تفسير معنى الرجال قوامون على النساء

كتابة:
تفسير معنى الرجال قوامون على النساء

تفسير معنى الرجال قوامون على النساء

ما تفسير الرجال قوامون على النساء، وفي أيّ سورةٍ وردت هذه الآية؟

جاء ذكر سورة النساء في الحديث المروي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- والذي تتحدّث فيه عن نزول القرآن الكريم والأحكام التي تضمنّتها الآيات المنزلة، وفيه قولها: "وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّسَاءِ إلَّا وأَنَا عِنْدَهُ"،[١] فهذا يدلّ على أنّ سورة النساء قد نزلت في المدينة وأنّها تُسمّى بين الصحابة بهذا الاسم.[٢] وفيما يأتي بيان لتفسير هذه الآية من كتب التفسير المعتمدة.[٢]


تفسير ابن كثير

ما هي القوامة في الإسلام بحسب تفسير ابن كثير؟

فسَّر ابن كثير -رحمه الله- قوله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء}، وذكر أقوال السلف في بيان معنى القوامة، وهي أنّ مقتضى كون الرجل قيّم على المرأة يعني أنّه بمثابة الرئيس لها والمؤدّب لطباعها والمقوّم لسلوكها إذا اعوجَّ، وهو حاكم عليها أيضًا والسبب في أنّ القوامة للزوج على زوجته وليس العكس؛ أنّ الرجال أفضل من النساء وخيرٌ منهن، ومن فضلهم أنّ النبوة لا تكون إلّا في جنس الرجال، وكذلك ولاية أمر المسلمين والتصدّر لمناصب القضاء وغير ذلك ممّا كان في هذا المعنى.[٣]


والرجل أيضًا هو الذي يبذل المال عند الزواج وهو الذي ينفق عليها، فكان له الفضل والإفضال على المرأة، واستحقّ بهذا أن تكون القوامة له، وذكر أثرًا عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- يُفيد بأنّ الرجال هم أمراء على النساء، ويجب عليهنّ طاعتهم فيما أمروا، وحفظ أموالهم والإحسان إلى أهلهم، فهذا هو تفسير القوامة وفقًا لما جاء في تفسير ابن كثير.[٣]


تفسير الطبري

كيف فسّر الطبري قوله تعالى: الرجال قوّامون على النساء؟

أشار الطبري -رحمه الله- في تفسير الآية إلى أنّ الرجل هو أهل القيام على زوجته، ويجب عليه الأخذ بيدها حتّى تؤدّي حق الله عزّ وجلّ، وتقوم بواجباتها الزوجية فتطيع زوجها وتؤدّي حقّه، فقوامة الرجل على المرأة نتيجة لفضلها عليها وإنفاقه من ماله عليها كالمهر والنفقة وكفايتها مؤونتها، فصار نافذ الأمر عليها، ونقل عن الضحّاك في تفسير هذه الآية بأنّ للرجل أن يضرب زوجته ضربًا غير مبرح إذا لم تستمع لأوامر زوجها وامتنعت عن طاعته، فالتأديب والإنفاق والأمر بطاعة الله هو مقتضى القوامة كما يراها الإمام الطبري.[٤]


تفسير القرطبي

ما تفسير الرجال قوّامون على النساء، في نظر القرطبي؟

تطرّق القرطبي -رحمه الله- لمسألة قوامة الزوج على زوجته من خلال تفسير قول الله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء}، فقال أنّ هذه القوامة تعني قيام الرجل بالنفقة على زوجته والذب عنها، وقيام الرجال بشكل عام بمهام الحكم والجهاد والغزو وإمارة المسلمين، وهذه الأعمال لم يقرّ الشرع قيام النساء بها، ويندرج تحت معنى القوامة قيام الرجل بتأديب زوجته وتدبير أمرها، وله أن يمسكها في البيت ويمنعها من الخروج، وعليها أن تُطيع أوامره فيما لم يكن فيه معصية، والسبب في ذلك لأنّ الفضيلة للرجل في الإنفاق والعقل والقوّة البدنية، والجهاد والأمر بالمعروف والميراث، فالقوّام صيغة مبالغة تعني القيام بالأمر والاستبداد بالنظر فيه، وبذل الجهد في حفظه.[٥]


