محتويات
الأطعمة المباحة في الإسلام
إنّ الأصل في الأطعمة هو الإباحة، وذلك دخولًا تحت القاعدة العامّة التي أجمعت عليها الأمّة: الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة يختصّ بها الإسلام كونه أكمل الشرّائع السّماويّة من حيث إنّه جاء مُتِمٌّ لما قبله لقوله تعالى في سورة آل عمران: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}،[١] ويدخل تحت بند الأطعمة المباحة كلّ أنواع الأطعمة من النّباتات ولحم الحيوانات والجامدات والمائعات، ولكن هناك إشكال يُثار حول بعض الحيوانات هل يحلّ لحمها أو لا، ومن تلك الحيوانات الضّبع، وسيتحدّث هذا المقال عن حكم أكل الضبع في الإسلام.[٢]
الأطعمة المحرمة في الإسلام
قال تعالى في سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}،[٣] في هذه الآية يحصر الله سبحانه الأطعمة التي يحرُم على المسلم أكلها، وهي الميْتَة لما فيها من أمراض خبيثة تصيب الجسم بعد الموت، والدّم المسفوح، ولحم الخنزير لأنّ لحم الحيوانات يورث آكله بعضًا من صفات ذلك الحيوان، والخنزير معلوم أنّه ديّوث، والديّوث تحرم عليه الجنّة، وما ذُبِح ويُراد به غير وجه الله، وكذلك التي تموت خنقًا أو التي تُضرب على رأسها إلى أن تموت، والتي تتردّى من جبل وتموت، أو التي تنطحها أختها من البهائم فتموت، والتي يقتلها السّبع، ولحوم السّباع كافّة، وسيتم الوقوف لاحقًا مع حكم اكل الضبع في الإسلام.[٤]
حكم أكل الضبع في الإسلام
يتوقّف هذا المقال الآن مع تفصيل حكم أكل الضبع في الإسلام، وبداية يجب العلم أنّ الضبع هو من ذات السّباع، ولكنّ اختلف أهل العلم في الإسلام فيه هل هو سبع عاديّ أو لا، والسّبعيّة التي تكون معيارًا للحيوان لأن يكون من السّباع يُقصد بها التّوحّش والمهاجمة، وتلك الصّفة ليست في الضّبع، فهو من ذوات الأنياب وليس من السّباع كما نصّ على ذلك ابن القيّم، وقد أحلّ أكل الضبع في الإسلام جمهور الفقهاء مستدلّين بحديث ابن أبي عمّار إذ قال: "قُلْتُ لِجَابِرٍ: الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ قُلْتُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ"،[٥] وهذا قول عن علي وابن عمر وابن عبّاس وجابر وأبي هريرة وسعد بن أبي وقّاص وأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنهم، وأخذ به الحنابلة والشّافعيّة والظّاهريّة وأبي يوسف من الحنفيّة، وحرّم ذلك الحنفيّة مستدلّين بحديث: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ"،[٦] وقد سبق أنّ الضبع ليس من السّباع مطلقًا، والله أعلم.[٧]
حكم أكل الأطعمة المحرمة للضرورة
بعد معرفة حكم أكل الضبع في الإسلام فلا بأس من الوقوف مع معرفة رخصة قد سنّها الإسلام للإبقاء على حياة الفرد، فإنّ الأمّة قد أجمعت على تحريم كلّ ما حَرّمه الكتاب والسنّة من الأطعمة والأشربة، ولكن في كلّ قاعدة هناك حالات خاصّة قد تخرق قانونًا مهمًّا لأجل ما هو أهمّ، وقد جاء إجماع أهل العلم أنّ المُشرف على الموت يحلّ له أكل اللّحوم المحرّمة أو شرب المحرّمات إلّا السّمّ إذا لم يكن هناك غيرها، كأن يكون الرّجل في بيداء وليس بجواره إلّا حيوان قد مات، فإن أيقن الإنسان أنّه إذا لم يأكل سيموت فيجب عليه الأكل بمقدار ما يسدّ رمقه ولا يُشبعه، فإن امتنع ومات فهو آثم، وذلك لقوله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٨] والله أعلم.[٩]
سبب تحريم لحوم بعض الحيوانات
ثمّة جملة عظيمة قد قالها الإمام ابن قيّم الجوزيّة -رحمه الله-، وهي قوله: الغاذي شبيه بالمغتذي؛ أي: إنّ الذي يتغذّى على غذاء معيّن فإنّه يكتسب صفات ذلك الغذاء، فلذلك قد حُرِّم على الإنسان أكل لحم السّباع لما فيها من قوّة شيطانيّة تُحيلُ الإنسان وحشًا مُتمرّدًا يعدو على القريب والبعيد، لذلك جاءت الشّريعة بتحريم أنواع للأطعمة من مثل لحم الخنزير لما فيه من إمكانيّة صبغ الإنسان بصبغة الدّياثة الملازمة للخنزير، ولذلك نجد صفة الدّياثة ملازمة لآكلي لحم الخنزير، وكذلك لحم الحمار محرّم لأنّ الطّبيعة الحماريّة ملازمة له، وأمّا الإبل فالطّبيعة الشّيطانيّة عارضة فيه، ولذلك أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بكسر تلك الطّبيعة بالوضوء بعد أكل لحمه؛ فالوضوء يُطفئ نار الشّيطان، ولذلك فقد قرّر العلماء الأخذ بالحديث الذي يُحِلُّ أكل الضبع وكان حكم أكل الضبع في الإسلام حلالًا عندهم.[١٠]
ما يحل أكله من الميتة والدم
وبعد التعرف على حكم أكل الضبع في الإسلام، سيتم التطرق إلى ما يحلّ أكله من الميتة والدّم، فقد حرّم الإسلام أكل الميتة والدّم تبعًا للآية الكريمة التي يقول في الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}،[٨] ولكنّه في الوقت نفسه قد أحلّ نوعان من الميتة، ونوعان من الدّم أكلهما حلال، فأمّا الأولى فهي ميتة البحر، وهي كلّ الأسماء وأنواع حيوانات البحر التي يحلّ أكلها، وهي تموت بمجرّد خروجها من الماء، ولذلك كان أكلها ميتة حلال؛ فلا سبيل لحفظها خارج الماء، وأمّا الميتة الأخرى فهي الجراد من ميتة البرّ، وأمّا الدّمَان فهما الكبدُ والطِّحال، وذلك لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "أُحِلَّتْ لنا ميْتتانِ ودَمانِ، فأما الميْتتانُ: فالحوتُ والجرادُ، وأما الدَّمَانُ فالكبدُ والطِّحالُ"،[١١] وبهذا يكون قد انتهى مقال حكم أكل الضبع في الإسلام، والله أعلى وأعلم.[٩]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 84.
- ↑ "الغذاء المباح"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-09-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ "الأطعمة المحرمة"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 30-09-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1791، حسن صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 5780، صحيح.
- ↑ "حكم أكل الضبع"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-09-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 173.
- ^ أ ب "كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-09-2019. بتصرّف.
- ↑ "العلاقة بين طبيعة الغذاء وطبيعة آكله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-09-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 272، صحيح.