محتويات
حق الطريق
ما المقصود بحق الطريق؟
الطّريق: جمعه: طُرُق، طُرُقات، الطّريقُ: هو المكان المطروق، والممرُّ الواسعُ الممتدّ، وهو أَوسع من الشّارع، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ"، فالطّريق هو المكان الذي يسلكه النّاس مشيًا على أقدامهم، أو في مركباتهم، أو على دوابّهم، ويعدّ الطّريق هو شريان الحياة بالنسبة للنّاس، إذ من خلاله يمكنهم أن يتواصلوا مع بعضهم البعض، وأن يذهبوا إلى أعمالهم وقضاء حوائجهم،[١] ومعنى على قارعة الطَّريق: في وسطه، وقاطع الطريق: لصٌّ يترقّب المارّة في الطّريق ليأخذ ما معهم بالإكراه،[٢] وأمّا مفهوم حَقٌّ: جمعه: حُقُوقٌ، على حقّ: عَلَى صَوابٍ، اُحكمْ بحقٍّ: بعدلٍ، بإنصافٍ، حيث جاء في سورة الإسراء قوله تعالى: {جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ}،[٣][٤] ومن الحديث السّابق؛ فحقّ الطّريق الالتزام بالآداب الإسلاميّة والأخلاق الرّفيعة، بعدم الإساءة فيه بأيّ شكل من أشكالها، لأنّه يعدّ هنا ملكًا عامًا وليس خاصًّا، ولكلّ إنسان الحقّ باستخدامه ضمن الضّوابط الشّرعيّة، وفيما يأتي الحديث عن حق الطريق وآدابه في الإسلام.[٥]
حق الطريق وآدابه في الإسلام
ما هي الأداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم في الطريق؟
فقد عمل الدّين الإسلاميّ على حفظ الحقوق العامّة والخاصّة، ولذلك فكان حق الطريق وآدابه في الإسلام شيء مقدّس، فقد حثّ هذا الدّين على إعطاء الطّريق حقّه، والتّقيّد والالتزام بآدابه، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إيَّاكُمْ والْجُلُوسَ بالطُّرُقاتِ" قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ما لنا بُدٌّ مِن مَجالِسِنا نَتَحَدَّثُ فيها قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "إذا أبَيْتُمْ إلَّا المَجْلِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قالوا: وما حَقُّهُ؟ قالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمْرُ بالمَعروفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ"،[٦][٧] فمن خلال حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذي يرشد فيه إلى مكارم الأخلاق يمكن استخلاص حقّ الطريق وآدابه في الإسلام، وهو:[٨]
غض البصر
كيف يكون غض البصر في الطريق؟
لقد أمر الشّرع الحنيف المسلمين بعدم جلوسهم في الطّرقات؛ سواء في الأماكن العامة، أو على أبواب المحلّات التّجاريّة، أو في غير ذلك؛ ولكن إن اضطرّ المسلم للجلوس؛ فليكن ملتزمًا ضمن الشّروط التي وضعها، صلّى الله عليه وسلّم؛ وهي شروط تضمن للمجتمع سلامته وأمنه، إضافة إلى الأجر والثّواب من الله تعالى، ومن هذه الشّروط غضّ البصر،[مرجع] فالأمر بغضّ البصر يشترك فيه الرّجل والمرأة على حدّ سواء، وذلك لما يجلبه إطلاق النظر إلى ما حرّم الله من ألم في القلب وعذابه.[٨]
إضافة إلى اقتراف النّاظر للمعاصي والذّنوب، وذلك لأنّ الذي يتبع النّظرة النّظرة إلى النّساء أعظم النّاس عذابًا يوم القيامة، فتتبع النّظرات إلى النّساء تسبّب العشق والغرام، وفي هذه الحالة لا يقنع الرّجل بزوجته أو زوجاته، ممّا يزيده تعلّقًا بالواحدة تلو الأخرى، ويجرّ إلى مزيد من المعاصي والذّنوب مع قلقه وتوتّره، ولو كفّ نظره عن محارم الله؛ لأراح قلبه وروحه من الهمّ والغمّ، وعصم نفسه من الوقوع فيما حرّم الله تعالى، حيث قال تعالى: {قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنّ}.[٩][١٠]
كف الأذى
كيف يكون كف الأذى في الطرقات؟