تفسير البغوي

ما أسباب القوامة وما هو معناها كما جاءت في تفسير البغوي؟

إنّ لفظ القوّام والقيّم بمعنى واحد، ولكنّ القوّام أبلغ في الدلالة على القيام بالمصالح والتدبير والتأديب، وعليه فإنّ معنى قوله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء}، أي: لهم السلطة في تأديبهن، وقد امتلكوا هذه السلطة واكتسبوا هذا الحق لأفضليتهم، فالرجال بالعموم أفضل من النساء بزيادة في العقل والدين والولاية.[٦]

وقيل أيضًا أن الرجل يتميّز على المرأة بالشهادة لأنّ شهادة الرجل بشهادة اثنين من النساء، وقيل بوجوب الجهاد والجمعة والجماعة عليهم، وهذه العبادات ليست واجبة على النساء، وقيل أيضًا أنّ السبب هو قدرة الرجل على الزواج بأربعة وأنّ أمر الطلاق بيده، ولأنّ للذكر مثل حظ الأنثيين فيما يخصّ الميراث، والنبوة لا تكون إلّا في الرجال، فهذه الأسباب جميعها هي أسباب القوامة كما أوردها الإمام البغوي.[٦]


تفسير السعدي

بماذا فضّل الله تعالى الرجال على النساء حتّى ملكوا القوامة عليهن؟

قام السعدي -رحمه الله- بتفسير قوله تعالى مشيرًا إلى أنّ هذه القوامة تعني إلزام الرجل زوجته بأداء حقوق الله عزّ وجلّ، من خلال المحافظة على الفرائض والابتعاد عن المناهي والمفاسد، وعلى الرجل إلزام زوجته بذلك، كما أنّ القوامة تتضمّن إنفاق الرجل على زوجته بما في ذلك السكن والكسوة، أمّا عن سبب القوامة فهو فضل الرجال على النساء وتفضّلهم عليهن.[٧]


فجنس الرجال مفضّل على جنس النساء لأنّ الولايات مختّصة بهم فقط، وكذلك الأمر بالنسبة للنبوة والرسالة، كما أنّ الرجال مفروض عليهم عبادات ليست واجبة في حقّ النساء، كالجهاد وصلاة العيد والجمعة، والرجال بطبعهم أرجح عقلًا من النساء، وأكثر رزانة وصبر وجَلَد وقوّة تحمّل من النساء، والنفقات في كثير من صورها وأنواعها بما في ذلك نفقة الزوجة على زوجها واجبة في حقّ الرجل دون المرأة، فهذه الميّزات والخصائص والواجبات جميعها جعلت الرجال أفضل من النساء وهذه هو السبب الرئيس لقوامة الرجل في الإسلام.[٧]


سبب نزول آية: الرجال قوامون على النساء

ما هي الحادثة التي كانت سببًا في نزول قوله تعالى: الرجال قوّامون على النساء؟

ذكر المفسّرون عند تأويلهم تلك الآية الكريمة حادثةً كانت سببًا في نزولها بحسب ما تناقله أهل العلم، وهذه الحادثة هي أنّ زوجة سعد بن الربيع واسمها: حبيبة بنت زيد بن خارجة، قد نشزت عليه فلطمها، فاشتكى أبوها ذلك لرسول الله فحكم لها بالقصاص منه، فذهبت مع أبيها لتقتص من زوجها، فأمرهم رسول الله بالرجوع لأنّ جبريل قد أتاه بالوحي، و نزل قوله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء}، وقيل أنّها نزلت في جميلة بنت أبي وزوجها ثابت بن قيس بن شمَّاس، وقيل أيضًا أنّ زوجة سعد بن الربيع هي عميرة بنت محمد بن مسلمة.[٥]


