فاعل المعروف
وردت قصة جابر عثرات الكرام في العديد من الكتب مع اختلافٍ بسيطٍ في الشخصيات، مثل ثمرات الأوراق، والمستجاد من فعل الأجواد، وغيرها، والعبرة من هذه القصة تتلخّص بأنّ صاحب المعروف، وفاعل الخير لا يقع في المآزق، وإن حصل ووقع فيها فإنّه سوف يجد من يساعده، ويقف إلى جانبه، لذلك سنعرفكم في هذا المقال على أحداث هذه القصة
قصة جابر عثرات الكرام
وقعت هذه القصة في زمن سليمان بن عبد الملك، وهي تتحدث عن رجلٍ من قبيلة بني أسد يطلق عليه اسم خزيمة بن بشر، والذي عرف بين قومه بالشهامة، والمروءة، والكرم، حيث كان صاحب نعمةٍ ورزق، يتصدق على الناس، ويتفضل على إخوته، إلا أنّه في يومٍ من الأيام خسر ماله وعزه، فأمسى حزيناً ووحيداً، صدَّ عنه أهله وأصحابه، فما كان منه إلا أن أغلق الباب على نفسه، وانتظر الموت.
كان الوالي على منطقة الجزيرة في ذلك الوقت هو عكرمة الفياض - والذي أطلق عليه هذا اللقب نتيجة كرمه الشديد فبينما هو في مجلسه ذُكر اسم خزيمة، فسأل عن حاله، فقال له أصحابه بأنه أصبح سيئ الحال، ولم يعد لديه أي صديقٍ أو مواسٍ، وعندما أقبل الليل قام عكرمة بجمع أربعة آلاف دينار، وانطلق على فرسه لبيت خزيمة متلثماً ومتنكراً، ومن ثم طرق على بابه، ففتح له.
أعطى عكرمة المال لخزيمة، وقال له خذ هذا الكيس، أصلح به حالك، فقال له خزيمة من أنت، ردّ عليه بأنه لا يريد أن يعرفه أحد، فرفض أخذ المال حتى يعرف من هو، فقال له: أنا جابر عثرات الكرام، وأسرج فرسه وانطلق مسرعاً، ومن ثم دخل خزيمة إلى زوجته مسرعاً، وفي يده كيس المال، فقال لها بصوتٍ عالٍ: أبشري، لقد أفرج الله علينا!
عاد عكرمة إلى البيت متأخراً، فوجد زوجته تنتظره وهي مرتابةٌ في أمره، حيث قالت له بأن خروجه في هذا الوقت من الليل وحده يدل على أن له زوجةً سريةً، فأنكر ذلك، إلا أنها لم تصدقه، فاضطر إلى إخبارها بالقصة كاملة على شرط أن تكتمها.
في الصباح الباكر قام خزيمة بسداد ديونه، وإصلاح أموره، ومن ثم انطلق إلى فلسطين لمقابلة أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، فعندما دخل عليه، سأله سليمان عن سبب تأخيره، فأجابه خزيمة: سوء الحال، والضعف، فقال له، وما أنهضك وأقواك؟ فروى له قصة جابر عثرات الكرام، فأصبح أمير المؤمنين متلهفاً لمعرفته، حتى يعينه على شهامته ومروءته.
قام سليمان بتعيين خزيمة والياً على منطقة الجزيرة، وعندما وصل هناك نزل في دار الإمارة، وأمر بمحاسبة عكرمة الوالي السابق، فبقيت ديونٌ كثيرة عليه، مما دفع خزيمة إلى تكبيله بالسلاسل، وحبسه، الأمر الذي ألحق الضرر والأذى به، وعندما سمعت زوجة عكرمة ما حل به، انطلقت إلى خزيمة وقالت له: هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟! فقال خزيمة: واسوأتاه، هل هذا هو غريمي؟!
انطلق خزيمة إلى مكان حبس عكرمة، ففك قيوده، وأقبل على رأسه يقبل فيه، وأمر أن توضع القيود والسلاسل في رجليه ليعاقب نفسه، وليناله ذات الضرر الذي نال عكرمة، فأقسم عليه أن لا يفعل ذلك، حيث خرج الاثنان معاً، وذهبا إلى سليمان، فدخل عليه خزيمة وقال له أنه وجد جابر عثرات الكرام، فسأله سليمان عن هويته، فأجابه: عكرمة الفياض.
أعطى سليمان لعكرمة عشرة آلاف دينار، وعيّنه والياً على الجزيرة، وأذربيجان، بالإضافة إلى أرمينيا، وبقي يعمل مع خزيمة لصالح سليمان بن عبد الملك طوال فترة خلافته.