ومن حقوق النّاس على بعضهم، كفّ الأذى عنهم، وعدم إيذائهم في أجسادهم وفي أعراضهم وفي أموالهم، فكلمة الأذى كلمة جامعة لها تبعات كثيرة، فتتناول هذه الكلمة كلّ أذى يصيب الإنسان من أخيه الإنسان؛ من قول أو فعل أو إشارة، أو نظر، فمن أنواع الأذى في الطّرقات، استخدام السّيّارات والدّراجات والتي هي نعمة من نعم الله لإزعاج الآخرين؛ سواء بالتّشفيط بها، أو بتجاوز من له حقّ المرور، أو بإغلاق الطّريق بها على المارّة، أو بتشغيل صوت الأغاني الصّاخبة فيها دون الإحساس بالمرضى والذين لا يستسيغون ذلك.[١١]
وما إلى هنالك من إزعاجات، ورمي الأوساخ والقاذورات في الطّريق أو الأطعمة الزّائدة عن حاجتهم، ورمي قطع الزّجاج المكسّر أو المسامير المعدنيّة؛ والذي يتسبّب بإيذاء المارّة سواء كانوا يسيرون مشيًا على أقدامهم أو بسيّاراتهم أو بدرّاجاتهم، والحفريّات التي تحفر في الطّريق لإصلاح بعض الأعطال، فتترك فترة طويلة دون ردمها، والتّحرش بالنّساء سواء بالقول أو الفعل أو الإشارة أو النّظر، فكلّ ذلك من الأذى الذي نبذه الإسلام.[١١]
ردّ السلام
ما أثر ردّ السلام في الطرقات؟
ومن الآداب العظيمة التي حثّ عليها الدّين الإسلاميّ ورغب فيها: آداب الطريق، ومن آداب الطّريق: ردّ السّلام، فإلقاء السّلام سنّة مستحبّة، ولكنّ ردّ السّلام واجب، فقد أمر الرّسول الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه بردّ السّلام وجعله حقًا وواجبًا عليهم، لحديث أبي هريرة، رضي الله عنه: قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ علَى أخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وتَشْمِيتُ العاطِسِ، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وعِيادَةُ المَرِيضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ"،[١٢][١٣]
إذًا فيجب رد السّلام على من ألقى السّلام، وذلك لأنّ المسلم قد أعطى أخاه المسلم الأمان، فواجب عليه أن يبادره بإعطائه الأمان والسّلام مقابل ذلك، وكأن من ألقى السّلام على أخيه يقول له: أعطيك الأمن والأمان والسّلامة، ولذلك فترتّب عليه أن يبادره بنفس الرّد وأحسن منه حتّى يطمئنّ كلّ منهما للآخر، وأنهما غير متهاجرين، ولذلك فقد أخبر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الهجرة بين المتهاجرين يقطعها السّلام، حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}،[١٤][١٣]
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كيف يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطرقات؟
ومن آداب حقّ الطّريق وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إذ يعدّ هذا الباب باب عظيم القدر والشأن، حيث كانت به أمّة الإسلام خير الأمم، ودليل ذلك قول الله تعالى: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ}،[١٥] وذلك لأنّ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فوائد جمّة للأمّة، من أهمّها تحصين الأمّة من الفواحش والرّذائل والعقوبات.[١٦]
فمن خلاله استطاع المسلمون أن يحافظوا على المجتمع، ويحموه من الهلاك والغرق، وقمع الباطل وأهله، واستتباب الأمن، ونشر الفضيلة ودفع الرّذيلة، وكثرة الخيرات والحدّ من الشّرور، وإلى ما هنالك من خير يجنى من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر،[١٦] ومتى ترك النّاس العمل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر حلَّ بهم العقاب، وذلك لتقصيرهم فيما أمرهم به الله تعالى من واجبات مترتّبة على كلّ مسلم منهم، لحديث أبي بكر الصّدّيق، رضي الله عنه: "وإنَّا سَمِعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ الناسَ إذا رأَوُا المُنكَرَ فلم يُغيِّروه، أوشَكَ أنْ يعُمَّهم اللهُ بعقابِه".[١٧][١٨]
