حكم خروج المعتدة لصلاة العيد

كتابة:
حكم خروج المعتدة لصلاة العيد

العدة

العدة لغةً تعني الإحصاء؛ وهي بذلك مأخوذة من العدد غالبًا؛ لاشتمالها على عدد القروء والأشهر، فهي بذلك اسم مصدر يطلق على العدد والمعدود، فيُقال: عدة المرأة، ويُقصد به: أيّام أقرائها أو قروئها، واصطلاحًا هي مدّة حددها الشرع بعد الفرقة، يجب على المرأة الانتظار فيها دون زواج حتى تنقضي المدة، وقد ذهب الأحناف إلى أنّ العدّة هي مدّة زمنية لانقضاء آثار الزواج، أو بعبارة أدق ما بقي من آثار الزواج، وعند الأحناف تتداخل العدتان معًا إن كانتا من جنس واحد أو جنسين، كالتي تتزوج قبل انقضاء عدة طلاقها ثم تُطلّق؛ ففي هذه الحال تنتظر انقضاء العدة الأولى، ولا تعتدّ مرّة أخرى، وكذلك التي يموت عنها زوجها وتُوطأ بشبهةٍ ما؛ ففي هذه الحال لا عدّة جديدة عليها، وأمّا الجمهور فذهبوا إلى أنّها تعتدّ عدّتين؛ فتنتظر انقضاء الأولى ثمّ تعتدّ للأخرى، ولا تتداخل العدتان إلّا إن كانتا من نفس الرجل ولو كانتا من جنسين، وسيقف المقال مع حكم خروج المعتدة لصلاة العيد.[١]

حكم خروج المعتدة لصلاة العيد

بعد الوقوف على معنى العدة من حيث اللغة والاصطلاح في الشريعة الإسلامية، وبعد الوقوف على أسباب الخلاف بين الأئمّة حول مفهومها اصطلاحًا وكيفيّتها والأسباب التي أوجبت الخلاف فيما بينهم، فإنّ هذه الفقرة تقف مع أمر مهمّ وهو حكم خروج المعتدة لصلاة العيد، ومعلوم أنّ العدّة -كما مرّ آنفًا- هي المدة الزمنية التي تلي الطلاق أو وفاة الزوج، وحكم خروج المعتدة لصلاة العيد، أو حكم خروج المعتدة عمومًا هو أمرٌ قد عالجه الإسلام ووضع له ضوابط يسير عليها؛ منعًا من حدوث لبس في المسألة، وفي هذه المسألة -أي حكم خروج المعتدة لصلاة العيد- قد ذهب الفقهاء فيها مذهبًا واحدًا وهو المنع؛ إذ لا يجوز للمعتدّة سواء كانت من طلاق أم فسخ أو وفاة أن تخرج من البيت الذي تعتدّ فيه إلى مكان آخر إلّا لضرورة،[٢] وصلاة العيد ليست ضرورة كما ذهب جماعة من أهل العلم، وقد قال الإمام الشوكانيّ -رحمه الله- مُعلّقًا على حديث الفريعة بنت مالك -رضي الله عنها- الذي تروي فيه جواب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لها بعد أن سألَتهُ عن مكوثها في بيت من بيوت الأنصار بعد سماعها نبأ وفاة زوجها، فقال لها: "امْكُثي في بيتِكِ الَّذي جاءَ فيهِ نعيُ زوجِكِ حتَّى يبلغَ الْكتابُ أجلَهُ"،[٣] فيقول هنا الإمام الشوكاني مُعلّقًا على هذا الحديث: "والحديث وما في معناه من الأحاديث قاضيةٌ بمشروعيّة خروج النساء في العيدين إلى المصلّى، من غير فرق بين البكر والثيّب، والشابّة والعجوز، والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة"، وغير هذا القول أقوال أخرى كثيرة لأهل العلم تقضي بمنع المعتدة مهما يكن سبب عدّتها من الخروج لصلاة العيد، والله أعلم، وبذلك يتوضّح حكم خروج المعتدة لصلاة العيد.[٤]

حكم خروج المعتدة

بعد الوقوف على حكم خروج المعتدة لصلاة العيد في الفِقرة السابقة، فإنّ هذه الفِقرة تقف مع تفصيل أحكام خروج المعتدّة سواء كانت معتدة لطلاق رجعي، أم كانت لطلاقٍ بائن، أو كانت معتدة لوفاة زوجها عنها، وفي هذه الأنواع الثلاثة للعدّة كلامٌ طويلٌ عند أهل العلم تقف هذه الفقرة معه بشيء من التفصيل، ولكنّه تفصيلٌ موجزٌ في آن، وتفصيل هذه الأنواع فيما يأتي:

