محتويات
عمر بن الخطاب
هوعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، فيجتمع مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-في النسب عند كعب، يُكنَّى بأبي حفص، ولُقِبَ بالفاروق لأنَّه يفرِّق بين الحقِّ والباطل، هو صحابيُّ جليل ومن الصحابةِ العشرة المبشرين بالجنة، وهو الثاني في الخلفاء الراشدين، وأول من لُقِبَ بأمير المؤمنين، لأنَّ الناس كانوا ينادون أبو بكرٍ الصدِّيق خليفةَ رسول الله وعندما أصبح عمر الخليفة ناداه الصحابة بأمير المؤمنين حتى لا يُقال خليفة خليفة رسول الله، وكان عمر أول العاملين بالتقويم الهجري، وسيتحدث هذا المقال عن خلافة عمر بن الخطاب.[١]
إسلام عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شديدًا قاسيًا، ولم يكن الصحابة يتوقعون أن يُسلم فقد كان يرى قبل إسلامه أنَّ الإسلام جاء فشتت شمل قريش، ولكنَّ في داخله كان يعيشُ صراعًا حادًا بأنّ الإسلام هو الدين الحق وأنَّ الصواب في اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان ثبات الصحابة على دينهم على الرغم من تعذيبهم يدهشه، والنبي لم يُعرف بسوء بل كان يُلقبُ بالصادق الأمين، كذلك حدثته نفسه بأنَّ إسلامه سيغير مجرى حياته فهو سفير قريش وأبرز فرسانها وقاداتها، ودخوله في الإسلام سيلغي مكانته بين قومه، وكان يريد أن يحسم هذا الصراع الذي يتعبه، وثارت نفسه ورأى بأنّ قريش اضطربت كثيرًا بهذا الدين الجديد ويجب القضاء عليه وذلك بقتل من جاء به ألا وهو محمد.[٢]
حمل عمر سيفه وتوجه إلى النبي فرآه الصحابيّ نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي وكان مُخفيًا إسلامه، وقال له: "أين تريد يا عمر؟" فرد عليه عمر: "أريد محمدًا هذا الصحابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله"، فلما عرف نُعيم غاية عمر قال له: "والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدًا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما"، غيَّر عمر طريقه وذهب غاضبًا إلى بيت أخته فاطمة وكانت تقرأ القرآن مع خباب بن الأرت وزوجها سعيد بن زيد، دخل عمر عليهم وضرب سعيدًا وضرب اخته فسقطت صحيفةٌ من يدها، فأراد عمر حملها وقراءة ما جاء فيها فرفضت فاطمة ذلك إلا بعد أن يتوضأ، توضأ عمر وفتح الصحيفة وبدأ بقراءة الآيات الأولى من سورة طه، اهتزَّ عمر، ولمس القرآن فؤاده، وأدرك أنَّه ليس بكلام البشر، وقرر الإسلام من فوره، وكان ذلك في السنة الخامسة من بعثة النبيِّ.[٢]
خرج عمر إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم وأسلم هناك بين يديّ رسول الله وقد كان ترتبيه الأربعين بين المسلمين الأوائل، وكان إسلامه ببركة دعاء النبي له حيث قال رسول الله: "اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ"[٣]، وقد قوَى إسلام عمر بن الخطاب شوكة المسلمين في مكة لأنَّه كان خير مدافعٍ عن دين الله ولا يخاف في الله لومةِ لائم، كما اتسعتْ في خلافة عمر بن الخطاب رقعة الدولة الإسلاميَّة وازدادت قوة المسلمين في العالم.[٢]
فضل عمر بن الخطاب
للفاروق عمر بن الخطاب الفضائل الكثيرة، فهو من أوائل المهاجرين إلى المدينة المنورة، وقد شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة بدر، وقد قال رسول الله في أهل بدر: "لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ، فقَدْ وجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ"[٤]، كما أنَّ النبي قال عن عمر: "إنَّ اللهَ جعل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلْبِه"[٥]، وقد وافق عمر القرآن في ثلاث مواضع وقد تحدّث عنها قائلًا: "وافقت ربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[٦]، وآية الحجاب قلت : يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن، فإنه يُكلّمهن البر والفاجر، فَنَزَلَتْ آية الحجاب، واجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغيرة عليه فقلت لهن : {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}[٧] ، فَنَزَلَتْ هذه الآية"، ومن فضائل عمر بن الخطاب أيضًا أنَّ النبي قد شهد له بقوة دِينه فقال النبيُّ فيه: " بيْنَما أنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، ومنها ما دُونَ ذلكَ، وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليه قَمِيصٌ يَجُرُّهُ. قالوا: فَما أوَّلْتَ ذلكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الدِّينَ"[٨]، وقد كان كلُّ ذلك بعضًا من فضائله .[٩]
خلافة عمر بن الخطاب
بعد أن اشتدَّ المرض على الخليفة أبي بكرٍ الصدِّيق، استشار كبار الصحابة في توليته الخلافة من بعده لعمر بن الخطاب، وقد وافقه الصحابة لما علموه عن عمر من القوة الثبات على الحق والورع وتقوى الله، فاستدعى أبو بكر عثمانَ بن عفان وطلب منه أن يكتب في صحيفة توليته لعمر بن الخطاب، وتوفي بعدها أبو بكر، وبويع عمر بن الخطاب بالخلافة من بعده، وكانتْ سنوات خلافة عمر بن الخطاب مليئةً بالإنجازات السياسيَّة والعسكريَّة، وفيما يأتي الفتوحات الإسلاميَّة في عهد عمر إضافةً إلى المحنة التي أصابت المسلمين:[١]
الفتوحات في خلافة عمر بن الخطاب
وقد جرت في خلافة عمر بن الخطاب فتوحات في المشرق والمغرب وتوسعتْ رقعة الدولة الإسلاميَّة، ففي جهة الشام كانت الجيوش تتقدم في الفتوحات بقيادة خالدٍ بن الوليد ولكن عمر عزله خوفًا على المسلمين من الافتتان بانتصارات خالد المتتالية، وعيَّنَ أبي عبيدة بن الجراح قائدًا على جيوش المسلمين في الشام، وانتصرت الجيوش هناك ووقعت في خلافة عمر بن الخطاب معركة اليرموك الشهيرة التي كانت بين المسلمين والروم وانتصر فيها جيشُ خالد وأبو عبيدة انتصارًا تاريخًا حاسمًا، وقد انقسم جيش المسلمين بعد المعركة متوجهين إلى الشام وفلسطين والأردن وحمص.[١]
وكان على رأس جيش المسلمين في فلسطين عمرو بن العاص الذي فتح رفح ثم اتجه للقدس وحاصرها وطال حصاره لها حتى بعث لأبي عبيدة بأن يأتيه بالمدد فجاء به وانضم لهم جيش خالد بن الوليد وبعد أن طال الحصار استسلم قائدها ولكنَّه اشترط أن يأتي عمر بن الخطاب ليفتحها، وفعلًا ذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى القدس واستلم مفاتيحها ودخلها فاتحًا وعقد الصلح مع أهلها، وكان ذلك في سنة 15هجرية.[٢]
وبعد انتهاء الفتوحات في الشام ألحَّ عمرو بن العاص على أمير المؤمنين عمر أن يتجه إلى مصر فسمح له بذلك واتجهت جيوش عمرو بن العاص إلى مصر وبدأ الانتصارات والفتوحات في مصر حتى وصل الاسكندرية وحاصرها ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوةً وبفتح الاسكندرية تم فتح مصر وأصبح عمرو بن العاص واليًا عليها في خلافة عمر بن الخطاب، واتجه عمرو بن العاص بعدها بجيوشه نحو ليبيا وفتح برقة وكان معه القائد عقبة بن نافع، ففتحوا المدن حتى طرابلس الغرب وبذلك تم فتح ليبيا بالكامل، غير أنَّ عمر بن الخطاب لم يسمح لهم بالتوغل أكثر من ذلك في افريقيا.[٢]
