حكم التصوير في الإسلام

كتابة:
حكم التصوير في الإسلام

مفهوم التصوير

إنّ التصوير في لغة العرب المبثوثة في المعاجم القديمة يعني نحت صور للمخلوقات من الحجر أو الخشب أو غير ذلك ممّا تُصنع منه التماثيل كما نصّ على ذلك غير واحد من أئمّة اللغة قديمًا كابن منظور مؤلف معجم لسان العرب؛ إذ قال في تعريفه للتّمثال: "والتّمثالُ: الصّورة، والجمع التّماثيل، ومثَّلَ له الشّيء: صوّره حتّى كأنّه ينظر إليه، وامتثله هو: تصوّره"،[١] وقال أيضًا الإمام المرتضى الزَّبِيديّ في تاج العروس: "الصُّورة بالضّمّ: الشّكل والهيئة والحقيقة والصِّفة... والصّورة ما ينتقش به الإنسان ويتميّز بها عن غيره، وذلك ضربان: ضربٌ محسوس... والثاني معقول يدركه الخاصّة دون العامّة، كالصورة التي اختُصّ الإنسان بها من العقل..."، وسيتحدّث هذا المقال عن حكم التصوير في الإسلام.[٢]

حكم التصوير في الإسلام

شدّد الإسلام كثيرًا على مسألة التصوير، فالتصوير -كما مرّ- هو صنع التماثيل حتّى تكون شبهًا بالمخلوقات التي خلقها الله تعالى الذي لا مصوّر غيره، ولذا فقد كان حكم التصوير في الإسلام كما يذكر الشيخ ابن عثيمين ينقسم قسمين:

  • تصوير الكائنات من غير ذوات الأرواح، كالجبال والأنهار والشمس والقمر والشّجر والحجر، وهذا لا بأس به كما ذهب أكثر العلماء، وإن منع ذلك طائفة قليلة من العلماء فالرّأي الرّاجح هو رأي الأكثر والله أعلم.[٣]
  • أن يكون المُصوَّرُ من ذوات الأرواح، فهذا يتفرّع حكمه إلى قسمين:
    • القسم الأوّل هو أن تكون الصّورة بيد الإنسان، فيرسمها حتّى يكمل تصويرها كاملًا، كالرّسم أو النحت، وهذا تحريمه ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال فيما يرويه عنه ابن عبّاس رضي الله عنهما: "كُلُّ مُصَوِّرٍ في النَّارِ، يَجْعَلُ له، بكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ في جَهَنَّمَ"،[٤]. ولكنّ بعض العلماء رأى بألّا بأس بالصورة إذا كانت ناقصة في جسمها نقصًا لا يستطيع الكائن أن يحيا من دونه كأن يكون مقطوع الرأس أو مخروق الصدر أو أن يكون قد نقص منه جزءٌ إذا زال عنه مات، وقد استدلّ أهل العلم بما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنَّهُ كانَ لَهَا ثَوْبٌ فيه تَصَاوِيرُ، مَمْدُودٌ إلى سَهْوَةٍ، فَكانَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إلَيْهِ فَقالَ: أَخِّرِيهِ عَنِّي قالَتْ: فأخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ،[٥] وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أيضًا عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: "دَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا فيه تَصَاوِيرُ، فَنَحَّاهُ فَاتَّخَذْتُ منه وِسَادَتَيْنِ"، والأولى أن يترك المرء ذلك.[٥][٦]
    • القسم الثاني فهو أن يكون تصوير ذوات الأرواح بغير اليد، كالتصوير بالكاميرا، وهو نقل صورة الكائن الحيّ من دون أن يكون للإنسان أيّ تدخّل في ذلك، وهذا الأمر -طبعًا- لم يكن في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن السلف الصالح، بل هو أمر حديث وطارئ، فصار محطّ خلاف بين العلماء المتأخّرين، فمنهم من منعه، ومنهم من أحلّه؛ لأنّ التصوير بالكاميرا لم يكن للمصوّر فيه أيّ عمل يشابه به خلق الله -عزّ وجلّ- ولكنّ الصورة هي التي طبعت خلق الله تعالى كما هو، وعلى الصورة التي قد خلق الله تعالى ذلك المخلوق عليها، وذلك يشبه تصوير صكوك البيع والشراء وسائر العقود والأوراق بوساطة الآلة، فالصورة التي تخرج من الآلة لم يكتب ما جاء فيها الرجل الذي صوّرها، بل الكتابة لصاحب العقد الذي قد كتب الصكّ بيده، وصاحب الآلة فقط صوّر العقد وصنع منه نسخة ثانية، ولكنّ تحليل التصوير بالكاميرا مشروط بألّا يُصوّر به أمرٌ مُحرّم كتصوير امرأة أجنبيّة أو ما شابه ذلك، ويقول الشيخ ابن عثيمين في ختام فتواه: "والقول بتحريم التصوير بالكاميرا أحوط، والقول بحلّه أقعد، لكنّ القول بالحلّ مشروط بأن لا يتضمّن أمرًا محرمًا، فإن تضمن أمرًا محرمًا كتصوير امرأة أجنبية، أو شخص ليعلّقه في حجرته تذكارًا له، أو يحفظه فيما يسمونه (ألبوم)؛ ليتمتع بالنظر إليه وذكراه، كان ذلك محرّمًا؛ لأنّ اتخاذ الصور واقتناءها في غير ما يمتهنُ حرامٌ عند أهل العلم أو أكثرهم، كما دلّت على ذلك السنة الصحيحة، ولا فرق في حكم التصوير بين ما له ظل وهو المجسّم، وما لا ظل له لعموم الأدلة في ذلك وعدم المخصص"، والله أعلم.[٣]

