بكى العلمُ يومًا
مر الجهل بالعلمِ يومًا ورآه باكيًا يشكو لوعة غربته ويدندن على أبواب اليأس، فنظر إليه نظرةً شامتةً حتى انتفض العلم وقام فزعًا، ودار بينهما الحوار التالي:
الجهل: هه ما لي أراك عابس الوجه منفعلًا؟
العلم: وما شأنك أنت؟
الجهل: إنني لراغبٌ في مد يد العون لكَ، قل لي ما همكَ؟ علني أستطيع مساعدتك، وتخفيف حزنك عنك!
العلم: أتُراني أصدقكَ؟ (وكانت نظرةُ العلم تحكي شيئًا من التصديق).
الجهل: ولماذا أكذبُ عليكَ وكلي أسىً على حالكَ.
العلم: (مُطأطئًا رأسه) إنه ليحزنني يا صديق بُعد الناس عني وقربهم من شاشات الهواتف والتلفاز، وأماكن اللهو والمرح، فلا تجدُ منهم من يفتح كتابًا أو يُجري حوارًا في علمٍ من العلوم.
الجهل (متهكمًا): أضف إلى ذلك أنهم لا يهتمون بامتلاك الكتب العلمية ولا التثقيفية، وإن كل ما يهمهم هو متابعة أخبار الفن والفنانين، والمشاهير وبائعي الكلام، لا تتعب نفسك فالجميع نيام.
العلم: تلك شماتةٌ في نبرة كلامك أَوَ جئت لتثبط من عزيمتي؟!.
فرح الجهلُ بجهالة الإنسان
وبينما كان الحوار دائرًا بينهما ما بين شدٍ وجذب حتى غادر الجهل سعيدًا بما رآه من حال العلم وحال الناس، ثارت ثائرةُ العلم وأقسم ألا يرى الجهل في المرة المقبلة إلّا والناس في أحسن حال، ومكانة العلم مرتفعةٌ ارتفاع السحاب.
أطرق العلم حزينًا للمرة الثانية على التوالي، حيثُ لم يأبه به أحد خاصة وأنه انطلق في شوارع المدينة ينصح الناس، ولكن لا حياة لمن تنادي، وبينما هو كذلك إذ رأى الجهل مرةً أخرى، ولكنه رفع هامته بسرعة نحو السماء ومشى بين يديه مختالًا ثم قال:
العلم: آه أيها الجهل، هل انتهيت من الضحك؟
الجهل: وجئت لأشمت بالمزيد خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تعجُّ بالأخبار التافهة، والناس زاد هتافهم نحو تلك الفنانة أو ذلك المطرب، أما المكتبات فهي الآن تعجُّ بالغبار، ولا شيء سوى الهواء يجوب المكان ويُحَضِّرُ لحن الوداع الأخير.
العلم: يا لك من تافه غبي مغرور؛ لأنك لا تعلم أن لي مع الناس مواعيدَ قادمةً وعديدةً، هامسًا لنفسه الكسيرة: (يا رب كُن معي).
العلمُ ينتصر
ظن الجهل أن النصرَ حليفُه بعد أن طغى وتكبر ومشى في الأرض فرحًا، ولكن العلم وبعون الله انتصر فقد ظل يجوب البلاد ويدعو الله ليل نهار بأن يرزقه الثبات؛ فمشى في الديار يدعو الناس ليلتفوا حوله.
قال العلم بين (جموعٍ من الناس): أتدرون أنّ طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة؟
الجهل (متهكمًا): أما زلت ترجو الناس يا مسكين! انظر إلي وتأمل حالي إنني لا أتعب نفسي ولا أرجو أحدًا، كل ما أفعله هو نشر الرذيلة والفساد والناس يلتفون حولي بنهمٍ شديد.
صرخ العلم صرخةً مدوية وقال: استيقظوا أفيقوا لا تجعلوا أنفسكم أسفل السافلين وكنتم خير أمةٍ أخرجت للناس!
صمت... صمت... صمت...
أطرق العلم رأسه وقرر الذهاب بينما الجهل يضحكُ بكل ما أوتي من قوة، وما هي إلّا لحظات حتى سُمعت صرخةٌ مدوية عمّت أرجاء الكون، وبدأ الناس يهتفون:
- العلم العلم العلم..
- بالعلم تُبنى الأمم، بالعلم نغزو القِمم
- بالجهل تُهدمُ الهِمَمْ، بالجهلِ تتأخر الأمم
- ولا ليس لنا إلا العلمَ والقلم.
ذاب الجهلُ وفرّ باكيًا خاسئًا عليلًا وهو يقول: كيف لي أن أتغلب على أمة اقرأ!
إنّ الحكمة المُستفادة من هذا الحوار المسرحي، أنّ العلم هو الوجهة النهائية لكافة الناس، ولا يجدر بهم الابتعاد عنه مهما كلفهم ذلك، ولو حصل وانشغل الناس عن طلبِ العلم يومًا، فلا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي يعودون فيه لاهثين وراء كتابٍ تركوه أو صفوفٍ دراسية ابتعدوا عنها، فالويل كل الويل لمن يجعل الجهل معبدًا له، ينهل من بئره ويسير على خطى الجاهلين.
انتهى