محتويات
الطلاق
لقد أجمع المسلمون منذ زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشروعيّة الطلاق مستدلّين بآي القرآن الكريم وبأحاديث المصطفى -عليه الصلاة والسلام- التي دلّت على مشروعيّته، فقد جاء الطلاق في سورة البقرة في قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}،[١] وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلّم: "أبغضُ الحلال إلى الله الطلاق"،[٢] والطلاق في اللغة يعني الحلَّ ورفعَ القيدِ، وأمّا في الاصطلاح فهو: "حلُّ قيد النّكاح أو بعضه"، وبعضه هنا تعني أن يكون طلاقًا رجعيًّا؛ أيّ يمكن أن تُراجع المرأة فيه وتُردُّ إلى زوجها، وممّا يترتب على الطلاق مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق، وستقف الفقرة القادمة مع مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق إن شاء الله.[٣]
حضانة الأطفال بعد الطلاق
إنّ مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق هي من المسائل التي جاء بها الإسلام ولم تكن قبله في الجاهلية، فقد وقف الإسلام في هذه المسألة موقفًا معتدلًا، وضُبطت مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق بشروط وضوابط لتسير بانتظام؛ فالأطفال لهم حكم يختلف عن الذين يميّزون ويستطيعون الاختيار بأنفسهم عادة، وإنّ حضانة الأطفال بعد الطلاق هي من حقّ الأمّ كما بيّنت الأحاديث الشريفة، ومنها الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده "أنَّ امرَأَةً أتَتِ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ ابنِي هذا كان بَطنِي له وِعاءً، وحِجرِي له حِواءً، وثَديِي له سِقاءً، وزعَم أبوه أنَّه يَنزِعُه مِنِّي، قال: أنتِ أحَقُّ به ما لم تُنكَحي"،[٤] وهنا قوله -عليه الصلاة والسلام- تقييدٌ لحقّ الأمّ بالحضانة هو أنّ الأطفال يبقَون عندها ما لم تتزوّج رجلًا آخر.
وأمّا إذا أصبح الأطفال في عمر يسمح لهم بالاختيار فإنّهم يُخيّرون بين آبائهم وأمّهاتهم، وذلك للأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إنّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خيَّر غلامًا بين أبيه وأمِّه"،[٥] وكذلك جاء في سنن أبي داود -رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "يا رسولَ اللهِ، إنَّ زوجي يريد أن يذهبَ بابني، وقد سقاني من بئرِ أبي عنبةَ وقد نفعَني، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: استهِما عليه، فقال زوجُها: مَن يُحاقِّني في ولدي؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "هذا أبوك وهذه أمُّك، فخُذْ بيدِ أيِّهما شئتَ، فأخذ بيدِ أمِّه، فانطلقتْ به"،[٦] وينبغي للمرأة المُطلّقة طلاقًا رجعيًّا ألّا تفارق بيت زوجها؛ إذ ربّما ردّها إليه، وذلك لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}،[٧] وأمّا إذا انقضت العدّة فليس لطليقها أن يلزمها الإقامة، ولها أن تسافر ما لم يكن السفر من السفر المسقط لحقّها في الحضانة، فإنّ هناك سفرًا يسقط عن الأمّ الحضانة،[٨] وتسقط حضانة الأطفال بعد الطلاق عن الأمّ إن كانت فاسقة ويُخشى على أطفالها الانحراف وهم في حِجرها، فإنّ الحضانة إذ ذاك تسقط عنها، ومن ذلك أن تكون تاركة للصلاة عند بعض الأئمّة أو أن تكون زانية، ومسألة فسوق المسلم مبسوطة في المراجع والكتب وهي أكثر من أن تُبسط هنا، والله أعلم، وهذا ما يمكن قوله باختصار عن حضانة الأطفال بعد الطلاق.[٩]
آراء الفقهاء في أحقية الحضانة
