حديث احفظ الله يحفظك

كتابة:
حديث احفظ الله يحفظك

نص حديث احفظ الله يحفظك

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).[١]


شرح حديث احفظ الله يحفظك

يعتبر هذا الحديث من الأصول العظيمة التي يجتمع عليها مدارُ الإسلام، ويرسّخ في القلوب عقيدةَ الإيمان، ويوجهها إلى التعلق بخالق الأكوان، فينمي فيها حُسن التوجه والتوكل عليه، وتفويض الأمور كلها إليه، وقد بيّن العلماءُ منزلةَ هذا الحديث، حتى وضعه الإمامُ النوويّ بين أحاديثه الأربعين، وجعله خاتمة لكتابه المحبب للذاكرين "الأذكار"، وقال فيه: "هذا حديثٌ عظيمُ الموقع".[٢]


كما انتقاه الحافظُ ابن رجب الحنبلي ضمن الأحاديث التي شرحها في كتابه: "جامع العلوم والحكم" وقال فيه: "وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمةً وقواعدَ كليةً من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه"،[٣] وإن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عند فقراته مفيدين متمعنين بها:


حفظ الله للعبد

جعل الله الجزاء من جنس العمل، فمن حَفِظَ حدودَ اللهِ ورعاها، حفِظه اللهُ أولاً في مصالح الدنيا من الآفات والمكروهات؛ وفي الآخرة من العقاب والدركات؛ فيحفظ له مالَه، وبدنَه، وأهلَه، وكذلك يحفظه في كِبَره، وفي ذريته بعد موته، إضافة إلى ذلك فإن الله يحفظه في دينه؛ وذلك من خلال حفظه من الشبهات، والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه ويتوفاه عليه.[٤]


يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة: (مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ ‌سَمْعَهُ ‌الَّذِي ‌يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).[٥]


وجوب سؤال العبد لله وحده

حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تثبيت معاني الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه، وحصر دعاء العبادة فيه وحده، فيقول: (الدعاء هو العبادة)،[٦] ولِما فيه من تعظيم وتوكل لا ينبغي أن يصرف إلا لله سبحانه، قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)،[٧] من هنا يكون سؤال العبد لله واجباً إذا كان بمعنى الفقر والعبودية له سبحانه؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ ‌يَغْضَبْ ‌عَلَيْه).[٨][٩]


الخير والشر كله بيد الله وحده

بعد أن وجّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ابنَ عباس -رضي الله عنهما- إلى التوجه بالسؤال والاستعانة لمالك الأمر سبحانه، عقَّب على ذلك بسلب القدرة على النفع والضُّر ممن سواه ليردَّ الأمرَ كلَّه إليه عز وجل، قال تعالى: (وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ)،[١٠]وقال أيضاً: (إِنَّما قَولُنا لِشَيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ).[١١]


وفي هذا بيان لأصل عظيم من أصول الإيمان وهو: التسليمُ والإقرار القلبيّ بأنّ النفع والضرّ بيد الله وحده، وهو الذي يقدِّره لعباده كيف شاء، وحيث يشاء، ولا يستطيع أحد من البشر أن يمنعَ حصوله؛ لأنّ كلمةَ اللهِ نافذةٌ على سائر المخلوقات، وهذا يعني أنّ الخلقَ كلَّهم متساوون في الخضوع لسلطان الله، لا يملكون لأنفسهم ضَراً ولا نفعاً،[١٢] قال تعالى: (وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).[١٣]


العبر المستفادة من حديث احفظ الله يحفظك

يوجد العديد من العبر المستافدة من هذا الحديث الشريف، نورد أهمها على النحو الآتي:


  • إن تصور العناية الربانية المحيطة بالعبد الذي يدخل في حفظ الله وجواره ومعيته، تحمل العبد المؤمن على حِفظ حدودَ الله سبحانه والتزام أوامره واجتناب نواهيه، حتى يصل إلى مقام التقوى والإحسان الذي يستحضر فيه العبد مراقبة ربه فيعبده كأنما يراه؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).[١٤]


  • ينبغي على المؤمن أن يترفع عن بعض المباحات التي تصون هيبته وتحفظ كرامته؛ فيترفع عن كثرة سؤال الناس ما لا حاجة له فيه من كماليات العيش، يقول ابن رسلان شارحاً لحال الصحابة الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يسألوا الناس شيئا: "لأنهم نُهوا عن السؤال، والمراد به سؤال الناس من أموالهم فحملوه على عمومه، وفيه التنزه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا".[١٥]


  • المؤمن الذي يستحضر اسم الله القادر، وأنه المعين، وأنه خالق الأسباب، يستحي من الله أن يطَّلع على قلبه فيجده قد اعتمد على من سواه، قال ابن رجب الحنبلي: "ومن كلام بعض السلف: يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك"، وكتب الحسن إلى عمرَ بنِ عبد العزيز: "لا تستعن بغير الله، ‌فيلُكك اللهُ إليه".[١٦]


  • كلّ ما يصيبُ العبدَ في الدنيا من خير أو شر، إنما هو مقدر عليه، ومكتوب في كتاب، منذ أن خلق الله تعالى القلم، وأمره أن يسطِّر أقدارَ خلقِه جميعًا، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا).[١٧]


  • إن القدَر لا ينافي العمل بالأسباب التي تعبدنا الله تعالى بها وأمرنا بمراعاتها وحاسبنا على كسبنا لها، فإذا استقرت هذه المعاني في قلب العبد المؤمن، زادته إيماناً على إيمانه، وتجلت عليه ملامح السكينة والطمانينة في حياته ومعاملاته؛ لأنه يستند في ذلك كله إلى من ملك نواصي العبادِ وقلوبَهم وجوارحَهم، قد قهرهم بسلطانه ونفذ فيهم حكمه.


المراجع

  1. رواه محمد بن عيسى الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، قال الترمذي (حديث حسن صحيح).
  2. محيي الدين يحيى بن شرف النووي (1414)، الأذكار، بيروت - لبنان:دار الفكر، صفحة 410.
  3. ابن رجب الحنبلي (1422)، جامع العلوم والحكم (الطبعة 7)، بيروت - لبنان:مؤسسة االرسالة، صفحة 462، جزء 1.
  4. ابن الملك (1433)، شرح مصابيح السنة (الطبعة 1)، صفحة 439، جزء 5. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6502.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:2969، قال الترمذي حديث حسن صحيح.
  7. سورة الجن، آية:18
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:3373، حديث حسن.
  9. محمد بن إسماعيل الصنعاني، سبل السلام، صفحة 698، جزء 2. بتصرّف.
  10. سورة هود، آية:123
  11. سورة النحل، آية:40
  12. محمد بن قيم الجوزية (1440)، طريق الهجرتين وباب السعادتين (الطبعة 4)، الرياض:دار عطاءات العلم، صفحة 132- 133، جزء 1. بتصرّف.
  13. سورة الفرقان، آية:3
  14. سورة النحل، آية:128
  15. ابن رسلان (1437)، شرح سنن أبي داود (الطبعة 1)، الفيوم مصر:دار الفلاح، صفحة 8، جزء 8.
  16. ابن رجب الحنبلي (1425)، نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس (الطبعة 1)، القاهرة:الفاروق الحديثة، صفحة 135 - 136.
  17. سورة الحديد، آية:22
4336 مشاهدة
للأعلى للسفل
×