تقديم الخبر على المبدأ
يُعدّ المبتدأ والخبر ركنين أساسيين في الجملة الاسمية فلا تقوم إلا بهما، وقد سمي المبتدأ بذلك لأنه الاسم الذي يبتدأ به الكلام، في حين يقوم الخبر بالإخبار عنه وإتمام معناه، والأصل في المبتدأ أن يتقدم على خبره،[١] إلا أن هناك حالات أثبتتها شواهد من مصادر اللغة والأدب فيما أخذ عن العرب من شعر ونثر، يتقدم فيها الخبر على المبتدأ وذلك كما في قوله تعالى {لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}،[٢] دون أن يؤثر ذلك على سلامة المعنى وصحىة التركيب، ولعل هذا التقديم والتأخير يجري على الجمل بأحكام نحوية ولغايات بلاغية تقتضي إبلاغ المراد والتأكيد على الخبر، وبناء على ذلك فإن هذه الأحكام التي يتم التقديم والتأخير تبعًا لها تنقسم إلى قسمين، أحدهما يتقدم فيه الخبر على المبتدأ على وجه الإلزام والوجوب، والآخر يتقدم فيه الخبر على المبتدأ جوازًا تبعًا للغاية التي يرمي إليها المتكلم.
حالات تقديم الخبر على المبتدأ وجوبًا
إذا كان الأصل في تركيب الجملة الاسمية أن يتقدم المبتدأ على الخبر، فإن ذلك لا يمنع انزياح ركني الجملة وتقدم الثاني على الأول منهما، فقد سجلعلماء اللغة حالات يتقدم فيها الخبر على المبتدأ وجوبًا، فلا يجوز لنا بحال رد الجملة لتركيبها الأصلي نظرًا لما يتركه ذلك من أثر على الجملة، وتتلخص هذه الحالات فيما يأتي:
- إذا كان المبتدأ نكرة ولا مسوغ للابتداء به كالوصف أو الإضافة، سوى تقديم الخبر المختص بغض النظر عن نوعه : خبر مفرد معرف، أو شبه جملة ظرفية أو من الجار والمجرور، أو جملة، وفي هذه الحالة يتقدم الخبر وجوبًا لئلا يتوهم السامع أن الخبر صفة،[٣] ومن الشواهد على ذلك:
- قال الله تعالى: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"[٤]، تقدم الخبر شبه الجملة الظرفية" فوق كل" على المبتدأ " عليم" لأنه نكرة غير مخصصة.
- قال الله تعالى: "وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ"[٥] تقدم الخبر " على أبصارهم" وجوبًا على المبتدأ" غشاوة" في الآية الكريمة لأن الخبر شبه جملة من الجار والمجرور والمبتدأ نكرة غير مخصصة بالوصف أو الإضافة.
- قال الله تعالى: "وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ "[٦] : تقدم الخبر " لدينا" وجوبًا على المبتدأ " مزيد" لأن الخبر شبه جملة ظرفية والمبتدأ نكرة غير مخصصة بالوصف أو الإضافة.
- قال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"[٧]، في هذه الآية تقدم الخبر " على قلوب" وجوبًا على المبتدأ" أقفالها" لأن المبتدأ قد اتصل بضمير يعود على الخبر.
- قال الشاعر قيس بن الملوح:[٨]
أَهابُكِ إِجلالاً وَما بِكِ قُدرَةٌ
- عَلَيَّ وَلَكِن مِلءُ عَينٍ حَبيبُها
تقدم الخبر على الاسم "حبيبها" لأنه اتصل بضمير الغائب الذي يعود على الخبر.
- إذا كان الخبر من الأسماء التي لها حق الصدارة في الجملة، مثل أسماء الاستفهام " من، ما، أين، كيف"و أسماء الشرط،[٩] والمثال على ذلك:
- كيف حالك؟ حيث تقدم الخبر على المبتدأ وجوبًا لأنه اسم استفهام وهو من الأسماء التي لها حق الصدارة في الجملة.
