ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات

كتابة:
ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات

اللسانيات التاريخية

عَرفت اللغة قبل القرن التاسع عشر الدراساتِ اللغويّة التي بحثت في القواعد العامّة للاستعمالات الخاصّة للغة، وبعدها جاءت اللسانيات التاريخيّة بتصوّراتٍ جديدة للغة، فهي طبيعية محكومة بتنظيم داخليّ وضرورة داخليّة أكثر من الإرادة الواعية، ومن أهمّ معالم اللسانيات ولادة النحو المقارن على يد F-Bopp، وما تبعه من جهود الأخوة شليجل وجريم وشليغر في إيجاد صلة القرابة بين اللغة السنسكريتيّة القديمة واللغات الأوروبيّة، وجهود النحويّين الجُدُد، الذين دَعوا إلى تجديد النحو المقارن، وحدّدوا الكثير من موضوعات معالجة اللسانيّات التاريخيّة، ومنها التحليلُ التعاقبيّ الذي دفع بدي سوسير إلى التعامل مع النظام اللغوي بطريقة علمية جديدة، برزت فيها أهم المقولات اللسانية، ومنها مقولة اعتباطية العلامة ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات. [١]

ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات

ظهرتْ ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات على يد دي سوسير في كتابه علم اللغة العامّ، الذي تحوّل في دراسته للغة من الدراسة التاريخيّة، إلى الدراسة الوصفية، باعتبار اللغة ظاهرةً اجتماعيّة، وكان العامل الرئيس في تحوّله في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية، وخلال هذا التحوّل أسّسَ دي سوسير النظريّة السيميائيّة الجديدة، التي عدّ فيها الرمز الركيزة الأساسيّة للغة.

لقد جاءت ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات بمثابة قسمين للعلامة أو الدلالة أو الرّمز الذي قال عنه سوسير، والدال لديه هو الحرف المكتوب أو البصمة الصوتيّة على اعتبار أنّ أصل اللغة أن تكونَ منطوقة، أمّا المدلول فهو الصورة الذهنية التي تتشكل عند الإنسان عند سماعه الحرف أو رؤيته، وبالتالي فإنّ الكلمات هي تركيب يربط بين الدال المدلول، فكلمة شجرة هي الدال، والصورة الذهنيّة التي يتصوّرها العقل للشجرة هي المدلول.

ولقد جعل دي سوسير الرمز الناتج من اقتران ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات رمزًا فريدًا من نوعه، إذ إنّ كلّ رمز يختلف باختلاف مدلولات الدال، حسب المجتمع الذي شاع وانتشرَ به الرمز وثبت فيه معناه، فمثلًا كلمة سيارة قديمًا دالّ، والصورة الذهنية لها أي المدلول هي مجموعة من الناس يسيرون لطلب أمر ما، في حين أن ما اتفق عليه الناس حاليا أن السيارة دال، أو المدلول والصورة الذهنية لها أنها اسم آلة لحمل الركاب ونقلهم.

وقد أشار دي سوسير إلى أن ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات تظهر من خلال المستوى الصوتي للغة أولًا، فاختلاف الصوت في الدال، يؤدّي إلى اختلاف الصورة في المدلول مباشرة، فالدالّ شمس يختلف في مدلول عن الدال شمع في مدلوله، وسبب الاختلاف المباشر هو اختلاف الصوت الأخير في الدال، ومن هنا جاءت اعتباطيّة العلامة أو الرمز في اللغة، أي أنّ الكلمات لغويًّا هي حوادث عرضيّة غير منطقية ولا متفق عليها، عَلِمها الناس، ورضَوْا بها، وخضَعوا لأحكامها، وقد كان لهذه المقولة أثرها المباشر في نشأة المنهج البنيوي في اللغة وفي النقد الأدبي، الذي درس في اللغة أنظمتها الداخلية وتنظيمها، وظواهرها الداخليّة. [٢]

ثنائية الدال والمدلول عند ابن جني

لم تكنْ دراسة ثنائية الدال والمدلول في اللسانيّات قضية جديدة في دراسة اللغة، وإنما بدأت من أفلاطون، الذي رأى بأنّ العلاقة بينهما ضرورية طبيعية [٣]، وقد استمرّت دراسة هذه العلاقة حتى وصلت إلى العرب، فكان ابن جني في كتابه الخصائص من أهمّ اللغويين الذين درسوا ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات في اللغة العربية، وقال باعتباطية اللغة عكس أفلاطون، على أساس أنّ الاعتباطية تعني اللاسببية، أو عدم وجود علاقة طبيعيّة تربط بين ثنائية الدال والمدلول في اللسانيات، ومن مظاهر هذه العلاقة التي ظهرت عند ابن جني: [٤]

  • الاعتباط أساس لاختيار الجذر الثلاثيّ في اللغة العربية: فقد تمّ اختيار الجذر على اختيار الجذر المقبول، ونفي الجذر الرديء الزائف، مثل (هع)، والجذر الذي قبح تأليفه.
  • الاعتباط أساس العدول عن بعض الكلمات دون آخر: فهو يجعل الاعتباط سببا لعدول اللغوين في الاستخدام عن صيغة فاعل في بعض الكلمات، واستخدموا عوضا عنها صيغة فُعَل، مثل: عمر وزحل وثعل.
  • الاعتباط سبب مهم للاستغناء: ويعني استغناء اللغويّين عن بعض الأفعال أو الجموع مقابل أفعال أخرى وجموع أخرى، فاستغنوا مثلًا عن دع مقابل وثب، أو الاستغناء عن الكثير من جموع الكثرة مقابل جمع القلة.
  • الاعتباط أساس تلاقي اللغة: إذ إنّ الاعتباط لديه أساس حدوث بعض التصادفات في اللغة، ومنه قولهم: "ألا ترى أنّ (فعلان) الذي يقاوده (فعلى) إنما بابه الصفة؛ كغضبان وغضبى، وعطشان وعطشى، وليس سلمان وسلمى بصفتين ولا نكرتين، إنّما (سلمان) من سلمى كـ (قحطان) من ليلى، غير أنّهما كانا من لفظ واحد فتلاقَيا في عرض اللغة من غير قصد لجمعِهما، ولا إيثار لتقاودهما".

المراجع

  1. "لسانيات تاريخية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
  2. "الدال والمدلول"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
  3. "الدال والمدلول"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
  4. "اعتباطية العلاقة بين الدل والمدلول عند ابن جني"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
5088 مشاهدة
للأعلى للسفل
×