محتويات
حكايات عن مزاح الرسول
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يتمتع بروح الدّعابة، ويحرص عليها بين جلسائه وأصحابه، حتى أنّ أبا هريرة ذات مرة قال له: (يا رسولَ اللهِ، إنك تُداعِبُنا! قال: إني لا أقولُ إلا حقًّا)،[١] فقد كان -صلوات ربي عليه- يداعب الصغير والكبير بما ليس فيه أذى لهم،[٢] وفيما يأتي ذكر لبعض قصص مزاحه -صلّى الله عليه وسلّم-.
مزاح النبي مع المرأة العجوز
يُروى أنّ امرأة كبيرة بالسنّ، قدمت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تطلب منه الدّعاء لها بدخول الجنّة، فقال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إن الجنة لا تدخلها عجوز! فذهبت حزينة باكية، غير مدركة لقوله -صلى الله عليه وسلم-.
فلمّا رأى انزعاجها من ذلك، طمأنها أنّها لن تدخل الجنّة وهي عجوز؛ أيّ كبيرة بالسنّ، بل ستكون في عمر الشباب، والله على ذلك قدير، إذ يقول -سبحانه- في كتابه: (إنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا)،[٣] فتلا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عليها هذه الآية، فسكنت واطمأنت.[٤]
مزاح النبي مع الصغار
لقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أكثر النّاس مرحاً مع الصّبيان الصغار، فكان يُداعب كلّ واحد فيهم بحسب حاله، فقد جاء عن أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال له ذات مرة مداعباً: (يا ذا الأذنين).[٥][٦]
ويقصد بذلك الإشارة إلى حسن استماعه وضبطته ووعيه رغم صغر سنه، وكان أيضاً يداعب أخاً لأنس بن مالك -رضيَ الله عنهما- كان لديه عصفور صغير يلهو به من غير الأذى، فقال له: (يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ)،[٧] فهو يتودّد إليه بسؤاله عن طيره، وللتّخفيف من حزنه؛ لموت عصفوره.[٦]
مزاح النبي مع زاهر
زاهر هذا رجل من أهل البادية، كان يحبّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فكان كلّما قدم إلى المدينة أهدى إليه الهدايا، وإذا أراد الخروج لسفره، جهزه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالمتاع، فذات مرة كان زاهر -رضيَ الله عنه- يبيع في السوق، فأتاه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من خلفه وهو لا يعلم من يمسكه.[٨]
ولمّا عرفه قرّب نفسه من النبيّ، حتى ألصق ظهره بصدره، فأخذ النبيّ ينادي ويقول: من يشتري هذا العبد؟ فرد زاهر بأنّه رجل قبيح، ولا يجد من يشتريه، فهو كالبضاعة الكاسدة، فرد عليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه عند الله غالٍ وليس بكاسد، وقد كان النبيّ يحبه.[٨]
حكايات عن صبر النبي
لقيَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من قومه أذى كثيراً، فقد كان ذات مرة عند الكعبة يُصلّي فجاء المشركون وعلى رأسهم أبو جهل، ووضعوا أمعاء الناقة عليه وهو ساجد، وأخذوا يضحكون ويستهزئون، وهو -صلوات ربي وسلامه عليه- ساجد.[٩]
حتى جاءت فاطمة بنت النبي وبدأت تُبعد عنه الأذى وتردّ عليهم، فلمّا انتهى من صلاته أخذ يدعو عليهم واحداً واحداً، حتى كانوا يوم بدر صرعى، فانتقم الله -سبحانه- منهم.[٩] وفيما يأتي مجموعة من المواقف التي تتحدّث عن صبره -صلّى الله عليه وسلّم- وما لاقاه من قومه في سبيل دعوته.
صبر النبي مع أهل الطائف
خرج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ومعه زيد بن حارثة -رضيَ الله عنه- إلى الطائف؛ علّه يجد فيها من يستمع إلى دعوته ويُسلم، فلمّا وصلها أقام فيها عدة أيام، وبدأ بدعوة وجهاء قومهم، فلم يترك فيها أحداً لم يكلّمه عن الإسلام، حتى جاؤوا إليه ليطردوه، ويطلبوا منه الخروج من مدينتهم.[١٠]
وحرّضوا عليه مجموعة من السّفهاء وصغار القوم، فلمّا أراد الخروج اجتمعوا عليه وأخذوا يشتموه بكلمات بشعة، ويرمونه بالحجارة، وزيد بن حارثة -رضيَ الله عنه- يحميه ويتلقّى عنه الضرب، حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين -عليه صلوات ربي-.[١٠]
ورجع إلى مكة مهموماً حزيناً، فنزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال -عليهما السّلام-، يريدان أن يسحقوا أهل الطائف ويطبق عليهم جبلين كبيرين، لكنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رفض ذلك؛ لعلّ أحداً من أبنائهم وذرياتهم يُسلم، ويوحّد الله -سبحانه-.[١٠]
صبر النبي في الدعوة
لمّا أمر الله -سبحانه- النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بإنذار عشيرته، صعد إلى جبل الصّفا ينادي القوم ويجمعهم، حتى اجتمعوا عنده، وأرسلوا رسلهم لمعرفة الخبر، فجاء أبو لهب عمّ النبيّ.[١١]
قال لهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم؛ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟)[١٢] فأجابوه بالتأكيد، فلم يعهدوا عليه الكذب في قوله، فأخبرهم بأنّه نذير ورسول من الله إليهم، فشتمه أبو لهب وقال: (تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟!)[١٣] وهاج النّاس وتفرّفوا.[١١]
صبر النبي على فقد خديجة
تُوفّيت خديجة -رضيَ الله عنها- الزوجة العاقلة، الحكيمة، الناصرة لزوجها، والمخفّفة عن زوجها همّه وحزنه، فلمّا توفّيت في بداية طريق الدعوة حزن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على فراقها حزناً شديداً.[١٤]
وسُمّي العام الذي ماتت فيه بعام الحزن، وكان -صلّى الله عليه وسلّم- من أصبر ما يكون على هذا الابتلاء، فقد تكالبت عليه الأعداء واجتمعت عليه قريش لقتله، لكن الله -سبحانه وتعالى- نجّاه منها ومن كل كرب.[١٤]
