حقيقة آكلي لحوم البشر وحكايا من التاريخ تروي قصتهم

كتابة:
حقيقة آكلي لحوم البشر وحكايا من التاريخ تروي قصتهم

أصل مصطلح آكلي لحوم البشر

آكل لحوم البشر أو ما يُعرف باللغة الإنجليزيّة بـ cannibalism والتي تدلّ على أكل لحوم النوع أو الجنس لذاته، يعود الأصل في هذا المصطلح إلى القبائل الكاريب الكلمة الإسبانية والتي تُشير إلى القبائل الهندية في جزر الكاريب، ممّا جاء به في سيرة الرّحالة والمستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس، وأكل البشر للحوم أصنافهم من النّاس كان نتاج العديد من العوامل والأسباب التاريخيّة التي دفعت إلى امتثال النّاس لهذا النموذج، فقد تمّ أكل لحوم البشر في المجاعات التاريخيّة وفي الحروب وأثناء الحصار وفي القبائل البدائية أو كإحدى الطقوس الدينيّة والفنيّة لدى العديد من الثقافات التاريخيّة القديمة وفي الحروب عند النصر لقهر العدو، وفي الاعتقادات الخاطئة لنقل القدرة، كما يعدّ أكل لحوم البشر من الأمراض السلوكيّة الجنسيّة، والمقال يسلّط الضوء على حقيقة آكلي لحوم البشر ويروي حكايا من قصص التاريخ المعاصر والحديث تحكي عنهم.[١]

حقيقة آكلي لحوم البشر: وحكايا من التاريخ تروي قصتهم

تُشير البيانات التاريخية الأنثروبولوجية إلى وجود آكلي لحوم البشر منذ ملايين السنين، فكان البشر يقتاتون على بعضهم البعض قبل أن يطوروا تقنياتِ صيدٍ أكثر حداثةٍ لمطاردة الحيوانات وجعلها مصدرًا رئيسًا لغذائهم، كما تذكر الحقائق التاريخيّة رحلة كولومبوس إلى الأمريكيتين ومخالطته للسكان الأصليين ممّن يُطلق عليهم بالهنود أنّهم كانوا من آكلي لحوم البشر وقد أطلق عليهم الرّحالة والمستكشفون لقب الكانيبس إشارةً لطبيعة غذائهم المعتمدة على لحوم البشر، وقد ذكرت المؤرخة ميريام وبستر أنّ الاستخدام الأوّل لمصطلح آكل لحوم البشر كان في منتصف القرن السادس عشر عام 1553 ميلاديّ، أيّ بعد أكثر من 60 عام من رحلة كولومبوس واكتشافه عالمه الجديد في الأمريكيتين، وقد أشار العلماء أنّ آكلي لحوم البشر يمكن أن يكونوا أكثر قوّةً من غيرهم، وذلك لأنّهم يضيفون قوةً بشريّةً إلى قوّتهم، وقد استمرت هذه الظاهرة من سالف العصور التاريخية وحتّى هذا الزّمان، والذي تمّ تسجيل حالاتٍ لآكلي لحوم البشر في الصين وكوريا الشمالية وغيرها.[٢]

حقائق حول آكلي لحوم البشر

ربط معظم المؤرخين ظاهرة أكل لحوم البشر بالمجاعات التي انتشرت جراء الحروب والتصحر وغيرها من الكوارث الطبيعية والبشرية، فيما قام بربطها البعض الآخر بالمعتقدات الدينيّة والثقافية أو السلوكيات البشرية البدائيّة، ومن خلال الدراسات الحثيثة في هذا المجال وجد العلماء بعض الحقائق المدهشة حول عالم أكلي لحوم البشر سيتم ذكرها فيما يأتي:[٣]

