خاطرة عن الشوق
الشوق كلمة بحروفٍ قليلة لكنّها تملأ القلب بالكثير من الكلمات، وتجعل منه كرة لهب مشتعلة، فالشوق وقود القلوب ومحرك المشاعر، وهو الإحساس الكامن في الأعماق الذي يدفع المرء لقطع المسافات لأجل إطفاء شوقه، كما يشعل الرماد ويذيب الثلج ويجعل العقل يشرد في متاهات الأفكار، فالشوق يجعل صاحبه مثل جمرة ملتهبة تبحث عمن يطفئها، ولذلك تعجز الكلمات عن التعبير عن مقداره، وتتوقف مثل غصة في القلب؛ لأنه الشوق قد يكون مصدر ألم وقد يكون مصدر فرح ورغبة في فعل الكثير من الأشياء، وقد يدفع صاحبه لارتكاب الحماقات ليطفئ نار شوقه.
الشوق يشبه الشمس لحظة الغروب، حين ترسم خطوط الشفق الأحمر لوحة الوداع على صفحة السماء، فتبدو وكأنها تودع السماء بالكثير من الشوق، فالشوق يثير في النفس رغبة البكاء، لأنّه مرتبط بالوداع والبعد، وهو وليد لحظات الغياب، لهذا فإنه يسكن في محطات السفر وفي اطياف الأحبة الذين خطفهم الموت، كما يسكن في قلوب الأمهات والآباء، ويستقر في عيون العاشقين، ويملأ الروح رغبة.
الشوق يشبه السير فوق طريق مليء بالأشواك، ولا يعرف مقدار معاناة المشتاق إلا من اكتوى بناره وذاق لوعته، ومهما قيلت فيه من أشعار وخواطر، فلا يمكن وصف مقداره حين يشتد بصاحبه، فالشوق هو الشوك وهو النار التي لا تخمد نارها إلا باللقاء، وهو الذي يسرق النوم من صاحبه ويسلب منه شعور الراحة ويمنح الأرق لجفونه، لهذا يصفون الشوق بأنه من أعظم مراتب الحب، لأن المرء لا يشتاق إلا لمن يحب، وهو مرتبط بالحنين والذكريات، لكن لا يوجد أصعب من الاشتياق لميت غادر الدنيا، لأنه شوق بلا لقاء.
لو كان للشوق لسان لنطقَ بكلّ ما فيه من لوعة، وهو شعور لا يتأجج بالقرب أو النظر، وإنما يشعله البعد، ولا شيء يجعل الأرض تضيق إلا من كان له أحبة يشتاق لهم ولا يجدهم أمام ناظريه، لهذا فإن الشوق يقود إلى الحزن والألم في أغلب الأوقات؛ لأن القلب يعجز عن السيطرة على رغبته العنيفة باللقاء، فيجد نفسه أمام مشاعر مزدحمة ليس لها تفسير، ولا سبيل للخلاص منها، ولا عجب أن للشوق حصة الأسد في قصائد الشعراء وفي القصص والحكايات، وحتى في الأغاني وما يرافقها من وصف للشوق ولوعته الكبيرة في القلب، ومهما اختلفت قوته، سيظل بمثابة الجمرة التي تشعل أفكار العقل وتشغل القلب وتملك الروح، ولا أحد ينجو من هذا الإحساس؛ لأن للشوق سطوةً كبيرة على القلوب.