حكم الصلاة بعد شرب الخمر

كتابة:
حكم الصلاة بعد شرب الخمر

حكم الصلاة بعد شرب الخمر

حكم صلاة شارب الخمر

أجمع الفُقهاء على عدم سُقوط الصلاة على شارب الخمر، بل يجبُ عليه أن يُصلِّي، وإن صلّى فصلاتُهُ صحيحة ولا إعادة عليه، وأمّا حديث: (مَن شَرِبَ الخمْرَ لمْ تُقبَلْ له صَلاةٌ أربعينَ يَومًا)،[١] فهو محمولٌ على عدم الثواب عليها، وليس على عدم الصلاة،[٢][٣] فالقبول يُطلق في الشرع ويُرادُ به حُصول الثواب، ونفي الثواب لا يعني عدم الصحة؛ وذلك كصلاة شارب الخمر فهي صحيحة، ولكنّه لا يُثاب عليها، فالفعل وقع صحيحاً وهو الصلاة،[٤] ونفي الثواب عنه لا يعني إباحة ترك للصلاة، فإن فعلها بشروطها وأركانها فقد برئت ذمّته منها ومن المُطالبة بها، ولا يأخُذ ثوابها أربعين يوماً.[٥]


أداء الصلاة في حال السُّكْر

نهى الله -تعالى- عن قُربان الصلاة للسكران، لِقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٦] والمقصود عدم القيام إليها واجتنابها، وفي الآية إشارةٌ إلى ترك المُسكرات، حيثُ إن السكران لا يعلم ما يقوله في المسائل العاديّة، فمن باب أولى في العبادة والصلاة والقُرآن.[٧]


وذهب أكثرُ المُفسّرين إلى أن المقصود من قول (وأنتم سُكارى)، أي السُّكر وهو شرب الخمر، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه-، فيكون المعنى لا تقربوا مواضع الصلاة في حال السُّكْر،[٨] وذلك احتراماً للصلاة وأوقاتها،[٩] وكان النهي المقصود الوراد في هذه الآية بحرمة الشرب الذي يوجب السُّكر قبل الصلاة، فنهى الله -تعالى- الصحابة الكرام في بداية تحريم الخمر عن الشرب الذي يقتضي معه السُّكر عند حُضور الصلاة، وإن سكر قبل الصلاة كان منهيّاً عن فعلها، ويجب عليه الإعادة في حال صحوه.[١٠]


حكم شرب الخمر

ثبت تحريم الخمر في القرآن والسُنة والإجماع، فمن القرآن قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)،[١١] حيثُ أطلق الله -تعالى- عليها لفظ الرجس؛ وهو الشيء القذر والقبيح، وفي الشرع هو الشيء المُحرم، وأمّا من السُنة فقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ).[١٢][١٣]


وجاء عن الإمامان الذهبيّ وابنُ حجر أن شرب الخمر من الكبائر، وألحق الذهبي بالخمر شرب الحشيشة؛ لإفسادها للعقل والمزاج، فالخمر تؤدّي إلى المُخاصمة وتصدُّ عن الصلاة وذكر الله -تعالى-،[١٤] وهذا التحريم يشمل شُربه سواءً أكان قليلاً أو كثيراً، وجاء عن بعض الصحابة الكرام قولهم: "ما حرم الله -تعالى- شيئاً أشد من الخمر".[١٥]


حكمة تحريم الخمر

حرّم الله -تعالى- الخمر وشدّد في تحريمها للكثير من الحِكَم، ومنها:

  • الخمر أُمُّ الخبائث:[١٦] لما يترتبُ على شُربها زوال العقل، وإضاعة المال، والندم والتهلُكة، كما أن في شُربها جنايةٌ على العقل الذي ميّز الله -تعالى- به الإنسان على سائر المخلوقات، بالإضافة إلى ضررها الواقع على الدماغ الذي هو مركز العقل، وهذا الضرر محل إجماعٍ بين أهل الطب.[١٧]
  • الخمر تصدُّ عن ذكر الله -تعالى- وعن الصلاة، وتوقع العداوة والبغضاء بين أفراد المُجتمع؛ لِقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)،[١١][١٨]
  • مُنافاتها لليقظة الدائمة التي يطلُبها الإسلام من المُسلم؛ ليبقى دائماً مُتصلاً بالله -تعالى-، حيث تؤدي به إلى الضعف والفساد.[١٩]
  • الأثر الذي تُحدثهُ من زوال العقل الذي يُفسد على الإنسان إنسانيته، ويأخذ منه مكانة التكريم، بالإضافة إلى ما قد تُحدثُهُ من قطع صلات المحبة، والقتل، والبُعد عن الله -تعالى-.[٢٠]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 4/29 ، صحيح.
  2. محمد المَرْوَزِي (1406)، تعظيم قدر الصلاة (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة، مكتبة الدار، صفحة 587، جزء 2. بتصرّف.
  3. أحمد الحازمي، شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول، صفحة 15، جزء 7. بتصرّف.
  4. شمس الدين السفيري (2004)، المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية -صلى الله عليه وسلم- من صحيح الإمام البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 254، جزء 2. بتصرّف.
  5. محمد الحسن، (2011)، التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ (الطبعة الأولى)، الرياض، مكتبة دار السلام، صفحة 19، جزء 10. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية: 43.
  7. محمد متولي الشعراوي (1997)، تفسير الشعراوي - الخواطر، مصر، مطابع أخبار اليوم، صفحة 2257-2259، جزء 4. بتصرّف.
  8. منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض، دار الوطن، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  9. محمود محمد غريب، لطائف قرآنية، صفحة 5. بتصرّف.
  10. أحمد الجصاص (1405)، أحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، صفحة 166-167، جزء 3. بتصرّف.
  11. ^ أ ب سورة المائدة، آية: 90-91.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2003، صحيح.
  13. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 250-252، جزء 9. بتصرّف.
  14. عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- (الطبعة الرابعة)، جدة، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 4696-4697، جزء 10. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 15، جزء 5. بتصرّف.
  16. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي السقاف (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 229، جزء 3. بتصرّف.
  17. بكر محمد (1415هـ)، الحدود والتعزيرات عند ابن القيم (الطبعة الثانية)، الرياض، دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 267-270، جزء 1. بتصرّف.
  18. عبد الناصر ميلاد (2005)، البيوع المحرمة والمنهي عنها (الطبعة الأولى)، مصر، دار الهدى النبوي، صفحة 205، جزء 1. بتصرّف.
  19. سعيد حوّى (1424هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة، دار السلام، صفحة 1503-1504، جزء 3. بتصرّف.
  20. عبد الفتاح بن سليمان عشماوي (1403)، الخبيثة أم الخبائث (الطبعة الخامسة عشر)، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، صفحة 192. بتصرّف.
4841 مشاهدة
للأعلى للسفل
×