أما على جبهة الفرس فقد حدثت في خلافة عمر بن الخطاب معركة القادسيَّة الشهيرة بين جيوش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص وجيوش الفرس وقائدهم رستم، وقد انتهت بمقتل قائد الفرس ونصرٍ حاسمٍ للمسلمين، وبعد القادسية فتح المسلمون مركز الفرس وهو المدائن و هرب حينها كسرى يزدجرد آخر أكاسرة الفرس إلى مرو، وبعث المسلمون بكنوزه إلى المدينة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، بعد هرب كسرى إلى مرو عاد وجمع جيوش الفرس وحدثت المعركة الحاسمة بين المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن في سنة 14هجرية قرب مدينة نهاوند وانتصر المسلمون على الفرس وقد سُميت معركة نهاوند بمعركةِ فتح الفتوح لأنَّها قضت على الفرس تمامًا فلم تقمْ لهم قائمةٌ بعدها، وعلم عمر بن الخطاب بالانتصار العظيم ففرح فرحًا شديدًا ولكنَّه بكى لاستشهاد النعمان وخيرة من الصحابة معه، وبعد هذه المعركة توالت الفتوح في بلاد فارس وفُتحت كلٌّ من همدان فأصبهان فالري فجرجان فطبرستان فأذربيجان فخراسان فكرمان فمكران فسجستان، وبذلك انتهت الامبراطوريةُ الفارسيَّة.[٢]
عام الرمادة وطاعون عمواس
لم تكن سنة 18هجرية من خلافة عمر بن الخطاب سنةَ جيدة على المسلمين فقد أُصيبت أرض الحجاز بالقحط والجفاف واسود تراب الأرض لقلة المطر فُسمي بعام الرمادة، وقد انتشرت المجاعة بين الناس، وأكثر من اتعبته هذه المحنة هو الخليفة عمر بن الخطاب فقد حمل همَّ المسلمين وبعث للأمصار يطلب العون والمدد فجاءته القوافل بالإغاثة ولم يرضَ أن يأكل إلا الخبز والزيت طوال هذه المحنة وقد شَحُبَ لونه ونَحُل جسده ولم يكن همه إلا أن يشبع الناس، وإضافةً لذلك فقد انتشر الطاعون في بلدٍ قرب بيت المقدس تُسمى عمواس وانتشر بعدها في بلاد الشام وأهلك الكثير من المسلمين منهم أبو عبيدة بن الجراح، وبعدها انحسر الطاعون فخرج عمرو بن الخطاب إلى بلاد الشام وقسم مواريث الموتى، وساند أهلهم في محنتهم.[٢]
استشهاد عمر بن الخطاب
بعد القضاء التام على دولة الفرس المجوسية في خلافة عمر بن الخطاب حمل الكثير من المجوس الحقد في قلوبهم عليه، وكان عمر قد منع أحدًا من المشركين ومنهم المجوس من دخول المدينة المنورة، ولكنَّ المغيرة بن شعبة استأذن عمر بن الخطاب أن يدخلها مجوسي يُقال له أبو لؤلؤة لأنَّه عامل ماهر، سمح عمر له بذلك، وفي يومٍ اشتكى أبو لؤلؤة لعمر على المغيرة لأنَّ المغيرة يفرض على أبي لؤلؤة خراجًا كبيرًا لكنَّ عمر قال له أنَّ الخراج ليس بالكبير، فغضب ابو لؤلؤة المجوسي من عمر وحمل عليه في نفسه، وفي يومًا كان الخليفة عمر يصلي الفجر بالمسلمين عندما اندس فيروز أبو لؤلؤة المجوسي بين المُصلين ودخل على عمر وطعنه بخنجرٍ ذي نصلين ستَّ طعنات، وحُمل إلى بيته غارقًا في دمائه، وقد كان ذلك سنة 23هجرية، حاول المسلمون أن يقبضوا على أبي لؤلؤة فبدأ بطعنهم وأصيب منهم ثلاثة عشر رجلًا مات ستةٌ منهم، فألقى عليه عبد الرحمن بن عوف عباءته فقتل أبو لؤلؤة نفسه، وتوفي عمر بعدها بثلاثة أيام ودُفِن بجوار صاحبيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق، وانتهت بذلك خلافة عمر بن الخطاب ثالث الخلفاء الراشدين.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب ت "عمر بن الخطاب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "عمر بن الخطاب"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8/60، إسناده صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 6259 ، صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 3682، : حسن غريب من هذا الوجه .
- ↑ سورة البقرة، آية: 125.
- ↑ سورة التحريم، آية: 5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 23، صحيح.
- ↑ "قطف الثمر بشيء من سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "مقتل عمر رضيَ الله عنه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ --. بتصرّف.