفر والعناد، قال -تعالى-: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ* يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.[٢]
ومعنى هذه الآيات: أنّ الله -تعالى- أرسل نبيّه نوح -عليه السلام-؛ ليدعوهم إلى الإيمان بالله وحده، وينذرهم، ويحذّرهم من العذاب الأليم الذي سيكون مصيرهم إن لم يؤمنوا، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنه- إنّ المقصود بالعذاب الأليم هو عذاب النار في الآخرة، وقال الكلبي إنّ المقصود هو الطوفان الذي حلّ بهم، ويمكن أن يكون المراد المعنيين.[٣]
وقد كان النبي نوح يحذّر قومه ولكنّهم كانوا يقابلون دعوته بالإساءة، فيضربونه حتّى يُغشى عليه، ومعنى "نذير مبين"؛ أي مخوّف لهم ويتكلّم معهم بلسانهم ولغتهم التي يعرفونها، فيدعوهم إلى عبادة الله؛ أي طاعته، وإلى تقواه؛ ومعناها مخافته سبحانه، ويأمر بطاعته فيما يأمرهم به لأنّه رسولٌ من الله -تعالى-.[٣]
فإن فعلوا ذلك واستغفروا الله -تعالى- فسيغفر لهم ذنوبهم ويخرجهم منها، ويُبارك في أعمارهم ويبقيهم في صحة وعافية فلا يُعاجلهم بعذاب ولا يستأصلهم ويمحق وجودهم، ومعنى "إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر"؛ أي إنّ الموت عندما يحين موعده المكتوب فسيموت العبد ولا أحد بإمكانه تأخيره، ولو كانوا يعلمون لأيقنوا بذلك.[٣]
جهاد نوح وصبره وتضحيته في سبيل الدعوة
بعد الحديث عن دعوة سيّدنا نوح -عليه السلام- لقومه تأتي الآيات لتُبيّن مدى جهاد النبي نوح وصبره على قومه وما صدر منهم من العناد والتكذيب وتضحيته في سبيل دعوته، فيقول الله تعالى على لسان نوح -عليه السلام-:
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}.[٤]
وتُصوّر هذه الآيات استمرار النبي نوح -عليه السلام- على الدعوة، فهو يدعوهم في الليل والنهار، ولكنّه يُقابَل بمزيد من الجحود، حتّى أنّهم يفرّون منه فلا يريدون أن يستمعوا له، وإذا لم يتمكّنوا من ذلك وكان مواجهًا لهم فإنّهم يضعون أصابعهم في آذانهم ويُبالغون في إغلاقها.[٥]
وسبب فعلهم لذلك: كي لا يسمعوا أي كلمة ممّا يقوله نوح -عليه السلام- لهم، كما أنّهم يُغطّون رؤوسهم بثيابهم، ويستمرون على الاستكبار والجحود والمعصية، ولكنّ النبي نوح -عليه السلام- لم ييأس، بل ظلّ باستمرار يدعوهم سرًا وعلنًا.[٥]
التذكير برحمة الله وعظمته في الخلق
تستمر الآيات في الحديث عن حال النبي نوح -عليه السلام- ودعوته لقومه، وما قاله لهم، وكيف ذكّرهم برحمة الله -تعالى- وعظمته في الخلق ونعمه الباهرة عليهم؛ حتى يتّعظوا ويعتبروا، فيقول الله -عز وجل- مخبرًا عن النبي نوح -عليه السلام-:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا* مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلهِ وَقَارًا* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا* أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا* وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا* وَاللهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا* وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا* لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}.[٦]
يُرشد النبي نوح -عليه السلام- قومَه للاستغفار ويُذكّرهم بأنّ الله -تعالى- غفّار؛ أي كثير المغفرة والصفح عمّن تاب واستغفر، ويذكر لهم شيئًا من جزاء الاستغفار في الدنيا؛ وهو نزول المطر المتتابع الذي يروي الأرض ويُحيي البلاد والعباد، ويُكثّر أموالهم وأولادهم، ويجعل لهم بساتين وأنهار، ثمّ يتساءل كيف لهؤلاء القوم ألّا يخافوا عظمة الله -تعالى- وليس له -جلّ وعلا- عندهم قدْر.[٧]
