حكم الزنديق في الإسلام

كتابة:
حكم الزنديق في الإسلام

مفهوم الزندقة

إنّ الزندقة في اللغة هي كلمة فارسية استخدمها العرب في بدايات التاريخ الإسلامي؛ حيث أطلقوا هذا اللفظ على طائفة من الناس كانوا ملاحدة، وقد دخلتْ كلمة الزندقة إلى المعجم العربي في القرن الثاني للهجرة، حيث قال الخليل في كتاب العين: "زندقة الزّنديق: ألّا يؤمن بالآخرة وبالرّبوبيّة، وقيل: هو الّذي لا يؤمن بالآخرة ووحدانيّة الخالق"، أمَّا في الاصطلاح فالزندقة لفظ يُطلق على من لا يؤمن بالله تعالى ولا باليوم الآخر، وقيل أيضًا إنَّ الزندقة كلمة تُطلق على من يعلنُ الإيمان ويخفي الكفر، وهي في هذا الحالة بمعنى النفاق، وللزندقة ثلاثة أنواع: أولها أن يكون الزنديق زنديقًا في الأصل، أو أن يكون مسلمًا فصار إلى الزندقة، أو أن يكون منأهل الذِّمة فتزندق، وفيما يأتي سيتم تسليط الضوء على حكم الزنديق في الإسلام.[١]

حكم الزنديق في الإسلام

إنَّ الزندقة في الإسلام هي الكفر، وهي عند جمهور أهل العلم إظهار الإيمان وإسرار الكفر، قال الدسوقي: عن الزنديق "وهو المسمى في الصدر الأول منافقًا، ويسميه الفقهاء زنديقًا"، وقد عرَّف الحنفية وقسم من الشافعية الزنديق بأنَّه الشخص الذي لا يدين بأيِّ دين، فالزندقة هي خروج من الملِّة وهي الكفر الأكبر،[٢] أمَّا حكم الزنديق في الإسلام فهو كافر، وقد أحرق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الزنادقة كما جاء في صحيح الإمام البخاري، جاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- ما يأتي: "أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، بزَنادِقَةٍ فأحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذلكَ ابْنَ عبَّاسٍ، فقالَ: لو كُنْتُ أنا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُعَذِّبُوا بعَذابِ اللَّهِ ولَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ"،[٣] وقد قال ابن تيمية في تعليقه على هذا الحديث: "فهذا من أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- بيان أنَّ كل زنديق كتم زندقته و جحدها حتى قامت عليه البينة قُتلَ ولم يُستتبْ، وأنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يقتل من جحد زندقته من المنافقين لعدم قيام البينة"، فالزِّنديق في الإسلام كافر مهدور دمه، قال ابن القيم: "ومما يدلُّ على أن توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمَهُ وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}[٤]، والله تعالى أعلم.[٥]

شروط قبول توبة الزنديق

إنَّ توبة الزنديق في الإسلام مسألة متشعبة كثيرًا، فقبول التوبة يكون في الدنيا وفي الآخرة، وتوبة الزنديق في الدنيا أي عدم تطبيق حكم الشريعة فيه وهو القتل، أمَّا في الآخرة أي مدى قبول الله تعالى لتوبة الزنديق، وفيما يأتي تفصيل في الوجهين:[٦]

قبول توبة الزنديق عند الله تعالى

لا خلاف بين أهل العلم في مسألة قبول توبة الزنديق عند الله تعالى، فأدلة قبول توبة الكفار والمنافقين والمرتدين واضحة صريحة، حيث قال تعالى في سورة آل عمران: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٧] وقال ابن قدامة: "فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم -أي الزنديق ومن تكررت ردته- في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم؛ وأمَّا قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنًا وظاهرًا، فلا خلاف فيه".

قبول توبة الزنديق في الدنيا

إنَّ قبول توبة الزنديق في الدنيا له حالتان: الأولى أن يمسك ولي الأمر بالزنديق قبل التوبة، فيتوب الزنديق بعد وقوعه في يد ولي الأمر، وفي هذه الحالة اختلف أهل العلم؛ فقال بعضهم يُقتل الزنديق إنَّ وقع في يد ولي الأمر ولو تاب، ورأى قسم آخر من أهل العلم أنَّه إذا أظهر الزنديق التوبة رٌفع عنه القتل وقُبلت توبته، أمَّا إذا بادر الزنديق إلى التوبة قبل أن يقع في يد ولي الأمر فتُقبل توبته بإجماع العلم، قال ابن قطان: "وإذا ارتدَّ المسلم ولحق بدار الحرب، وراجع الإسلام قُبِلتْ توبته، وكذلك الزنديق؛ ولا أعلم بين الناس في ذلك خلافًا"، والله أعلم.

المراجع

  1. "الزندقة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  2. "حكم وصف المسلم بأنه زنديق"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6922، حديث صحيح.
  4. سورة التوبة، آية:52
  5. "أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  6. "توبة الزنديق"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية:86 - 89
3953 مشاهدة
للأعلى للسفل
×