خاطرة عن الموت
الموت هو النهايةُ الحتميّة للأشياء، وهو النقطة الأخيرة التي تُكتب في نهاية السطر، وأكثر الأحداث التي تُسبّب الألم في النفوس، فالموت بكلّ ما فيه من وحشة، يهدم اللذات ويُفرّق بين الناس، ويفصل بين الآباء والأمهات والأبناء، ويُبعد الأحبة عن بعضهم البعض، فكم من عينٍ بكت من الموت، وكم من قلبٍ غصّ بالحزن بسبب الموت، وكم من بيوتٍ أُغلقت بعد أن أنهى الموت حياة ساكنيها، فالموت قاسٍ لا يُفرّق بين الكبير والصغير، ولا يُفرّق بين غني وفقير، ولا بين أميرٍ أو خادم، وهو كأسٌ يدور بين الناس جميعًا، ولا بدّ للجميع أن يشرب من هذا الكأس ليتجرّع مرارة الموت، لهذا من المستحيل أن يكون هناك بيتٌ لم يفقد أهله حبيبًا أو قريبًا أو صديقًا بالموت، فالموت شيءٌ حتميّ لا مفرّ منه، ولا بدّ من أنْ يأخذ جميع الأرواح، ولا بدّ أن يزورَ جميعَ البيوت.
للموت فلسفةٌ عميقة تمتلئُ تفاصيلها بالأسى، لهذا تنفر القلوب من ذكره، وتنتفض الأرواح رعبًا منه، فالموت هو الرحلة التي لا عودة منها، ولا أحد يعلم ما إن كانت هذه الرحلة سهلة أم صعبة أم متعبة، لأن الغموض يكتنف الموت ويُحيط بتفاصيله الموحشة، ولا يعلم بأمره إلا الله تعالى، وإن حضر الأجل وحانت ساعة الموت، فلن ينفع الطب ولا الدواء ولن ينفع الأولاد ولن تنفع الأموال، فالموت قاهرٌ يفرض سطوته على الجميع، ودائمًا تكون الكلمة النهائية له، والله تعالى قهر العباد بالموت، كي يعلم العباد أن الله تعالى وحده قادرٌ على الإحياء، وأن الموت والحياة بيده وحده.
لو كان الموت يعرف مقدار الألم والغصّة التي يتركها في القلوب لما تجرأ أبدًا على زيارة أحد، ولو كان يعلم أنه حين ينزع الروح من جسدٍ واحد فإنه ينزع الفرح من قلوب أهله وأحبته لما كان نزع فرحة أحدًا، لكن الموت حقٌ وقدرٌ لا مفرّ منه، وهو السكين التي تنغرس في قلب الحياة لتتركها جثة هامدة لا حول لها ولا قوة، وهو السم القاتل الذي يترك الورود اليانعة صفراء ميتة، فالموت هو الوجه الآخر للحياة، لكنه الوجه المرعب والقاسي، والوجه المنفر الذي لا يرغب برؤيته أحد، ورغم هذا لا بدّ للإنسان أن يستسلم لحقيقته، وأن يعمل لأجله، وأن يترك خلفه أثرًا طيبًا، فالموت ينزع الأرواح ويترك الأجساد جثة هامدة، لكنه لا يُنهي العمل الطيب والسمعة الحسنة، ولا يمحو أعمال الإنسان الصالحة؛ لأن الله تعالى الذي يقهر عباده بالموت سيبعثهم من جديد حيث لا موتَ بعدَها أبدًا.