محتويات
تقبيلُ اليدِ بين الإباحة والكراهة
يُعبّر بعض الناس عن احترام الكبير في القَدر أو العمر بمظاهر مختلفةٍ، وتعارف الناس على بعض هذه المظاهر الدالّة على احترام الكبير؛ كتقبيل يده، أو رأسه، أو كتفه، وتطرّق الفُقهاء إلى حُكم تقبيل يد الكبير بقصد إظهار الاحترام والتّقدير له، فمع أنَّ الإسلام أمر بإظهار الاحترام للكبير وتوقيره وتكريمه، إلا أنّ مسألة تقبيل اليد من المسائل التي فصّل الفقهاء في حكمها، وآتيًا بيان أقوالهم فيها.
حُكم تقبيل اليد
تعدّدت أقوال العلماء في حكم تقبيل اليد تبعًا لحالة والغرض من التقبيل بين الإباحة والكراهة، وفيما يأتي تفصيل أقوالهم.
القول الأول: جواز تقبيل اليد
يجوز تقبيل أيدي العُلماء والوالدين و الصّالحين من أهل الدِّين والعِلم والفَضْل، بل إنَّ في ذلك دليلًا على صدق محبّة الناس لهم وبرِّهم بهم، وقيمتهم في المجتمع عند أبنائهم وأقوامهم، وفيه تعظيمٌ للعلم وأهله، ولا حرج أو كراهة في هذا الفعل شرعًا.[١]
قد اشترط العلماء لجواز تقبيل اليد في هذه الحالة أمران يجب توفُّرهما؛ حتّى لا يخرج الجواز إلى الحُرمة أو الكَراهة، وهما:[٢]
- عدم المغالاة
وذلك بألّا تكون في تقبيل أيدي العلماء و الصّالحين مُغالاةٌ وزيادةٌ في التّبجيل؛ لِما قد يُسبّبه ذلك من تغاضٍ عن أخطائهم وزلّاتهم، أو ما قد يقع في قلوب بعض العلماء والصالحين من كبرٍ إن بالغ الناس في ذلك.
- عدم التقديس
وذلك بألّا يُزاد في تقبيل أيدي العلماء والصّالحين والدُّعاة عمّا أجازه الشّرع وسمح به من احترام العُلماء وإِجلالهم، حتّى يصل الناس إلى درجة تقديسهم في أمور أخرى، مثل: الرُّكوع لهم قبل تقبيل أيديهم، أو الانحناء لأجل تقبيل أيديهم، ممّا قد يؤدّي إلى إذلال خَلق الله وتكبُّر العلماء عليهم.
القول الثاني: كراهة تقبيل اليد
يُكرَه تقبيل أيدي غير الوالدين والعلماء، كالوُلاة، وأصحاب الجاه، والمناصب، والأغنياء، وذوي السُّلطان والجبروت، يقول الإمام النوويّ رحمه الله: "يُستحَبّ تقبيل يد الرّجل الصّالح، والزّاهد، والعالم، ونحوِهم من أهل الآخرة، وأمّا تقبيل يدهِ لغِناه ودُنياه وشوكتِه ووَجاهتِه عند أهل الدُّنيا بالدُّنيا ونحو ذلك فمكروهٌ شديد الكراهَةِ، وقال المتولّي: لا يجوز".[١]
خلق احترام الكبير
دعت الشّريعة الإسلاميّة إلى احترام الكبير، وإحسان مُعاملته، والاهتمام به، وتوقيره، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على احترام الكبير وتوقيره؛ حيث رُوي أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- قد قال: (ليس منّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرَنا، ويوَقِّرْ كبيرَنا ويأمُرْ بالمعروفِ، وينْهَ عنِ المُنكَرِ).[٣][٤]
مظاهر احترام الكبير
أمّا كيفيّة إظهار توقير الكبير، واحترامه، وإجلاله فإنّ لذلك مظاهر وصورٌ كثيرةٌ، فيما يأتي بيانها.[٢]
تقديم الكبير في الأمور جميعها
ويكون ذلك بالابتداء به عند الهمّ بفعل شيءٍ منها؛ فقد دعا الإسلام إلى تقديم الكبير في الأعمال والأقوال والأحوال جميعها، وقد اعتبر الإسلام تقديم الكبير من الأخلاق العظيمة التي يجب أن تتفعّل في المُجتمعات الإسلاميّة؛ فحثّت الشريعة الإسلاميّة على تقديم الكبير في تصدّر المجالس، وتقديمهم للكلام، وفي صلاة الجماعة، ومن ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (استَوُوا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، لِيَلِيني منكُم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثمّ الذين يلوْنَهم، ثمّ الذين يلونَهم)؛[٥] فأولو الأحلام والنُهى: هم الرجال الأكبر سنًّا والأنضج عقلًا.[٦]
عدم الاستِخفاف بالكبير
فقد نهى الإسلام عن كلّ مظهرٍ من مظاهر الاستخفاف بالكبير وصوره؛ فتكون كالتّقليل من شأنه أو من كلامه، أو الاستهزاء بأفعاله وتصرُّفاته، أو عدم إعطائه أهميَّةً إذا دخل مجلسًا أو قام منه؛ وذلك بعدم الوقوف لاستقباله أو وداعه، أو التصرُّف بما يُسيء إليه بالقول، أو الفعل، أو النّظر، أو رفع الصّوت في حضرته.
الحياء في حضرته
إنّ الحياء خلق مطلوبٌ في كلّ وقتٍ، وهو شعبةٍ من شعب الإيمان؛ قال النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (الإيمانُ بِضعٌ وستّونَ شُعبةً، والحَياءُ شُعبةٌ منَ الإيمانِ)؛[٧] فالحياء لا يأتي إلا بخيرٍ، وهو في حضرة الكبار أدعى، وهو ما كان عليه الصحابة الكرام؛ فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أنّه قال: (لقد كنتُ على عهدِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- غُلاماً، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعني من القولِ إلا أنَّ ههُنا رجالاً هُم أَسَنُّ مِنِّي).[٨]
إنزال الكبير منزلةً تليق به
فقد حثّ الإسلام على إنزال الناس منازلهم، وإعطاء صاحب الفضل ومن له مكانةٌ بين الناس حقَّه من التقدير والاحترام، وخصِّه بالتلطّف وطيب المعاملة، ومن ذلك ما كان من النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حين قدم عليه وفد من قبيلة عبد قيس ومعهم زعيمهم؛ فعدّل النبيّ من جلسته حين دخل ووسع له في المجلس، وتلطّف معه في الكلام، وسأله عن أحوال قومه.[٢]
المراجع
- ^ أ ب "هل يجوز تقبيل أيدي الوالدين والعلماء؟"، دار الإفناء الأردنية، 8/11/2012، اطّلع عليه بتاريخ 30/6/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "توقير الكبير خلق الإسلام العظيم"، إسلام ويب، 12/4/2004، اطّلع عليه بتاريخ 30/6/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سُنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1921، حسن غريب.
- ↑ الحسين بن الحسن الحليمي، المنهاج في شعب الإيمان، صفحة 412. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:432، حديث صحيح.
- ↑ "شرح حديث: لِيَلِنِي مِنكُمْ، أُولو الأحْلامِ والنُّهَى"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 30/6/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 9.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 964.