حكم نحت التماثيل

بعد الوقوف على حكم التصوير في الإسلام وتبيين تفرّعات المسألة فإنّه ينبغي الوقوف على مسألة أخرى تتفرّع عن حكم التصوير في الإسلام وهي حكم نحت التماثيل، وقد مرّ أعلاه حكم تصوير غير ذوات الأرواح، وأمّا نحت التماثيل لذوات الأرواح فهذا فيه تفصيل، فبداية ينبغي العلم أنّ صنع التماثيل حرام لا يجوز؛ إذ قد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ- في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاريّ: "وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي"،[٧][٨]والتمثال كما عرّفه أهل اللغة هو الصورة، فإذًا ما يحرُم في الإسلام هو الصورة التامّة، فإذا صنع الإنسان تمثالًا أو رسمَ رسمةً لكائن حيٍّ وكانت مقطوعة الرّأس فلا بأس بذلك وليس فيه حرمة إن شاء الله تعالى كما ذكر أهل العلم،[٩] وكذلك لو كانت صورة الوجه مطموسة كأن يكون الوجه ليس فيه عينان وفمٌ وأنف، ودليل العلماء في ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "أتاني جبرائيل فقال: إني كُنْتُ أتيتُكَ البارحةَ فلم يمنعنِي أن أكونَ دخلتُ عليكَ البيت الذي كنتَ فيهِ إلّا أنّه كان في بابِ البيتِ تمثالُ الرّجالِ، وكان في البيتِ قرامُ سترَ فيه تماثيلٌ، وكان في البيتِ كلبٌ، فمُرْ برأسِ التمثالِ الذي بالبابِ فليُقْطعْ فيصير كهيئةِ الشجرةِ..."،[١٠] والله أعلى وأعلم.[١١]

المراجع

  1. "تعريف و معنى تمثال في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  2. "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "ما حكم التصوير"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعيد بن أبي الحسن، الصفحة أو الرقم: 2110، حديث صحيح.
  5. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2107، حديث صحيح.
  6. "الأتقى ترك رسم أجزاء الإنسان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5953، حديث صحيح.
  8. "ما حكم صنع التماثيل؟"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  9. "حكم نحت ونصب تمثال ناقص الصورة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2806، حديث حسن صحيح.
  11. "حكم نحت الخشب على صورة حيوان دون عين أو فم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-01-2020. بتصرّف.
4714 مشاهدة
للأعلى للسفل
×