محتويات
الكتاب يشكو من التلفاز
يُقال إنّ الكتاب تراجع أمام زحف الصورة، والصوت، والمؤثرات الخارجة عن المألوف التي وفرها التلفاز، ولو أنَّ الكتاب تكلم لرأيناه يشكو من التلفاز لكثرة ما أبعدَ الناسَ عنه، وقد دار حوار بين الكتاب والتلفاز على النحو الآتي:
الكتاب: في عصري الذهبي، كنتُ مصدرَ العلم الوحيد، وموئلهُ الأول، ونبعهُ الصافي، حتَّى جاءَ التلفاز ولوَّثَ عقولَ الناس، وعطِّلَ عقولهم عن التفكير.
رد التلفاز في فخر: أنا الذي قرَّبتُ العقول والحضارات، وذهبتُ بالناس في رحلات مجانية، إلى كلِّ بقاع الأرض، فما حاجتهم إلى الأوراق القديمة المملة؟
قال الكتاب في حزن: ولكنَّ المعرفة جاءت من سطور هذه الأوراق القديمة، وهي التي بنى عليها العلماء أفكارهم ونظرياتهم، حتى استطاعوا أن يصنعوا التلفاز، ولولاها لما صنعوا شيئًا، والآن جئتَ لتمحوها، وتمحو الأصالة معها.
أجاب التلفاز: لكل عصرٍ بطل وفارس، أنتَ كنتَ بطل العصور القديمة، وغاية العلماء والقرَّاء زمنًا طويلًا، ولكنَّ هذا العصر هو عصر التطور والتكنلوجيا، لقد مضى زمان الكتب، وهذا زمان الصورة الناطقة والمتحركة، فدع لكل زمانٍ ما يُناسبه.
محاولة الكتاب إظهار سلبيات التلفاز
ربما أكثر شيء أثَّر عليه التلفاز هو القراءة، فقد حوَّل الناس من المعرفة الورقية، إلى المعرفة السمعية والبصرية، وقد حاول الكتاب إظهار سلبيات التلفاز، فجرى الحوار الآتي:
الكتاب للتلفاز: جئتَ للناس بالمفسداتِ، ونشرتَ بينهم المحرمات، والأمراض العقلية، وزرعت الأفكار الملوثة في العقول الصغيرة والكبيرة، ولكم زادت نسبة الجريمة، والقتل والإساءة بينَ الناس، لما تَعرِضهُ شاشتكَ الصغيرة.
رد التلفاز: أنا مرآة تعكس العالم بخيره وشرِّه، وشاشتي فيها الخير والعلم والفائدة، كما فيها الشر والإساءة، فمن شاء الخير سار في طريقه، ومن أراد الشر عثر على بغيته، فالخير والشر إرادة الناس.
الكتاب: نعم هذا صحيح، كذلك القراءة والمشاهدة خيار الناس، ولكنكَ سلبتَ عقولهم بالمؤثرات والخدع، فتوقفوا عن أعمالهم، وأصبحوا ينساقون وراء المشاهد والعروض، بالرغم من العلم والفائدة الكثيرة التي يحويها التلفاز.
اعتراف الكتاب والتلفاز بأهمية الآخر
تدورُ بنا الحياة في ممراتها، وأفلاكها الواسعة، وتأخذنا مباهجها بعيدًا عن الطبيعة والبساطة، فكل تلك التطورات التكنولوجية المبهرة التي تجعلُ حياتنا سهلةً وسلسلةً ومرفهةً، تُبعدنا عن معاملة الأشياء بمادتها المجردة، وفهم المحسوسات بالحس، وقد اعترف كل من الكتاب والتلفاز بأهمية الآخر، فجاء الحوار على النحو الآتي:
التلفاز: أنا من صُنع يدي البشر، وما تصميمي إلّا بناءً على تلك العقول النيّرة التي تُريد مساعدة الناس لفهم العلوم أكثر، ولتقريب المسافة بينَ الحضارات، وبالرغم من أنَّ هناك أشياءً لا تستطيع الكتب أن تُريها للإنسان، وأماكن لا يُمكنكَ أن تأخذ الناس إليها، إلاَّ أنَّ الكتاب يظلُّ المتعةَ الأولى لمن يُقدِّر العلم.
الكتاب: ولو وزّع الناس وقتهم بشكل صحيح وعاقل لاستفادوا من الكتاب ومن التلفاز معًا.
إقرار الكتاب والتلفاز بفضل الآخر
بعد أن اعترف كل من الكتاب والتلفاز بأهمية الآخر، جرى الحوار الآتي:
الكتاب للتلفاز: أنت معجزةُ العصر، فنقلت الناس من العيش في القرى، والبيوت إلى العيش في كل مكان، فليسوا بحاجة للذهاب إلى أيّ مكان، إذ حولت العالم إلى قرية صغيرة.
التلفاز: وأنت لك الفضل بالعلم والمعرفة والفائدة، كما أنّك السبب الأساسي في تقدم الأمم وازدهارها.