  • إنّ الطبيعة البيولوجية لجسم الإنسان الاعتيادية والسليمة تقتضي أنّ أكل لحوم البشر من المحرّمات على كافّة الأصعدة واختلاف الثقافات في معظمها، وهي من الأمور التي قد تسبب للمرء أمراضًا عقليّة، كجنون البقر والارتعاش وحتّى ربما الموت.
  • إنّ أكل لحوم البشر لدى الحيوانات من الأمور النادرة في حدوثها، فالحيوانات لا تفضّل أن يكون البشر مصدرًا رئيسًا لطعامها، كما أنّه يندر أن ترى الحيوانات تأكل بعضها البعض من ذات الصنف، وقد أشارت روت نتالي أنجيز العاملة في صحيفة نيويورك تايمز إلى بعض الحيوانات النادرة التي تأكل ذاتها، كالعنكبوت الأحمر وغيره.
  • إنّ تسمية آكلي لحوم البشر ربّما لا تكون قد أطلقت على آكلي اللحوم الحقيقيين في بادئ الأمر، فيرى بعض المؤرخون أنّ هذا المصطلح أُطلق على التعامل بوحشية بين البشر أثناء الحروب، وفيما بعد درج استخدام أكل اللحوم الفعليّ تحت هذا المصطلح، ويجد بعض العلماء تفضيل إطلاق لقب الأنثروبوهاجي على من يأكل لحم جنسه.
  • تحكي الروايات التاريخية الكثير من القصص فيما يخصّ الطقوس المتّبعة لأكل لحوم البشر، ففي أواخر القرن الخامس عشر وفي البرازيل تحديدًا سطّر التاريخ طقوسًا غريبةً لشعب توبي من أكلة لحوم البشر، حيث كان الأكلة ينامون مع فرائسهم لعدة أشهر قبل أن يُؤْكَلوا من قِبَلهم، وكانوا يحيون العديد من جلسات السمر بالغناء.
  • إنّ أكل لحوم البشر لم يقتصر على البلدان غير المتقدمة والتاريخ القديم فقط بل كان مرافقًا وملازمًا للتاريخ الحديث، ففي الولايات المتّحدة الأمريكيّة عام 2013 ميلادية كشفت العديد من الآثار على دلائل تشير إلى جمجمة تبلغ الأربعة عشر من عمرها فقط أُكلت من قبل المستوطنين.
  • استخدام أكل لحوم البشر كعلاج طبي، ففي قارة أوروبا عبر تاريخها، فقد تمّ بيع الدهون البشرية كأدوية لعلاج العظام وكسرها والتواء المفاصل والتهابها، كما استخدموا مسحوق جمجمةٍ ناعمٍ من أجل معالجة مشاكل الصرع، بالإضافة لأكل المشيمة كبدعةٍ صحيّةٍ في هذا الزمان.

آكلي لحوم البشر في العصور الوسطى

ذكر التاريخ المختصّ بالعصور الوسطى حول آكلي لحوم البشر أنّ الجيش الصليبيّ وقع تحت هذا المصطلح في سياسته أثناء حصار مدينة معرّة النعمان السوريّة خلال الحملة الصليبيّة الأولى، وفي قارّة أوروبا تم أكل المومياوات المصريّة بعدد يصل إلى الآلاف من المومياوات المحفوظة ضمن أوروبا، فقد بيعت هذه الأجساد البشرية لتحضير أصناف صيدلانيّة، واستمرّت هذه التجارة حتّى أوائل القرن التاسع عشر حينما اكتشفوا فيما بعد أنّهم يحصلون على أجساد العبيد لا المومياوات، وفي أوائل القرن الرابع عشر وتحديدًا بين عاميّ 1315 و 1317 ميلاديّ ضربت قارّة أوروبا سلسلة من الأزمات التي أدّت إلى ظهور المجاعة الكبرى، والتي بدورها تسبّبت بوفاة الملايين من النّاس ووضعت حدًّا للازدهار الأوروبيّ، كما أنّها أسهمت بشكلٍٍ كبير بظهور آكلي لحوم البشر في تلك الفترة، كما مارس هذه الظاهرة في العصور الوسطى كلًّا من قبيلة توبينامبا البرازيليّة وشعب أكوكيسا وأتاكابا في تكساس وجزيرة الكاريب وشعب الإندو وفي البلاد العربيّة قرب نهر النيل عند القحط الذي ضرب النهر ومحيطه في مطلع القرن الثالث عشر وغيرهم من الشعوب.[٤]

آكلي لحوم البشر قبل القرن العشرين

استمرت ظاهرة أكل لحوم البشر مع التقدّم الزّمنيّ والاختلاف الجغرافيّ ففي مطلع القرن السادس عشر في عام 1503 ميلاديّ سطّر التاريخ حادثة أكل مسلحي قيزيلباش لمجموعة من جثث أعدائهم شرق دولة إيران، وفي عام 1514 حكم أحد زعماء المجريين على أحد المتمردين والذي يدعى جيورجي دوزسا بالجلوس على كرسيٍّ ساخنٍ ليطهو لحمه وأمر بإحضار مجموعةٍ من المتمردين ليأكلوا لحمه وهو حيٌّ يرزق، وما كان من المتمردين إلّا الامتثال، لأن من خالفه تمّ تقطيعه ورميه داخل العرش الحديديّ السّاخن.[٤]