  • حكم خروج المعتدة من طلاقٍ رجعيٍّ: لقد ذهب الشافعية والأحناف إلى عدم جواز خروج المطلقة طلاقًا رجعيًّا من مسكن عدّتها لا ليلًا ولا نهارًا مستدلّين على ذلك بقوله تعالى في سورة الطلاق: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}،[٥] فظاهر الآية النهي عن إخراج الأزواج زوجاتهم من بيوتهنّ، وكذلك عدم خروج الزوجة من بيتها الذي تعتدّ فيه، وقال بعض علماء الشافعيّة كالإمام النووي إنّ المطلّقة طلاقًا رجعيًّا هي بحكم زوجة الرجل فعليه القيام على أمرها وكفايتها، وعليها ألّا تخرج إلّا بإذنه، بينما ذهب المالكيّة والحنابلة إلى جواز خروج المطلّقة طلاقًا رجعيًّا نهارًا لقضاء حوائجها، ولكن عليها أن تلزم منزلها ليلًا خوف الوقوع في الفساد، واستدلّوا على ذلك بالحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله إذ قال: طُلِّقَتْ خالتي ثَلاثًا، فخرَجَتْ تجِدُ نَخْلًا لها، فلقِيها رجُلٌ فنهاها، فأتَتِ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فذكَرَتْ ذلك له، فقال لها: "اخرُجي فجِدِي نَخْلَكِ؛ لعلَّكِ أن تصَدَّقِي منه أو تفعلي خيرًا"،[٦] وصرّح المالكيّة بأنّ خروج المعتدّة بطلاق رجعيّ لقضاء حوائجها جائز في الأوقات المأمونة؛ وتلك الأوقات تختلف باختلاف الزمان والبلاد؛ إذ هي في بعض البلدان في وسط النهار، وفي غيرها في طرفي النهار، ولكنّها يجب أن تبات ليلًا في مسكنها.[٧]
  • حكم خروج المعتدة من طلاقٍ بائنٍ: في هذا الحكم قولان عند فقهاء الإسلام، الأوّل رأي الجمهور من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة وبعض علماء السلف كسفيان الثوري والليث بن سعد والإمام الأوزاعي وقد ذهبوا جميعًا إلى جواز خروج المرأة نهارًا أو في طرفي النهار لشراء ما يلزمها من مأكل وملبس وخلافه، أو أن تكون تخرج لعملٍ ما بعيدٍ عن سكنها، كأن تكون قابلة أو ماشطة أو نحو ذلك، ولا خلاف في الحكم عندهم سواء كان الطلاق بائنًا بينونة صغرى أم كبرى، وحجّتهم في ذلك حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- السابق، وضابط خروج المعتدّة نهارًا عند الإمام الشافعي في قوله: "كُل مُعْتَدَّةٍ لاَ تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا لَهَا الْخُرُوجُ، أَمَّا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا فَلاَ تَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ؛ لأَِنَّهُنَّ مَكْفِيَّاتٌ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ"، وكذلك قد أجاز الشافعيّة للمعتدة الخروج ليلًا كالخروج إلى دار جارة لها للأُنس والغَزْل وغير ذلك، لما روي عن إجازة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لنساء بعض شهداء أُحُد الجلوس في دار إحداهنّ للاستئناس، ولكن شريطة المبيت في ديارهنّ ليلًا، وأمّا الأحناف فمنعوا ذلك مطلقًا لضرورة تحصين ماء زوجها، والله أعلم.[٨]
  • حكم خروج المعتدة لوفاة زوجها: ذهب الفقهاء إلى أنّ المرأة التي توفّي عنها زوجها يجوز لها أن تخرج نهارًا لقضاء حوائجها ولا يجوز لها أن تخرج ليلًا، واستثنى بعض الفقهاء الحامل التي تستحق النفقة فلا تخرج إلّا لضرورة مستدلّين بحديثة الفريعة سابق الذّكر، وبما روي عن نسوة استشهد أزواجهنّ فسألن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن الاجتماع في بيت أحداهنّ فأقرّهنّ على ذلك شريطة أن تبيت كلّ واحدة منهنّ في بيتها، والله أعلم.[٩]
  • حكم خروج المعتدة من شبهةٍ أو نكاحٍ فاسد: وهذه حكمها عند الشافعية كحكم المعتدّة لوفاة زوجها، وللحنفيّة في ذلك تفصيل فقالوا إنّ المعتدّة من نكاح فاسد يمكن أن تخرج إلّا إذا منعها زوجها لتحصين مائه، وأمّا الصغيرة فلها أن تخرج إن كانت الفُرقة لا رجعة فيها سواء أذِنَ لها الزوج أم لم يأذَن؛ لأنّ العدّة حقّ لله -تعالى- وللزوج، وحق الله غير واجب على الصبي، والرجل حقه في العدة أن يحفظ ولده وهي لا ولد لها، وأمّا إذا كانت الفُرقة رجعيّة فلزوجها أن يمنعها أو أن يأذن لها، وكذلك المجنونة لها أن تخرج لأنّ حكمها كحكم الصبي، ولكن يمكن للزوج منعها لتحصين مائه، وأمّا الكتابية فلها أن تخرج أثناء العدة لأنّ العدّة -كما سبق- حق لله تعالى، فهي إذًا عبادة، والكفّار لا يُخاطبون بالشرائع التي هي عبادات، ولكن يمكن للزوج أن يمنعها صيانة لمائه عن الاختلاط، وأمّا إن أسلَمَت فإنّ عليها حينئذ ما على المسلمة في العدة، والله أعلم.[١٠]