- قال الله تعالى: {حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ}:[١٠] وفي هذه الآية تقدم الخبر اسم الاستفهام "متى" على المبتدأ "نصر" لأن الخبر اسم استفهام وهو من الأسماء التي لها حق الصدارة في الجملة.
- متى السفر لنستعد له؟ : تقدم الخبر اسم الاستفهام" متى" على المبتدأ " السفر" وجوبًا لأن خبر المبتدأ اسم استفهام وهو من الأسماء التي لها حق الصدارة في الجملة.
- وما خالق إلا الله، حيث تقدم الخبر وجوبًا " خالق" على المبتدأ "لفظ الجلالة الله" وجوبًا لأنه محصور في المبتدأ من خلال أداة الحصر " إلا" المسبوقة أداة النفي " ما".
- ما محمود إلا من يجتهد :في هذه الجملة تقدم الخبر " محمود" على المبتدأ الاسم الموصول " من" وجوبًا لأن الخبر محصور في المبتدأ بواسطة أداة الحصر " إلا" المسبوقة بحرف نفي" ما".
- إنما خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم : وفي هذه الجملة تقدم الخبر "خاتم" على المبتدأ "محمد" وجوبًا لأنه محصور في المبتدأ بواسطة أداة الحصر "إنما" التي تتكون من " ما الكافة" وإن" حرف التوكيد والنصب.
- ما أمير الشعراء إلا أحمد شوقي: في هذه الجملة تقدم خبر المبتدأ "أمير " على المبتدأ " أحمد" وجوبًا لأن الخبر محصور في المبتدأ بواسطة أداة الحصر " إلا" المسبوقة بحرف النفي "ما".
حالات تقديم الخبر على المبتدأ جوازًا
وكما يتقدم الخبر على المبتدأ وجوبًا في حالات معينة تستدعي ذلك، فإن الخبر قد يتقدم على المبتدأ جوازًا أيضًا، وذلك كما ورد في الألفية وهي ألفية ابن مالك، وفيما يأتي بيان ذلك في بيت الشعر الآتي:[١١]
والأصل في الأخبار أن تؤخرا
- وجوزوا التقديم إذ لا ضرر
وتقديم الخبر على المبتدأ جوازًا يكون تبعًا لحالات وأحكام منها:[١٢]
- إذا كان تركيز المعنى منصبًا على الخبر ذاته، وكان مقصودًا بالصدارة للتنبيه عليه، ومثال ذلك:
- ممنوع التدخين: فالخبر هو " ممنوع" وقد تقدم على المبتدأ جوازًا للتأكيد عليه ولأنه المقصود بالصدارة في هذه الجملة.
- مطلوب الهدوء: الخبر " مطلوب" وقد تقدم على المبتدأ جوازًا لأنه المقصود بالصدارة في هذه الجملة والمعنى الأساسي منصب عليه.
- في الحديقة حارسنا يعمل بجد: الخبر " في الحديقة" قد تقدم جوازًا على المبتدأ " حارسنا" لأنه شبه جملة والمبتدأ مساوٍ له في التعريف.
- في المعركة جيشنا يقاتل بضراوة : الخبر " في المعركة" تقدم جوازًا على المبتدأ " جيشنا" لأنه شبه جملة والمبتدأ مساوٍ له في التعريف.
المراجع
- ↑ "تأخير الخبر وتقديمه"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-25. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية:49
- ↑ عباس حسن، النحو الوافي، صفحة 501. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:76
- ↑ سورة البقرة، آية:7
- ↑ سورة ق، آية:35
- ↑ سورة محمد، آية:24
- ↑ " أهابك إجلالا وما بك قدرة"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26.
- ↑ محمود مغالسة (2007)، النحو الشافي الشامل (الطبعة 1)، الأردن:دار المسيرة، صفحة 240. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:214
- ↑ ابن مالك، متن الألفية، صفحة 10.
- ↑ داود غطاشة الشوابكة (2000)، النحو العربي التطبيقي (الطبعة 1)، الأردن:دار الفكر، صفحة 38.