مفهوم القوامة وضوابطها

ماذا تعني القوامة وما هي حقوق المرأة على زوجها؟

إنّ معنى القوامة في اللغة تعني القيام على أمر المال، أو ولاية الأمر، والاستعمال الفقهي لهذا المصطلح قريب جدًا من المعنى اللغوي، فمن معاني القوامة: الولاية التي يمنحها القاضي لشخص راشد، كي يقوم بتدبير الشؤون المالية لشخص قاصر مع مراعاة مصلحة القاصر، ويُطلق مصطلح القوامة فقهيًا على الولاية التي يستحقّها الرجل على امرأته،[٨] فقوامة الزوج على زوجته لا تعني سقوط حقوقها بل العكس، وأمّا عن ضوابط القوامة وهو ما يمكن تسميته بحقوق المرأة على زوجها، فهي:[٩]

  • تقديم المهر إليها وذلك من أهم حقوقها، إذ يقول تعالى في محكم التنزل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}.[١٠]
  • الإنفاق عليها بالمعروف، حيثُ يقول تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه}.[١١]
  • إعفافها ويكون ذلك عن طريق وطئها ومعاشرتها بالمعروف والإحسان.
  • المبيت عندها، وقد رأى الحنابلة والحنفية وجوب مبيت الزوج عند زوجته.
  • العدل بينها وبين الزوجات الأخريات حال وجودهن.
  • المعاشرة بالمعروف.


لماذا أعطيت القوامة للرجل؟

ما هي أسباب القوامة؟

لم يقتصر أهل العلم عند تفسيرهم لقول الله عزّ وجلّ: {الرجال قوّامون على النساء}، على بيان ما معنى القوامة للرجل، وإنّما ذكروا الأسباب التي أعطت الرجل الحق في القوامة، كما أنّ الكثير من الكتب الإسلامية التي تُعالج القضايا الاجتماعية والخلافات الأُسرية في المجتمع الإسلامي قد تطرّقت لبيان أسباب القوامة، وذكروا سببين هما:[١٢]


سبب فطري

السبب الأوّل وهو وهبي أي فطري يختّص بفطرة الرجل وقوّته البدنية، والآخر كسبي، فأمّا الوهبي فيعني القوة الجسمية والاستطاعة والقدرة على التحمّل التي يتميّز بها الرجال على النساء، فناسب ذلك أن يكون الرجل هو المسؤول في الحفاظ على المرأة وصيانتها والذب عنها، وممّا يندرج تحت بند السبب الوهبي للقوامة كمال العقل عند الرجل وسعة إدراكه، ورجحان رأيه وسداده، وقوّة عزيمته وحزمه، بالإضافة إلى بعد نظره وذكاؤه العلمي والعملي، وقوّته في العبادة والطاعة.[١٢]


وهذا لا يعني أنّ المرأة لا تمتلك هذه الصفات وأنّها مفتقرة إليها بشكل كامل، وإنّما يعني ظهور هذه الصفات لدى جنس الرجال بشكل أوضح وأشد، فقوامة الرجل على المرأة هي نتيجة لفضله وليست مأخوذة بالغلبة والاستبداد والقهر، فمن المنطقي والمعقول أنّ التفاوت في الفطرة والقدرة يعني تفاوتًا في التكاليف والأحكام، ومنها قوامة الرجل في الإسلام.[١٢]


سبب مكتسب

أمّا السبب الثاني للقوامة الزوجية وهو السبب الكسبي، ويعني إنفاق الرجل على المرأة وتقديم المهر وتأمين العيش والسكن، فالرجل أقدر على العمل وتحصيل الرزق وجلب المال، فناسب ذلك أن يُفرض عليه النفقة ويُعطى حق القوامة والقيام بأمر الولاية والرئاسة، فالمهر هو مكأفاة فرضها الإسلام للمرأة لقبولها أن تكون في رئاسة زوجها، وكون القوامة للرجل هو من الأمور العرفية التي تواضع عليها الناس لأنّ فيها مصلحة الطرفين، وبالتالي مصلحة المجتمع ككل، فوظيفة المرأة الفطرية هي الحمل وإنجاب الأولاد وتربيتهم، وعندما يكون الرجل هو الذي يتولّى أمر نفقتها ويُدير شؤونها فإنّها ستقوم بوظيفها على أكمل وجه، وستنعم العائلة بالاستقرار والأمان.[١٢]