بعد الوقوف على مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق ينبغي معرفة من يحقّ له تلك الحضانة بعد حصول الطلاق؛ وقد ذهب الجمهور على أنّ الأمّ أحقّ بحضانة الأطفال، تليها أمّ الأمّ، أيّ الجدّة من جهة الأمّ، ولكنّ أئمّة المذاهب الأربعة اختلفوا في حضانة الأطفال بعد الطلاق على من يأتي بعد الأمّ وأمّها، وتفصيل أقوالهم فيما يأتي:[١٠]
رأي الحنفية
تُقدم الأم، يليها أمّ الأم، ثم أمّ الأب، ثم الأخوات؛ فتُقدم الأخت من الأب والأم، تليها الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، وبعدها الخالات، تليهنّ العمّات، فإن لم يكن للصبيّ امرأة من أهله تستحق الحضانة واختلف فيه الرجال فإنّ أولاهم به هو أقربهم تعصيبًا، فيُقدم في هذه الحال الأب ثم الجدّ ثم الأخ.[١٠]
رأي الشافعية
إنّ الأحق بالحضانة بعد الأم -إذا كانت الحاضنات من الإناث وحسب- أمّهات الأم الوارثات؛ فتقدم القربى فالقربى، ثم أم الأب، ثم أمهاتها المدليات بالإناث، وبعدها تأتي أم أبي الأب، تليها أم أبي الجد، ثم الأخوات، ثم الخالات، وهذا ما ذهب إليه الشافعيّة من أهل المذهب الجديد؛ إذ انقسم المذهب الشافعيّ قسمين: قديم وحديث، وأمّا الشافعيّة أهل المذهب القديم فقالوا: تُقدّم الأخوات والخالات على أمهات الأب والجد، ثم بنات الأخت وبنات الأخ، تليهنّ العمّة، وتثبت الحضانة لكلّ ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث، فيُقدم في هذه الحال الأب ثم الجد ثم الأخ الشقيق وهكذا، وإن اجتمع ذكور وإناث فإنّ الأم تُقدّم، ثم أم الأم وإن علت، ثم الأب، وقالوا بل تُقدّم عليه الخالة، والأخت من الأم أو الأب أو هما، ويُقدّم كذلك الأصلُ الذّكر والأنثى وإن علا على الحاشية من النسب، كالأخت والعمّة؛ وذلك لقوّة الأصول، فإن فُقد الأصل وكان هناك حواشٍ فإنّ الأصحّ أن يُقدّم من الحواشي الأقرب فالأقرب، إن كان ذكرًا أو أنثى، وإن استوَوا في القُرب فالأنثى مقدّمة على الذّكر كالأخ والأخت.[١٠]
رأي المالكية
إنّ الأحق بعد الأمّ أمّ الأم وإن علت، تليها الخالة، ثم خالة الأم، ثم عمّة الأم، تليها الجدّة من جهة الأب؛ وتشمل: أم الأب، وأم أمه، وأم أبيه، ثم الأب، ثم أخت المحضون، ثم عمّة الأب، ثم خالة الأب، ثم بنت أخ المحضون، ثم ابنة أخته ثم الوصيّ عليه من الرجال.[١٠]
رأي الحنابلة
إنّ الأحق بالحضانة بعد الأم هنّ أمّهاتها القُربى فالقربى، ثم يأتي الأب، تليه أمّهات الأب، ثم الجد، ثم أمّهات الجد، ثم الأخت، تليها الخالة، تليها العمّة، ثم بنات إخوته وبنات أخواته، فتُقدّم من ذلك من كانت لأبوَين، ثمّ التي كانت لأم، ثم التي كانت لأب، ثم تكون الحضانة لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، والله أعلم.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 229.
- ↑ رواه ابن الملقن، في خلاصة البدر المنير، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2/218، حديث إسناده صحيح.
- ↑ "الطلاق تعريفه ومشروعيته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-01-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 10/177، حديث إسناده صحيح.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5/411، حديث رجاله ثقات.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي ميمونة سلمى، الصفحة أو الرقم: 2277، حديث صالح.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 1.
- ↑ " من يتولى الحضانة بعد الطلاق"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "حضانة الفاسقة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-01-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "أقوال الفقهاء في الأحق بالحضانة ، وإلى أي عمر تستمر؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-01-2020. بتصرّف.