إزالة الأذى عن الطريق
كيف تكون إزالة الأذى عن الطريق؟
من الأمور التي بيّنها الشّارع حقّ الطّريق، فالطّريق يعدّ من المرافق العامّة، لا يختصّ بأحد، ولا يستأثر به أحد، ولذلك فقد أولى الشّارع حقّ الطّريق اهتمامًا بالغًا، فجعل المحافظة على الطّريق شعبة من شعب الإيمان، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ".[١٩][٢٠]
قال الإمام النّوويّ -رحمه الله- في شرحه للحديث، معنى "إماطة الأذى" أي: إبعاده وتنحيته، والمقصود بالأذى: كل ما يؤذي النّاس من قاذورات أو حجر أو مدر أو شوك أو غيره"، وقد جعل الشّرع الحنيف الأجر الثّواب على رفع الأذى من الطّريق، فقال صلّى الله عليه وسلّم: "بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له"،[٢١] وأحاديث كثيرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في هذا الصّدد، فإماطة الأذى عن الطّريق من أفعال المؤمنين الصّادقين، لأنّهم يؤمنون بأنّ هكذا أفعال تدخلهم جنّة عرضها السّماوات والأرض.[٢٠]
أثر الالتزام بحقوق وآداب الطريق في المجتمع
ما هو الأثر الإيجابي الذي يترتب جرّاء الالتزام بحق الطريق؟
وفي نهاية المطاف وبعد الحديث عن حق الطريق وآدابه في الإسلام سيكون الحديث عن أثر الالتزام بحقوق وآداب الطّريق في المجتمع، فقد نظّم الإسلام حياة المسلمين تنظيمًا دقيقًا شاملًا لجميع نواحي حياتهم؛ فبين لهم الحقوق والواجبات، وكذلك الحدود والعلاقات فيما بينهم، وأمّا أثر الالتزام بحقوق وآداب الطّريق في المجتمع:[٢٢]
- التّحلي بحسن الخلق طاعة لله تعالى، والذي يدفع المؤمن لذلك إيمانه بأنّه مأمور من الله بحسن الخلق، يثاب على التزامه، ويعاقب على تركه، ويعدّ ارتباط الأخلاق بالإيمان وثيق جدًا؛ ولذا لا يكتمل إيمان العبد إذا ساءت أخلاقه.
- التزام النّاس بالحقوق والواجبات، تزيد الألفة والمحبّة في المجتمع بين النّاس، وتبعد الشّحناء والأحقاد والعداوة والبغضاء.
- إعطاء الطّريق حقّه والالتزام بآدابه، يجعل النّاس في مأمن على أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم وأموالهم.
- الالتزام بكامل حقوق وآداب الطّريق يجعل المجتمع أكثر تقدّمًا وحضارة ورقيًّا.
المراجع
- ↑ "طريق"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى طريق في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:81
- ↑ "تعريف و معنى حق الطريق في قاموس المعجم الوسيط "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ "طريق"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2121، حديث صحيح.
- ↑ "آداب الطريق"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "حق الطريق "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:30-31
- ↑ "حق الطريق "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "حق الطريق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2162، حديث.
- ^ أ ب "أهمية السلام ورده "، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:86
- ↑ سورة آل عمران، آية:110
- ^ أ ب "حق الطريق في الإسلام"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند ، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:1، الحديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ "حق الطريق "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:35، حديث صحيح.
- ^ أ ب "حق الطريق"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:652، حديث صحيح.
- ↑ "حق الطريق "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-18. بتصرّف.