ومع دخول القرن السابع عشر في ولاية فيرجينيا الأمريكيّة لجأ العديد من النّاس إلى نبش الجثث وأكلها في زمنٍ يعرف بزمن الجوع في أمريكا، وقد قامت مجموعةٌ من المسيحيين الأرثونكس المعروفين باسم القوزاق بتناول الجثث في سيبيريا بعدما أغاروا عليهم وقتلوهم تحت راية القائد فاسيلي بوياركوف، واستمرّت هذه الظاهرة بالظهور في القرن الثامن والتاسع عشر ميلاديّ، حيث تذكر الروايات قصّة القارب التائه في المحيط الأطلسيّ والذي أدّت المجاعة فيه لأكل البشر لحوم بعضهم البعض.[٤]

كما أفادت القصص أن الهنود في عام 1763 في أمريكا الشماليّة أقاموا طقوسًا لأكل اللحوم البشريّة على رجلٍ من الجنود البريطانيّين أثناء الحصار الذي أقامه الهنود على منطقة فورت ديترويت، وقد شهد عام 1809 كارثة بويد حيث قام شعب الماوري بالاستيلاء على طاقم بويد في شبه جزيرة وانغارا شمال دولة نيوزيلندا، فقتلوا 66 شخصًا من الطّاقم وأكلوهم جميعهم، وفي العام 1812 شهدت روسيا هذه الظاهرة عقب الغزو الفرنسي أثناء الشتاء الروسيّ القارص، وفي عام 1847 وفي الولايات المتحدة الأمريكيّة سُجّلت ظاهرة أكل لحوم البشر من خلال مجموعة تعرف باسم حزب دونر في جبال سييرا نيفادا، بالإضافة إلى العديد والكثير الكثير من الأحداث التاريخيّة التي تشير إلى آكلي لحوم البشر قبل القرن العشرين.[٤]

آكلي لحوم البشر في القرن العشرين والواحد والعشرين

مع بداية القرن العشرين وفي ظلّ التطوّر البشريّ والتقدّم الحضاريّ ظنّ العالم أنّه سيتخلّص من ظاهرة آكلي لحوم البشر، ولكنّ هذا لم يحدث بل استمرّت القصص والاعترافات بالتهافت على سجلّ التاريخ، ففي ثورة بايلوندو ضد الإمبراطوريّة البرتغاليّة قطعت مجموعةٌ من المتمردين رأس أنطونيو دي سيلفيرا التاجر وأكلوا جثته وأرسلوا رأسه مع زوجته إلى شعبه، وفي ظلّ المجاعة الروسيّة التي ظهرت عام 1922 ترافق ظهورها مع انتشار آكلي لحوم البشر بكثرة، كما عُرف القاتل ألبرت فيش في هذا العقد على أنّه الأكثر جنونًا حيث قتل العديد من الأطفال وقام بطهوهم كما يُطهى لحم الأنعام، وفي الخمسينيات من القرن الماضي وبعد إرساء طقوس وتقاليد أكل لحوم البشر بين شعب فور في غينيا الجديدة أدّى ذلك إلى تفشّي وباء كورو القاتل والذي أودى بحياة أكثر من ألف شخص، ومع تقدّم الزمن ظهر العديد من القتلة المتسلسلين المحترفين والذين يأكلون لحوم ضحاياهم بعد قتلهم اشتهر منهم الألماني يواكيم كرول وجوزيف كوليك وستانلي بيكر وريتشارد تشيس ونيكولاي دجوماغالييف وجيفري دا همر وغيرهم من السفاحين.[٤]

