حوض النبي صلى الله عليه وسلم

كتابة:
حوض النبي صلى الله عليه وسلم

ما هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟

إنَّ حوض النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- من المسائل الغيبية التي أخبرنا بها، فالحوض في اللغة: هو مجمع الماء، والجمع منها: حياضٌ وأحواض وفعلها: تحويض، وأمّا في الاصطلاح الشرعي: فهو ما جاء به الخبر أنَّ للنبي محمدًا حوضًا ترِد عليه أمته يوم القيامة، فتكون لمن اتبع دين الله ومنهج النّبي الكريم، فيكون فيه ماءٌ يروي شدّة الظمأ وينزل كالغيث على أمته، وهذا الحوض ما هو إلا إكرامًا وتعظيمًا لرسول الله فهو أكثر الأحواض ورودًا وحلاوةً، وهو قائم إلى الآن بدليل حديث رسول الله حيث قال: "وإنِّي واللَّهِ لَأَنْظُرُ إلى حَوْضِي الآنَ".[١][٢]


وصف حوض النبي صلى الله عليه وسلم

ما هي صفات حوض النبي عليه الصلاة والسلام؟

تميّزَ حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سائر الأحواض بأوصاف متعددة وصفها رسول الله بأحاديثه الشريفة، وعلى العبد المسلم أنْ يلتزم بكتاب الله وسنة نبيه حتَّى يحظى بهذا الورود وهذا الفضل والجمال، فمن صفات الحوض ما يأتي:[٣]


  • لون ماء الحوض أبيض من اللبن، كما قال رسول الله: "مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ".[٤]
  • طعم ماء الحوض أحلى من العسل وريحه أحلى من المسك، كما ثبت عن رسول الله: "وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ".[٤]
  • طول الحوض وعرضه متساويان ومسيرته كشهر كما ورد في الحديث: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ".[٥]
  • آنية الحوض كالنجوم من حيث العدد والهيئة، متلألأةً من شدة لمعانها، بدليل حديث رسول الله: "وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ".[٥]
  • مصبُّ الحوض يأتي من نهر الجنة فيه ميزاب ذهب وميزاب فضَّة كما جاء في الحديث: "مِزرابانِ يَنْثعِبانِ مِن الجنَّةِ مِن ورِقٍ وذهَبٍ".[٦]


هل حوض النبي هو نهر الكوثر؟

يتسائل الكثير من الناس عند الحديث عن الحوض بأنّه هل هو نهر الكوثر أم لا؟ وعليه فقد عُرف الكوثر في اللغة: بأنّه الخير الكثير، يقال: تكوثر الشيء؛ أي كثر كثرة متناهية، أمّا في الاصطلاح الشرعي:فهو من أنهار الجنَّة، أعطاه الله للنبيِّ محمَّد زيادة في إكرامه له ولأمته، وقد ذُكر الكوثر في القرآن والسنة.

قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}،[٧] وقال رسول الله: "بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ،[٨]ونقول أنَّ ما ورد عن رسول الله هو أنَّ الكوثر نهر في الجنة يتصل بنهايته مع الحوض، حيث قال البخاري: "يُفتحُ نهرٌ من الكوثرِ إلى الحوضِ".[٩][٢]


هل الحوض قبل الصراط أم بعده؟

إنَّ مكان الحوض من الأمور التي يجب على العبد المسلم معرفتها، لذلك قد يتبادر إلى الأذهان بأنَّ هل الحوض قبل الصراط أم بعده؟ و الجواب هو على قولين:[١٠]

  • القول الأول: إنَّ الحوض قبل الصراط، و هو ما عليه جمهور العلماء، فالنَّاس تخرج من القبور بحالة عطش شديد ومن كرم الله أن يرد المؤمنون على الحوض والشرب من مائه ثمَّ الورود إلى الصراط، حيث ذكر العزُّ ابن عبد السلام: "الكوثر الذي أعطيه في الجنة، والحوض الذي أعطيه في الموقف"، والموقف هنا يؤكد أنْ الحوض قبل الصراط.[١١]
  • القول الثاني: أنَّ الحوض بعد الصراط، و قالت به طائفةٌ من أهل العلم، حيث ذكروا أنّ الحوض حوضان حوضٌ قبل الصراط وحوضٌ بعد الصراط، وعليه فمن لم يشرب منه قبل الصراط بمعنى أنّه أُخِذَ إلى العذاب ثمَّ نَجَى بعد ذلك، فهنالك حوضٌ آخر بعد الصراط يستطيع أنْ يشرب منه، والراجح من الأقوال هو القول الأول.