حكايات النبي مع زوجاته
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حسن الخلُق، وكان يدعو ويوصي النّاس بحُسن الخلق، ويخصّ أهله بذلك، فما كان يسأل عن فعله في أهل بيته وزوجاته إلّا وكان حسن العشرة حاضراً، وكان أكرم الناس، رحيما ليّنا عطوفاً مع زوجاته ومع الناس،[١٥] وسنذكر عدّة قصص وردت عنه -صلّى الله عليه وسلّم- مع زوجاته وكيف كان معهنّ فيما يأتي:
قصة النبي مع غيرة عائشة
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في بيت عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها-، فأرسلت إحدى زوجات النبيّ بعض الطعام إليه في صحن، فلمّا رأته عائشة ردّته وهو في يد النبيّ فوقع وانكسر، فأخذ النبي يلملم الطعام وهو يقول: (غَارتْ أُمُّكُمْ)،[١٦] وأخذ الصحن الصحيح من بيتها، وأرسله إلى زوجته التي كسر صحنها مع خادمه، وتعامل مع الموقف بكل هدوء وروية.[١٧][١٨]
قصة لعب النبي مع زوجاته
ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يقول لزوجاته: (أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، قالَتْ عائشة: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ؛ لأنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بيَدِهَا وَتَصَدَّقُ)،[١٩] فقصد النبي بطول اليد كثرة الصدقة.[٢٠]
فلمّا سمعت زوجاته ذلك، بدأن بقياس طول أيديهن مداعبة ومزاحاً، فكانت سودة -رضيَ الله عنها- أطول يد بينهن، حتى توفيت زينب -رضي الله عنها- فتبيّن أنّها الأطول؛ لِما جاء في الحديث.[٢٠]
قصة زواج النبي من صفية
صفيّة بنت حيي -رضيَ الله عنها- كانت من اليهود، ومن سيّدات قومها، فلمّا فتح المسلمون أحد الحصون كانت من بين الأسرى، فجاء رجل وأخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّها لا تليق إلّا به؛ فهي من سيّدات القوم، فأعتقها النبيّ وتزوّجها، وجعل مهرها اعتاقها؛ حفظاً لشرفها ومكانتها.[٢١]
حكايات النبي مع أصحابه
إنّ الناظر في سيرته -صلّى الله عليه وسلّم- يرى الترابط الوثيق بينه وبين أصحابه، فتتجلّى الرحمة والتراحم، ونرى الود ومكارم الأخلاق، ويظهر لنا شدة حبّ الصحابة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم-.[٢٢] وفيما يأتي ذكر لبعض مواقفه مع أصحابه -رضوان الله عليهم-.
قصة النبي مع الصحابي سواد
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يتفقد الجيش ويسوّي الصفوف في أثناء تجهيز الجيش المسلم في إحدى المعارك، فوجد صحابيّاً اسمه سواد متقدّمٌ عن الصف، فضربه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعصا كانت معه ضربة خفيفة؛ ليُقوّم الصف.[٢٣]
فتوجّع سواد -رضيَ الله عنه- وأخبر النبيّ بذلك، كأنّه يريد الاقتصاص، فاستجاب النبيّ ورفع عن بطنه؛ ليكون له ذلك، فجعل سواد يعانق بطن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ويقبّله؛ ليكون آخر ما يمسّه جلده، فهذا موقف جليل يكاد لا يكون في أكبر وأعظم جيوش العالم.[٢٣]
قصة النبي مع أبي بكر في طريق الهجرة
لمّا هاجر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع أبي بكر الصّديق -رضيَ الله عنه-، وأرادا الاختباء في غار حراء، دخل أبو بكر الصّديق ليتفحّص المكان؛ خوفاً على النبيّ وسلامته، وكان -رضيَ الله عنه- طوال الطريق يمشي عن يمين النبيّ مرة، ومرة أخرى عن يساره، ومرة ثالثةً أمامه، فقد كان حرصه على صاحبه شديداً، فرضيَ الله عنه وأرضاه.[٢٤]
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1990، حسن صحيح.
- ↑ محمد زينو، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، صفحة 362. بتصرّف.
- ↑ سورة الواقعة، آية:35-37
- ↑ منقذ السقار، الدين المعاملة، صفحة 118. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13544، حسن.
- ^ أ ب يوسف النبهاني، وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 230-231. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6129، صحيح.
- ^ أ ب صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 289. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الروداني، جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الفوائد، صفحة 531. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سعيد القحطاني، أنواع الصبر ومجالاته، صفحة 49-50. بتصرّف.
- ^ أ ب سعيد القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 205-206. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4770، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4770، صحيح.
- ^ أ ب عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ الخرائطي، كتاب مكارم الأخلاق، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5225، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 1075. بتصرّف.
- ↑ محمد الناصر، "الإثبات بالقرائن والأمارات"، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 12، صفحة 1075. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2452، صحيح.
- ^ أ ب القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، صفحة 479. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 383. بتصرّف.
- ↑ عطية السالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 26. بتصرّف.
- ^ أ ب راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ عطية السالم، دروس الهجرة، صفحة 2. بتصرّف.