محتويات
حكم حلف اليمين الكاذب
هل في اليمين الغموس كفارة؟
إنّ حلف اليمين الكاذب كبيرة من الكبائر وذنب عظيم، ويُسمّى هذا اليمين باليمين الغموس لأنّه يغمس صاحبه في الإثم،[١] وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ"،[٢] كما أنّ حرمة الكذب وردت بها نصوص متواترة،[٣] والحلف بالله كذبًا يُغضب الله تعالى، وإذا كان بقصد الحصول على منفعة دنيوية أو سلب مال إنسان بغير حقّ تعاظمت حرمته، والمنفعة والمال الذي يحصل عليه الحالف بهذه الطريقة، فليس من حقّه وحرامٌ عليه أخذه، واستعماله ويجب عليه ردّه إلى أهله، والمسارعة إلى التوبة وإخراج الكفارة من باب الاحتياط، وهي إطعام عشرة مساكين.[٤]
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم وجوب الكفارة في اليمين الغموس لأنّه ذنب عظيم ومن خطورة هذا الذنب وعظمته، فالكفارة لا تمحو أثره وإنّما الواجب هو التوبة من هذا الفعل ومن هذه الجرأة،[٥] فكفارة اليمين وضعت فيما لو اضطُر المسلم أن يحنث بيمينه، كأن يحلف على شيء في المستقبل، من عدم القيام بفعل معيّن وما شابه، ثمّ يضطر للقيام بهذا الفعل فيحنث بيمينه ويُكفّر عنها، ومن الواجب حفظ الأيمان ما أمكن ذلك.[١]
حكم الحلف بغير الله كاذبًا
كيف يتصرّف من حلف بغير الله كاذبًا؟
إنّ الحلف بغير الله كذبًا ذنب عظيم يشتمل على محظورين، الأول هو الإقدام على الحلف بغير الله وذلك شرك به سبحانه، وقد نهت النصوص الشرعية عن هذا الفعل وبيّنت خطورته الشديدة، ومن الواجب الحذر منه والتوبة عند إتيانه، والثاني وهو الكذب وهو محظور شرعي أيضًا، وبالنسبة لإخراج الكفارة فلم يُشرع إخراجها في هذه الحالة.[٦]
حكم الحلف بالله كذبًا اضطرارًا
هل يُمكن للمسلم أن يحلف بالله كذبًا إذا كان مضطرًا؟
الأصل أنّ المسلم إذا اضطُر للكذب اضطرارًا شديدًا أن يستعمل التورية وهو أن يقول كلامًا يفهم منه الشخص الآخر المعنى الذي يُريد وهو يُريد معنًى آخر، كأن يقول: "هذا أخي"، فيفهم السامع أنّه أخوه بالنسب وهو يُريد أخوّة الإيمان، وما شابه ذلك.[٧]
ولكن إذا دعت ضرورة ملّحة للكذب وحلف اليمين كذبًا كأن يترتّب على عدم الحلف فصل من وظيفة أو عمل يحتاج إليه الإنسان بشدّة، أو أنّه سيوضع في السجن أو يتعرّض للضرب، ولم يتمكّن من التورية جاز له الإقدام على الحلف الكاذب، شريطة أن لا يتسبّب بيمينه هذا بوقوع أذى على إنسان بريء، وقد قال أكثر أهل العلم بعدم وجوب الكفارة، ولكن يمكن للمسلم أن يُكفّر عن هذا اليمين احتياطًا.[٧]
حكم الحلف كذبًا للإصلاح
هل يجوز أن يكذب الإنسان بهدف الإصلاح بين المتخاصمين؟
يجوز الكذب بهدف الإصلاح، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا. قالَ ابنُ شِهابٍ: ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها"،[٨] وقد أجاز بعض أهل العلم الحلف كذبًا في هذه الحالة وإذا استطاع الإنسان التورية في يمينه كان أفضل،[٩] في حين لم يُرخّص آخرون بالحلف الكاذب لأجل الإصلاح ولا حتّى التورية، مع قولهم بجواز الكذب بقصد الإصلاح بين الناس.[١٠]
حكم الكذب للسّتر على مسلم خشية ضرره
ماذا يفعل المسلم إذا كان قول الصدق سيضرّ مسلمًا آخر؟
المسلم لا يتكلّم إلّا الصدق والحق ولا ينطق بالكذب ويبتعد عنه، هذا هو الأصل ولكن هناك حالات أُبيح فيها الكذب لأنّ الصدق فيها يؤدّي لوقوع ضرر هو أكبر من ضرر الكذب، ومن هذه الحالات جواز الكذب للستر على مسلم خشية ضرره إذا تبيّنت الحقيقة وقيل الصدق، ولكن من الواجب أن يحرص الإنسان على استعمال التورية والمعاريض ما أمكنه ذلك، كي يتفادى وقوع الضرر والكذب بوقتٍ واحد.[١١]
حكم الحلف بالله كذبًا من غير قصد
هل في اليمين اللغو كفارة؟
إنّ الحلف من غير قصد وبدون شعور ودون وجود نية لعقد اليمين في القلب هو من قبيل لغو اليمين وهذا لا تجب فيه الكفارة والمسلم غير مؤاخذ به فهذه يمين ليست منعقدة، ولكن إذا كان هذا اليمين جرى من غير قصد ولكنّه كان كاذبًا فيجب التوبة من الكذب، ومن الواجب أن يتحرّى الإنسان ويحفظ لسانه من الكذب وأن لا يُكثر من الحلف بالله وأن لا يحلف إلّا صادقًا، فالحلف بالله كذبًا عن قصد من الكبائر.[١٢]
حكم الحلف كاذبًا لدفع الظلم
ماذا يفعل من سيقع عليه ظلم إذا لم يحلف كاذبًا؟
أجاز أهل العلم التورية في اليمين لدفع الظلم والتخلّص من شرّ شخص آخر،[١٣] كما رخّصوا بالحلف الكاذب إذا كان بقصد الوصول إلى حق ودفع ضرر لا يمكن دفعه بدون هذا اليمين، وإخراج الكفّارة عن هذا اليمين هو من باب الاحتياط لا الوجوب، والله أعلم.[٥]
المراجع
- ^ أ ب ابن جبرين، كتاب فتاوى الشيخ ابن جبرين، صفحة 54. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6675، حديث صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 199. بتصرّف.
- ↑ "حلفت يمينا كاذبا للحصول على النفقة"، دار الإفتاء، اطّلع عليه بتاريخ 27/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 280. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 521. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 271. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم كلثوم بنت عقبة، الصفحة أو الرقم:2605، حديث صحيح.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، كتاب فتاوى منوعة، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي، كتاب شرح زاد المستقنع للشنقيطي، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 474. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 256. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، كتاب شرح الأربعين النووية، صفحة 13. بتصرّف.