مكان العدة

بعد معرفة حكم خروج المعتدة لصلاة العيد وبعد الوقوف على أحكام خروج المعتدّة عمومًا يقف المقال لتفصيل مكان العدة عند العلماء، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مكان العدة سواء كانت بسبب طلاق أو فسخ أو موت هو بيت الزوجية الذي كانت تسكنه قبل موت زوجها أو مفارقتها له، أو عندما بلغها خبر موته، وتستتر فيه عن كلّ من هو ليس بمحرم لها، فإن كانت في بيت أهلها وطلّقها أو مات فإنّ عليها أن تعود إلى بيتها وتعتدّ فيه، فلا تسقط السكنى في بيت الزوجية ولا تتغيّر إلّا بالأعذار لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}،[١١] وكذلك لحديث الفريعة آنف الذكر، وأمّا الحنابلة أنّه يُستحبّ سكن المطلّقة المبتوتة في الموضع الذي قد طُلِّقَت فيه، وقال جماعة من التابعين كالحسن البصري إنّ المتوفّى عنها زوجها لها أن تعتدّ حيث شاءت، وروي هذا القول عن عليّ بن أبي طالب وابن عبّاس وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم.[١٢]

حكمة مشروعية العدة

بعد معرفة حكم خروج المعتدة لصلاة العيد وبعد الوقوف على أحكام العدة عمومًا ومكانها يقف المقال ختامًا مع الحكمة من مشروعيّة العدّة، ولمشروعيّة العدّة حِكَم كثيرة لا يعلمها إلّا الله تقدّس وتعالى، ولكنّ العلماء أحصوا حكمًا للعدّة يمكن الوقوف عليها، وتفصيلها فيما يأتي:[١٣]

  • العلم ببراءة الرحم: وذلك لئلّا تجتمع ماءات الواطئين في رحم المرأة.
  • تعظيم خطر الزواج ورفع قدره.
  • إطالة مدة الرجوع: وذلك أملًا في أن يندم المُطلِّقُ ويعود فيجد زمنًا يمكّنه من الرجوع.
  • قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده: وذلك في منع المرأة من الزينة وخلافها.
  • الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد، وكذلك للقيام بحق الله الذي أوجبه على عباده.

المراجع

  1. أ. د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7165، جزء 9. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 351، جزء 29. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن الفريعة بنت مالك بن سنان، الصفحة أو الرقم: 1664، حديث صحيح.
  4. "هل يجوز للمعتدة من وفاة أن تصلي العيد؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 14-04-2020. بتصرّف.
  5. سورة الطلاق، آية: 1.
  6. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2297، سكت أبو داود عن هذا الحديث، وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابعه دار الصفوة، صفحة 348، جزء 29 . بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 349، جزء 29. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 350، جزء 29. بتصرّف.
  10. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 351، جزء 29. بتصرّف.
  11. سورة الطلاق، آية: 1.
  12. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 347، جزء 29. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 307، جزء 29. بتصرّف.
10810 مشاهدة
للأعلى للسفل
×