وهو الذي خلقهم في أطوار متعددة، وأوجدهم من العدم، وخلق فوقهم سبع سماوات وجعل فيهنّ الشمس والقمر لمنفعتهم ومصلحتهم، وأنبتهم من الأرض نباتًا؛ أي حين خلق آدم وخلق ذريّته من صلبه، ثمّ يعيدهم إلى الأرض عندما يموتون ويدفنون، ويوم البعث والجزاء يخرجهم منها، ومن نعمه عليهم أيضًا أن جعل لهم الأرض منبسطة مهيأة للانتفاع؛ فيحرثون ويزرعون ويقيمون البيوت ويسكنون فيها.[٧]
إصرار قوم نوح على الكفر ودعائه عليهم
على الرغم من استخدام النبي نوح -عليه السلام- للكثير من وسائل الدعوة وطول صبره وكثرة جهاده في سبيل هداية قومه؛ إلّا أنّهم لم يظهروا إلّا الإصرار على الكفر، يقول الله -عز وجل- مخبرًا عن تضرّع النبي نوح -عليه السلام- له بسبب أفعال قومه:
{قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا* وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا* وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا* وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا* مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا}.[٨]
يشتكي النبي نوح إلى ربّه من عصيان قومه له وعدم إجابتهم لدعوتهم واتّباع الفقراء والضعفاء والسفلة للقادة والرؤساء الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلّا الضلال في الدنيا والخسران في الآخرة، ومكروا مكرًا عظيمًا، وقد تعدّدت الأقوال في تفسير هذا المكر العظيم:[٩]
- قال ابن عباس -رضي الله عنه- إنّه قولٌ عظيم.
- قال الضحّاك: هو الافتراء على الله ورسوله.
- قيل هو منع الرؤساء للأتباع من الإيمان وقبول دعوة النبي نوح -عليه السلام- وتحريضهم على قتله.
وقالوا لهم لا تتركوا عبادة آلهتكم، وهذه أسماء لرجال صالحين كانوا في العصور السابقة لهم وقد قاموا بصنع تماثيل لهم كي يكون ذلك أنشط لهم في العبادة والاقتداء بهؤلاء الصالحين، ولكنّهم فيما بعد ظنوها آلهتهم وقاموا بعبادة تلك الأصنام التي كانت سببًا في ضلال كثير من الناس.[٩] ويمكن أن يكون المراد من قوله "وقد أضلوا كثيرًا"؛ أنّ هؤلاء الرؤساء أضلّوا خلقًا كثيرًا.[٩]
دعاء سيدنا نوح
دعاء النبي نوح على قومه بعدما علم أنّهم لن يؤمنوا، وكانت خطاياهم سببًا في هلاكهم وغرقهم بالطوفان ودخولهم في النار ولم يجدوا لهم نصيرًا ولا معينًا يُخلّصهم من عذاب الله -تعالى-.[٩] حيث خُتمت سورة نوح ببيان دعاء سيدنا نوح على قومه ودعائه لوالديه وللمؤمنين والمؤمنات.
قال الله -تعالى-: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا* رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}.[١٠]
ومعنى هذا الدعاء أنّ النبي نوح يدعو ربّه ويُناجيه بأن لا يترك على الأرض من الكافرين ديّارًا؛ أي إنسان يسكن الدار ويتحرّك على الأرض ويدور ويسعى فيها؛ لأنّهم إذا بقوا على قيد الحياة فسيعملون على إضلال أهل الإيمان، ولن يلدوا إلّا الفجرة الكفرة، ثمّ يدعو بالمغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيته مؤمنًا، ويعود فيطلب من ربّه ألّا يزيد الظالمين إلّا دمارًا وخسرانًا وهلاكًا.[١١]
المراجع
- ↑ الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، صفحة 482. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:1-4
- ^ أ ب ت القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي، صفحة 300-302. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:5-9
- ^ أ ب "في ظلال القرآن لسيد قطب"، الموسوعة الشاملة للتفسير، اطّلع عليه بتاريخ 23/9/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:10-20
- ^ أ ب عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 888-889. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:21-25
- ^ أ ب ت ث عبد الله الزيد، مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل، صفحة 977-978. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:26-28
- ↑ محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 125-126. بتصرّف.