حكم نقل زكاة المال من بلد إلى بلد

كتابة:
حكم نقل زكاة المال من بلد إلى بلد

أنواع المال التي تنقل زكاتها من بلد إلى آخر

اتفق العلماء على أن زكاة المواشي والزروع والثمار توزع في الإقليم الذي تجبى منه، وتعددت آرائهم في النقود ونحوها؛ إذ يمكن توزيعها باتجاهين الأول حيث يوجد المال المُكْتَسب، والثاني حيث يوجد المالك، والحقيقة أنها تتبع المكان الذي اكتسب منه المال لا مكان إقامة المالك، وهذه هي سياسة النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وعلى هذا أئمة الفتوى من فقهاء الصحابة والتابعين.[١]

والحكمة في هذا أن المقصود من الزكاة إغناء فقراء البلد، فإذا نُقِلت بقي أهل البلد على حالهم وفقرهم،[٢] وبهذا فإن بقاء الزكاة في مكانها تؤتي ثمراتها الاجتماعية في تذويب الفروقات الطبقية، والارتقاء بالحياة المدنية، والحد من المخاطر والجريمة داخل المجتمع نفسه.[٣]

والدليل على هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أرسل معاذ إلى اليمن أمره أن يأخذ الزكاة من أغنيائهم ويردها على فقرائهم قال رسول الله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم زَكَاةً في أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِن غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ علَى فقِيرِهِمْ).[٤]

"وسئل عمر -رضي الله عنه- عمّا يُؤخذ من صدقات الأعراب: كيف نصنع بها؟ فقال عمر: والله لأَرُدَنَّ عليهم الصدقة، حتى تروح على أحدهم مائة ناقة أو مائة بعير"،[٥] وقال أبو عبيد صاحب كتاب الأموال: "الأحاديث تثبت أن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها. نرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم، إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار، وقرب دارهم من دار الأغنياء."[٣]

نقل زكاة المال من بلد استغنى أهلها

إذا كان من المتفق عليه أن زكاة المال تؤخذ من أغنياء الإقليم وترد على فقرائه، فإنه من المتفق عليه أيضاً- جواز نقل المال الذي وجبت فيه الزكاة في حال استغنى أهلها عن الزكاة كلها أو بعضها.[٦]

ودليله أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حينما بعث بثلث الصدقة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنكر ذلك عليه بقوله: لم أبعثك جابياً ولا آخذاً للجزية، وإنما بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني.[٧]

أما نقل الزكاة عند عدم الاستغناء عنها من قبل أهل البلد فتعددت الآراء فيه: فمنهم من تشدد في عدم جواز نقل المال إلى بلد آخر، كالمالكية والشافعية والحنابلة،[٨] وكره ذلك الحنفية إلا إذا كانت لقرابة، لما فيها من صلةٍ للرحم.[٩]

نقل الزكاة من بلد إلى آخر عند الضرورة والحاجة

الحقيقة أنه إن تم نقلها إلى البعيد لتحري قرابة، أو من كان أشد حاجة، فلا بأس،[١٠] أما إذا كان في بلد فيه حاجة، فقد قال الإمام مالك "فينقلها الإمام (أي؛ الحاكم) إليهم على سبيل النظر والاجتهاد"،[١١] وقد نُقل هذا عن عمر بن الخطاب في عام الرمادة حينما كتب إلى عمر بن العاص في مصر بطلب المعونة[١٢]

مفهوم المال

المال مفهوم عام يدخل فيه كل شيء له قيمة،[١٣] سواء أكان ذلك في: الذهب والفضة أم المواشي، أم في الزروع والثمار، أم في غيرها، والحقيقة أن الغاية من الزكاة جمعها من الأغنياء وإنفاقها على الفقراء، وتكمن قيمة التوزيع على أهل البلد الذي جمعت فيه الزكاة، فهي لا تحمل أبعاداً ضريبية جبائية للمسؤولين بقدر ما تحمل مفهوماً تكافلياً؛ إذ في النظام الإداري الإسلامي تقوم الدولة على تنظيمها داخل المجتمع الواحد في الإقليم.[١٤]


المراجع

  1. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 811.
  2. ابن قدامة، المغني، صفحة 4-132.
  3. ^ أ ب ابو عبيد القاسم بن سلام، الاموال، صفحة 711.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7372، صحيح.
  5. ابن أبي شيبة، المصنف، صفحة 2-422.
  6. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 813.
  7. ابو عبيد القاسم بن سلام، الاموال، صفحة 710.
  8. سيد سابق، فقه السنة، صفحة 1-409.
  9. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 10-266.
  10. ابن قدامة، المغني، صفحة 2-503.
  11. سيد سابق، فقه السنة، صفحة 1-409.
  12. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 7-103.
  13. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 17.
  14. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 809.
4480 مشاهدة
للأعلى للسفل
×