من أول من يشرب من حوض النبي؟

إنَّ حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- وجمال أوصافه يحتاج إلى سباق عظيم لنيل هذا الفوز الكبير، و لذلك قد يتسائل البعض حولَ من الشخص الذي سيكون من أول الشاربين من حوض النبي عليه الصلاة والسلام؟


والجواب على ذلك ورد في حديث رسول الله حيث قال: "أولُ الناسِ ورودًا عليهِ فقراءُ المهاجرينَ : الشُّعثُ رؤوسًا، الدُّنْسُ ثيابًا، الذينَ لا ينكحونَ المنعماتِ، ولا تُفتحُ لهمُ السددُ"،[١٢]فالحديث هنا يذكر أنَّ أول من يشرب من الحوض هم الفقراء من المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، وقد جاء الحديث كنايةً عن الفقراء الذين أُوذوا في الدنيا بسبب شدة فقرهم وعليه فقد أكرمهم الله وجعلهم أول الشاربين من حوض النبي ومن أول الذين يدخلون الجنة ويفوزون بنعيمها.[١٣]



من هم الذين سيشربون من حوض النبي؟

إنَّ الفوز بالشرب من حوض النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يكون باتباع سنته الشريفة على أتمِّ وجه، فالعبد المسلم عليه أنْ يكون عابدًا شاكرًا قائمًا على حدود الله -عزّ وجلّ- حتى ينال السقيا من يد رسول الله، فالصلاة والصيام والزكاة وصلة الأرحام وسائر العبادات والطاعات من الأمور التي توصل العبد المسلم إلى الفوز بالجنة ومن ثم ورود الحوض، وعليه فإنَّ الذين سيشربون من حوض النبي كالآتي:[٣]

  • المتبعون للنَّبي وصحابته والسلف الصالح.
  • المؤمنون بصفات الله وأسمائه كما جاءت ولا ينكرونها.
  • المتحاكمون في أمور دنياهم إلى كتاب الله وسنة رسوله.
  • المؤمنون بالله وحده لا شريك له.
  • الذين لا يقدمون قولًا على قول رسول الله.
  • الذين يكون النقل عندهم مقدمًا على العقل.


الأحاديث الواردة عن الحوض

تعددت الأحاديث النبوية التي تحدثت عن حوض النبي عليه الصلاة والسلام، فما كان هذا إلا لعظمة هذا المكان وفضله، فقد ذكرت الأحاديث أوصافه بكل دقة وجمال حتى يزيد شوق العبد للقاء الله والشُرب من حوض نبيه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، و لذلك سنذكر بعضًا من هذه الأحايث فيما يأتي:[١٤]

