حكم التمييز بين الأبناء

كتابة:
حكم التمييز بين الأبناء

نعمة الأبناء

قبل الحديث عن حكم التمييز بين الأبناء، من الجدير الحديث عن نعمة الأبناء، فالأبناء من زينة الحياة الدنيا، فقد قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}،[١] ومن دعاء عباد الله -تعالى- ما قاله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}،[٢] والأبناء هم القوة والسند والعزة والمنعة، فقد قال سبحانه: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}،[٣] وهم كذلك من أنواع الصدقة الجارية التي تستمر بعد موت المرء إذا كانوا صالحين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له".[٤][٥]

حكم التمييز بين الأبناء

في الحديث عن حكم التمييز بين الأبناء لا شك في أنّ الإسلام يحثّ على العدل بين الأبناء ولا يقبل التمييز بينهم، فقد وصف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- التمييز بين الأبناء في الهبات بالجور، فعن النعمان بن البشير رضي الله عنهما، حيث قال: "سَأَلَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لي مِن مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لِي، فَقالَتْ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ بيَدِي وأَنَا غُلَامٌ، فأتَى بيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهذا، قالَ: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأُرَاهُ، قالَ: لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ"،[٦] فالتمييز بين الأبناء نوع من أنواع الظلم، والله -تعالى- قد أمر بالعدل، فقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}،[٧] وقد أمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالعدل بين الأبناء، فعن النعمان بن البشير رضي الله عنهما، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اعدلوا بينَ أبنائِكُم، اعدلوا بينَ أبنائِكُم"،[٨] والعدل لا يكون فقط بالهبات والأموال بل أيضًا بالحنان والعطف وحُسن المعاملة، ولكن العدل بين الأبناء في الهبات والعطايا لا يعني المساواة بينهم في كل شيء، فقد يكون أحدهم مريضًا ويحتاج إلى المال من أجل العلاج، وقد يكون أحدهم كبيرًا والآخر صغيرًا ومعلومٌ أنّ الكبير بحاجة إلى المال أكثر من الصغير.[٩]

أسباب التمييز بين الأبناء

بعد الحديث عن حكم التمييز بين الأبناء، لا بُدّ من بيان الأسباب التي تدفع الوالدين للتمييز بين أبنائهم، فقد يُفضل بعض الآباء بين أبنائهم بحسب جنسهم، فبعضهم يُفضل الذكر على الأنثى، وهذا من الجهل لأنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حثّ على رعاية البنات والاهتمام بهن، وبيّن الثواب العظيم لمن أحسن إليهن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ"،[١٠] وكذلك بيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الإنفاق والإحسان إلى البنات من الأسباب المنجية من النار، فعن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، ولَمْ تَأْكُلْ منها، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْنَا، فأخْبَرْتُهُ فَقالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ"،[١١] وقد شدد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في التعدي على حقوق اليتيم والمرأة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمِ، والمرأَةِ"،[١٢] وقد يفرق بعض الآباء بين الأبناء بسبب الجمال أو الذكاء، والجمال والذكاء من الأمور التي ليست بيد أحد من الناس، فلا يجوز التفضيل بين الأبناء من أجل أمور خارجة عن قدرتهم وإرادتهم، ومن الأسباب أيضًا التي تدفع بعض الآباء للتمييز بين أبنائهم: كثرة حركتهم أو قلتها، وهذا ليس مسوغًا للتمييز بينهم، فيستطيع الوالدين التأثير على أبنائهم من خلال التعليم والتربية، ومن أسوأ الأسباب التي تدفع الوالدين للتمييز بين أبنائهم أنّ يكون أحدهم مصابًا بعاهات جسدية، فبدلًا من أنّ يغرقهُ بالحنان والمحبة للخروج من محنته التي هو فيها يلجأ إلى الإساءة إليه.[١٣]

آثار التمييز بين الأبناء

لا شك في أنّ التمييز بين الأبناء يولد آثار سليبة بين الأبناء وحتى بين الأبناء والوالدين، فالتمييز بين الأبناء من الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين، فعن النعمان بن البشير رضي الله عنهما، حيث قال: "أنَّ أباهُ أتى بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يشهَدُ علَى نحلٍ نحلَهُ إيَّاهُ فقالَ: أَكُلَّ ولدِكَ نحَلتَ مثلَ ما نحلتَهُ قالَ: لا قالَ: فلا أشهَدُ على شَيءٍ أليسَ يَسرُّكَ أن يَكونوا إليكَ في البِرِّ سَواءً قالَ: بلَى قالَ: فلا إذًا"،[١٤] فقد بيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ العدل بين الأبناء من أسباب التي تؤدي إلى بر الوالدين، والجور والظلم يؤدي إلى العقوق، وكذلك الحقد والكراهية من الآثار السلبية للتمييز بين الأبناء، فالتمييز بينهم يؤدي إلى الغيرة والأنانية والحسد، وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى الأمراض النفسية وإلى شعور الابن بعدم الثقة بنفسه وأنّه دون الآخرين، فالواجب على الوالدين الحرص على العدل بين أولادهم لتجنب الآثار السلبية الناتجة عن ذلك،[١٥] فالإسلام حرم كل أشكال التمييز بين الأبناء، والعدل يكون بالحنان والعطف والاهتمام والتربية والتعليم والهبات والعطايا، وقد وصف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- التمييز بينهم في الهبات والعطايا بالجور.[١٦]

المراجع

  1. سورة الكهف، آية:46
  2. سورة الفرقان، آية:74
  3. سورة الإسراء، آية:6
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1631، حديث صحيح.
  5. "نعمة الأبناء وفضل تربيتهم"، al-maktaba.org، 2020-05-17، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-17. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن البشير، الصفحة أو الرقم:2650، حديث صحيح.
  7. سورة النحل، آية:90
  8. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن النعمان بن البشير، الصفحة أو الرقم:3689، حديث صحيح.
  9. "أحكام الهبة والعطية"، al-maktaba.org، 2020-05-17، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-17. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2631، حديث صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1418، حديث صحيح.
  12. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2982، حديث حسن.
  13. "العدل بين الأولاد"، www.saaid.net، 2020-05-18، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
  14. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن النعمان بن البشير، الصفحة أو الرقم:3682، حديث صحيح.
  15. "العدل بين الأولاد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  16. "العدل بين الأبناء من أهم عوامل التربية الصحيحة "، www.alukah.net، 2020-05-18، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
3057 مشاهدة
للأعلى للسفل
×