صفات أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

كتابة:
صفات أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

صفات أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، أول من أسلم من النساء، وساندت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسيرته الدعوية، فكانت تثبته وتقوي من عزمه، ورُزق منها بالولد، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وهي خير نساء هذه الأمة: (خَيْرُ نِسائِها مَرْيَمُ، وخَيْرُ نِسائِها خَدِيجَةُ)،[١] فقد تحلت السيدة خديجة بصفات كريمة، رسمت ملامح شخصيتها الكبيرة.

الطهارة والعفة وشرف النسب

كانت تُدعى في الجاهلية الطاهرة،[٢] وتسمى: سيدة نساء قريش،[٣] وكان والدها من سادات مكة، ومن أثرياء قريش.  

الفراسة ورجاحة العقل

كانت راجحة العقل، نافذة البصيرة، ذا فراسة ثاقبة؛ فقد أرسلت الصادق الأمين في تجارة إلى بلاد الشام، وأرسلت معه غلامها ميسرة؛ ليرصد كل حركة من حركاته، ولما عاد يخبرها بما رآه من الآيات، أرسلت إليه تخطبه لنفسها.[٤]

واجتمعت نساء قريش يومًا فجاءهن يهودي فقال: "يا معشر نساء قريش، إنه يوشك أن يظهر نبي، فأيكن استطاعت أن تكون زوجة له فلتفعل"، فحصبته النساء وأغلظن له، ووقر ذلك في نفسها، فلما أخبرها ميسرة بما رآه من الآيات، وما رأته هي قالت: "إن كان ما قاله اليهودي حقًا، ما يكون النبي إلا هذا".[٥]

قوة الشخصية

ويتضح ذلك من خلال تنظيمها أمور التجارة؛ فقد كانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف، وتجارة تبعث بها إلى الشام؛ فتكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم الأموال مضاربة، وكانت قريش قوماً تجاراً، ومن لم يكن تاجرًا من قريش فليس عندهم بشيء.[٦]

روى الحاكم عن جابر، قال: "استأجرت خديجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفرتين إلى جَرَشٍ، كل سفرة بقَلوصٍ"،[٧] والقلوص: هي الشابة من النوق.[٨]

وتتجلى قوة شخصيتها في عرضها نفسها على الصادق الأمين، فقد بعثت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت له: "إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك"، ثم عرضت عليه نفسها.[٩]

سرعة الاستجابة للحق

عدما نزل على النبي الكريم الوحي في غار حراء: (دَخَلَ النبي علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ).[١٠]

التأني وحب التثبت

عندما سكن الروع عن النبي الأمين عقب نزول الوحي عليه في حراء، أخذته إلى ورقة بن نوفل: (فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا).[١١]

رعاية شؤون البيت

فقد كانت تقوم برعاية شؤون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعتني بتربية الأولاد دون كلل، وقد أتى جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (يا رسول اللَّه هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ -عليها السلام- من ربِّها ومني، وبَشِّرْهَا ببيت في الجنة من قَصَبٍ، لا صَخَب فيه ولا نصب).[١٢]

ربت بناتها وسهرت عليهم، كما ربت في بيتها زيد بن حارثة، وكان قد أهداه لها حكيم بن حزام، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبناه، وذلك قبل أن يُوحى إليه،[١٣] وربت في بيتها علي بن أبي طالب، فقد أخذ -عليه الصلاة والسلام- علياً ليربيه عنده؛ ردًّا للجميل الذي فعله أبو طالب معه.[١٤]

السخاء والبذل

قدمت حليمة السعدية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة وقد تزوج خديجة، فشكت جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خديجة فيها، فأعطته أربعين شاة، وبعيراً يصلح للركوب.[١٥]

وقال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما أبدَلَني اللهُ -عزَّ وجلَّ- خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ).[١٦]

قوة الإيمان

فقد حبست مع المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وأصابهم الجهد حتى كانوا يأكلون الخبط، وورق الشجر.[١٧]

كمال الأخلاق

لم يُؤثر عنها أنها أغضبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً؛ لكمال أخلاقها، وعظيم تقواها، وكان -عليه الصلاة والسلام- وفياً لذكراها، يُثني عليها دوماً، ويكرم صديقاتها، ولما فتحت مكة ضرب -عليه الصلاة والسلام- خيمة بالحجون بجوار قبر خديجة -رضي الله عنها-.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:3815، صحيح.
  2. ابن حجر الهيتمي، أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، صفحة 63.
  3. أبو القاسم السهيلي، الروض الأنف في شرح السيرة، صفحة 244. بتصرّف.
  4. عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، صفحة 172. بتصرّف.
  5. محمد يوسف الصالحي، سبل الهدى والرشاد، صفحة 164. بتصرّف.
  6. محمد يوسف الصالحي، سبل الهدى الرشاد، صفحة 158. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، صفحة 200.
  8. محمد بن ابي بكر الرازي، مختار الصحاح، صفحة 259. بتصرّف.
  9. ابن الأثير، أسد الغابة، صفحة 80. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7497، صحيح .
  13. عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، صفحة 230. بتصرّف.
  14. عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، صفحة 229. بتصرّف.
  15. محمد بن سعد بن منيع الزهري، الطيقات الكبرى، صفحة 93. بتصرّف.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3821، صحيح.
  17. علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، السيرة الحلبية، صفحة 476. بتصرّف.
6119 مشاهدة
للأعلى للسفل
×