  • عن أنس بن مالك قال رسول الله: "بيْنما أنا أَسيرُ في الجَنَّةِ إذْ عَرَضَ لي نَهرٌ حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤلؤِ المُجَوَّفِ، قال: فقلْتُ: يا جِبريلُ، ما هذا؟ قال: هذا الكَوثَرُ الذي أَعْطاكَ ربُّك، قال: فضرَبْتُ بيَدي فيه، فإذا طِينُه المِسكُ الأَذْفَرُ، وإذا رَضْراضُه اللُّؤلؤُ. وقال عبدُ الوهَّابِ -مِن كتابِه قرأتُ-: قال المَلَكُ الذي معي: أتَدْري ما هذا؟ هذا الكوثرُ الذي أَعْطاك ربُّك. فضرَبَ بيَدِه إلى أرضِه فأَخرَجَ مِن طِينِه المِسكَ".[١٥]
  • عن أنس بن مالك عن النبي قال: "إنَّ قَدْرَ حَوْضِي كما بين أيلةَ إلى صنعاءَ وإن فيه من الأباريقِ بعددِ نجومِ السماءِ".[١٦]
  • عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي، فَلَيُقالَنَّ لِي: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".[١٧]
  • عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله أنّه قال: "إِنَّي فرَطُكُمْ علَى الحوْضِ ، مَنْ مَرَّ بِي شَرِبَ ، ومَنْ شرِب لم يظمأْ أبدًا ، ولَيَرِدَنَّ علَيَّ أقوامٌ أعرِفُهُمْ ويعرِفُونِي ، ثُمَّ يُحالُ بيني وبينهم ، فأقولُ : إِنَّهم مني ، فيُقالُ : إِنَّك لا تَدْرِي ما أحدثوا بعدَكَ".[١٨]
  • عن عبدالله بن عمرو عن النبي قال: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَن شَرِبَ مِنْها فلا يَظْمَأُ أبَدًا".[١٩]
  • عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: "ما بيْنَ بَيْتي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ، ومِنْبَرِي علَى حَوْضِي".[٢٠]
  • عن أبي هريرة عن رسول الله قال: "إنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِن أَيْلَةَ مِن عَدَنٍ لَهو أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ باللَّبَنِ، وَلَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِن عَدَدِ النُّجُومِ وإنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عنْه، كما يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عن حَوْضِهِ قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْرِفُنَا يَومَئذٍ؟ قالَ: نَعَمْ لَكُمْ سِيما ليسَتْ لأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا، مُحَجَّلِينَ مِن أَثَرِ الوُضُوءِ".[٢١]
  • عن العرباض بن سارية أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَتزدَحِمَنَّ هذه الأُمَّةُ على الحوضِ ازدحامَ إبلٍ ورَدَتْ لِخَمْسٍ".[٢٢]


هل لكل نبي حوضًا؟

يعد حوض النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من الأحواض الأكثر ورودًا والأكثر جمالًا، و لكنّ السؤال هنا بأنَّ هنالك العديد من الأنبياء والمرسلين، الذين آمنَ بهم أقوامهم، فهل لكل نبي منهم حوضًا أم أنْ الحوض فقط للنبي محمَّد عليه الصلاة والسلام؟

والجواب هنا: أنَّه لكل نبي حوضًا يرده قومه الذين يؤمنون به، وهذا بدليل حديث رسول الله حيث قال:"إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً ، و إنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً"،[٢٣] وبذلك يكون لكل نبي حوضًا بأوصافِِ متعددة، و لكنَّ العدد الأكبر يناله سيد المرسلين لدعوته بذلك، رغم كيد الكائدين وأعداء الدين؛ ففي كل يوم تزداد أمة سيدنا محمد إسلامًا ورفعةً و عزةً وثباتًا.[٢٤]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:6426، صحيح.
  2. ^ أ ب إشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، الموسوعة العقدية، صفحة 35. بتصرّف.
  3. ^ أ ب وحيد عبدالسلام بالي، تيسير الكريم العلي في وصف حوض النبي، صفحة 88-95. بتصرّف.
  4. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح المسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2300، صحيح.
  5. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2292، صحيح.
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي برزة، الصفحة أو الرقم:6458، صحيح.
  7. سورة الكوثر، آية:1
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6581، صحيح.
  9. رواه ابن جرير الطبري، في تفسير الطبري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:181، صحيح.
  10. صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل، صفحة 193. بتصرّف.
  11. محمد ناصر الدين الألباني، موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني (الطبعة 1)، صنعاء اليمن:مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية، صفحة 357، جزء 9.
  12. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم:2261، صحيح.
  13. زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن الحنبلي، اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (الطبعة 1)، الكويت:دار الأقصى، صفحة 99. بتصرّف.
  14. "أحاديث الحوض"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13425، صحيح.
  16. رواه الألباني، في تخريج كتاب السنة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:712، صحيح.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2304، صحيح.
  18. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2468، صحيح.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6579، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1888، صحيح.
  21. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:247، صحيح.
  22. رواه ابن حبان ، في صحيح ابن حبان، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم:7239، صحيح.
  23. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم:2443، صحيح.
  24. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 302. بتصرّف.
4218 مشاهدة
للأعلى للسفل
×