إذن فالقوامة الزوجية ليست مجّرد حقوق للزوج وإلزام بطاعته، وإنّما هي تكليف له وواجبات عليه، ولكن بما أنّ الإنفاق هو أحد أسباب القوامة فهذا يؤدّي لسؤال غاية في الأهمية، وهو: هل من الممكن أن تكون المرأة قوّامة على الرجل؟ فمن المعروف أنّ الكثير من النساء هي التي تنفق على زوجها وأبنائها، والصحيح أنّ هذا الإنفاق منها على زوجها هو من باب الإحسان، وليس سببًا في انتقال القوامة من الرجل إلى المرأة، فالقوامة هي حق مقرّر للرجل في الشرع الإسلامي، ومسؤولية مفروضة عليه، فإن أصبحت المرأة هي القوّامة على الرجل فإنّ ذلك يعني نزع البركة من البيت، وكثرة المشاكل والخلافات، لأنّ في هذا الأمر مخالفة لأمر الله وسننه وحكمته.[١٣]


متى تسقط قوامة الرجل؟

هل امتناع الرجل عن النفقة وعجزه عنها يُسقط قوامته؟

الأحكام في الشريعة الإسلامية مربوطة بعللها وأسبابها، ومن القواعد الأصولية المقرّرة دوران الحكم مع علّته وجودًا وعدمًا، فإن وجِدت العلّة وجِد وإلّا فلا، وقد تمّ بيان أسباب القوامة والتفصيل بشأن إعطاء القوامة للرجل في الإسلام، ولكن ماذا لو انعدمت هذه الأسباب أو فُقد بعضها، فهل تسقط قوامة الرجل؟ والحقيقة أنّ القوامة لا تسقط حال قيام الزوجية، ولكنّ امتناع الرجل عن النفقة على زوجته يُعطيها الحق في طلب فسخ عقد الزواج عن طريق القضاء، وبهذا يتبيّن أنّ العجز أو الامتناع عن النفقة ليس سببًا في سقوط القوامة، وإنّما هو سبب في طلب الفسخ.[١٣]


وهنا يُطرح سؤال آخر: هل يصح أن تطلب الزوجة القوامة في عقد الزواج؟ والحق عدم صحّة ذلك، لأنّ قوامة الرجل على المرأة من الحقوق التي وجبت له بالنص القرآني، ولا يُتصوّر عقلًا أن تكون المرأة هي المسؤولية عن زوجها والواجب عليها نفقته وحمايته، فهذا يتنافى مع فطرة النساء وطبيعتهن الرقيقة وطبعهن اللّين، ولكن قد تشترط بعض النساء في عقد الزواج أن تملك تطليق نفسها متى شاءت وهو ما يُسمّى بالعصمة، فتطلب أن تكون العصمة بيدها، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فرأى الحنابلة جواز كون العصمة بيد المرأة واشتراطه في عقد الزواج، وقال الجمهور وهم: الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية، بعدم جواز ذلك، فالعصمة فرع من فروع القوامة.[١٤]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4993، حديث صحيح.
  2. ^ أ ب ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 211. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 292-293. بتصرّف.
  4. الطبري، تفسير الطبري، صفحة 290. بتصرّف.
  5. ^ أ ب القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي، صفحة 168-169. بتصرّف.
  6. ^ أ ب البغوي، أبو محمد، تفسير البغوي، صفحة 207. بتصرّف.
  7. ^ أ ب عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 177. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 45. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 126-129. بتصرّف.
  10. سورة النساء، آية:4
  11. سورة الطلاق، آية:7
  12. ^ أ ب ت ث عايد الحربي، كتاب النشوز بين الزوجين، صفحة 19-21. بتصرّف.
  13. ^ أ ب محمد علي محمد إمام، صلاح البيوت، صفحة 18. بتصرّف.
  14. حسام الدين عفانة، كتاب فتاوى د حسام عفانة، صفحة 142. بتصرّف.
4836 مشاهدة
للأعلى للسفل
×