قبيلة الآغوري Aghori

في ظلّ الحديث عن آكلي لحوم البشر وتاريخهم مع التقدّم عبر التّاريخ لا بدّ من الخوض في الحديث عن قبيلة الآغوري، والتي لازالت منذ سالف الزّمان وحتّى هذه الأيّام تعدّ من آكلي لحوم البشر، وقد تألفت وتكوّنت القبيلة من عددٍ من الرهبان الهنود على ضفاف نهرٍ من أنهار دولة الهند يدعى نهر الغانج، كما أنّ قبيلة الآغوري تمارس طقوسًا خاصّة أثناء تناولها للحوم البشر، فهم يستخدمون كلًّا من أشربة الكحول والأدوية الطبيعيّة المستخلصة من الأعشاب ومهارات التأمّل كطقوسٍ عشائريّةٍ وعقائديّة كما أنّهم يضرمون النيران ويرقصون ويغنون حولها بشكلٍ هيستيريّ، بالإضافة لتدخينهم للحشيش، ورغم تلك الطقوس الغريبة وأكلهم للحوم البشر حتّى، نقل عددٌ من النّاس ممّن تشجّعوا وقاموا بعمليّاتٍ استطلاعيّةٍ إلى قبيلة الآغوري أنّ شعب هذه القبيلة يتّسمّ بالاحترام والمودّة ولا يسبّبون الأذى للمسافرين الضيوف، كما أنّهم يحبّون الطبيعة الأمّ بشكلٍ كبير، كما ترفض قبيلة الآغوري أيّ تدخّل خارجي في ثقافتها أو سياستها وعقائدها وطقوسها المبنيّة على إرثٍ قديمٍ لهم، حيث في معتقداتهم الدّينيّة يرى الآغوريون أنّهم الأقرب للإله كالي التي ترمز إلى الأمّ الرّحيم، والتي تدفع أبناء القبيلة إلى التّخلّص من الكراهية والتفرقة والخوف، كما يجدر ذكر وجود العديد من القبائل المشابهة لهذه القبيلة حول العالم كآسمات والكورواي في غينيا الجديدة وغيرها من القبائل الكثيرة.

أماكن حول العالم ستسعد بتناول اللحوم البشرية

إنّ أكل لحوم البشر لا يزال منتشرًا حول العالم في هذه الأيّام، وذلك على الرّغم من التقدّم الحضاريّ الرهيب وتوفّر الكثير والعديد من الأصناف والأنماط الغذائيّة إلّا أنّه لا يزال حتّى اليوم أماكن حول العالم يتناول سكّانها اللحوم البشريّة كجزء متأصّل في العادات والتقاليد والعقائد والثقافات، ففي هذه الأيّام الأمر أبعد ما يكون عن المجاعات القاسية، لكن يتمّ أكل لحوم البشر رغم ذلك لأسباب دينيّة وحاجات قصوى، وفيما يأتي سيتمّ ذكر أبرز المناطق التي تتناول اللحوم البشريّة حتّى يومنا هذا:[٥]

  • قبيلة كوروواي: والتي تقع على ضفاف نهر نديرام كابور في دولة غينيا الجديدة، حيث إنّ دافعهم لأكل لحوم البشر يكون انتقامًا من الموت، ففي معتقداتهم أنّ ساحرًا يقتل أبناء القبيلة وأعضاء المجموعة فيأكلون جثّة الميّت انتقامًا له من موته.
  • قبيلة فيجي: والتي تستوطن في كهوف نايهيهي في سيغاتوكا، حيث اشتهرت هذه القبيلة منذ سالف العصور بتاريخها الملطّخ بدماء البشر، وقد أطلق على الجزيرة التي يقطونها لقب جزيرة أكلة لحوم البشر، ولكن مع التقدّم الزمنيّ بدأت تتقلص هذه الممارسات في الجزيرة حتّى لم يتبق سوى مجموعة واحدة اتّخذت من كهوف ناوهيهي ملجأً لها.

بالإضافة إلى الرهبان الآغوريين الذين سلف ذكرهم ومقاطعة إيتوري في جمهورية الكونغو الديمقراطيّة وفي كومبوديا والقبيلة التي تقطن في بولينيزيا في فرنسا وفي ليبيريا وفي مدينة روتنبورغ الألمانيّة اشتهر فيها أشخاص لهم باعٌ طويلٌ في هذه الممارسات كهانيبال ليكتر الشهير، كلّ ذلك وأكثر من أكلة اللحوم البشريّة حول العالم.[٥]

المراجع

  1. "Human cannibalism", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-06-09. Edited.
  2. "10 Things You Always Wondered About Cannibalism", www.businessinsider.com, Retrieved 2020-06-10. Edited.
  3. "7 surprising facts about cannibalism", www.vox.com, Retrieved 2020-06-10. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث ج "List of incidents of cannibalism", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-06-10. Edited.
  5. ^ أ ب "THEYD BE PLEASED TO MEAT YOU! Nine places across the world where CANNIBALISM is still alive and well", www.thesun.co.uk, Retrieved 2020-06-10. Edited.
7380 مشاهدة
للأعلى للسفل
×