خصائص المدرسة الكلاسيكية

كتابة:
خصائص المدرسة الكلاسيكية

خصائص المدرسة الكلاسيكية

إنّ المدرسة الكلاسيكية من أشهر المدارس التي تميّزت في الأدب العربي، وقبلت التجديد في الشعر والنثر ولكن بضوابط معينة، فكانت لها سماتها المميزة، ومنها ما يأتي:


محاكاة القدماء في ألفاظهم وخيالهم

كيف تعامل شعراء القصيدة الكلاسيكية مع الكلمات؟

اشتُهرت المدرسة الكلاسيكية بتقديم الصنعة على الموهبة، وبتعبير أدقّ تودّ الكلاسيكية صنع الموهبة في الصنعة وفق ما تقتضيه أساليب القدماء وتعبيراتهم وألفاظهم، ففخامة اللفظ عنصر مهم في القصائد التي تتبع إلى المدرسة الكلاسيكية، إذ تكون الألفاظ جزلة ومعبرة عن الموضوع الذي يكون الشاعر في صددهِ أكثر من أن تكون بسيطة، كما أن الرمز يكاد يكون مرفوضًا في هذه المدرسة لما تتطلبه محاكاة القدماء من الوضوح التعبيري واللفظي، فالغموض من العناصر التي لا تخدم المعاني المباشرة والخطاب الموجه إلى القارئ بكافة مستوياته الثقافية.[١]


من الأشعار التي تتجلى فيها محاكاة القدماء أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي، التي تناغمت فيها الصور الفنية المتطابقة مع طريقة الشعر الجاهلي وأخيلتهِ، بالإضافة إلى محاولة محاكاة روح الحداثة التي يتطلبها العصر، فالشاعر أحمد شوقي إن لم يقف على الأطلال يقف على شبيهها في شوقيّاته، وذلك في قوله:[٢]

قِف بالممالكِ وانظُرْ دولةَ المالِ

واذكر رجالًا أدالوها بإجمالِ

وانقل ركاب القوافي في جوانبها

لا في جوانب رسم المنزلِ البالي


فلا تزال روح القصيدة الجاهلية متناغمة مع مقصد الشاعر الكلاسيكي في بيان أهمية اختيار الألفاظ الواضحة والمعبرة، مثل كلمة الممالك والركاب، وأيضًا عند ذكرهِ لرسم المنزل البالي الذي يقصد به الأطلال التي يقف عليها شعراء الجاهلية لتذكر محبوباتهم.

المحافظة على الوزن والقافية

هل التزم الشعراء الكلاسيكيون بنمط القصيدة التقليدية؟

لا تخفى محافظة المدرسة الكلاسيكية على الوزن والقافية عنصرًا أساسيًّا في تكوينها، لأن الوزن والقافية من مميزات الشعر العربي في العصر الجاهلي، والمدرسة الكلاسيكية تسعى إلى الحفاظ على الشكل الخارجي للقصيدة، ولعلّ هذه البصمة العريقة التي حفل بها الشعر العربي هي أهم ما افتقر إليه شعر التفعيلة فيما بعد، بما أنه ثورة أدبية على الشكل أولًا ثم على المضمون، إذ إنّ شكل القصيدة التقليدية يُقيّد الشاعر بألفاظ معينة ويحتّم عليه المُضيّ حسب البحور العروضية والحركات والسكنات التي تتضمّنها، أما شعر التفعيلة فقد تكوّن من أجل توفير الحرية للشاعر ونظمه على تفعيلة واحدة، مما يسهِّل عليه التحكم بالألفاظ والأوزان، ولا يقيّدهُ برويّ ولا بقافية واحدة.[٣]


وإذا أراد الباحث الاستشهاد بالشعر الكلاسيكي على متابعة شعرائه للأوزان وحرصهم على المضيّ وفق البحور العروضية التي يفصّلها علم العروض ستكون كل القصائد المنطوية تحت هذ المدرسة خير مثالٍ على هذا الأمر، إذ إنّ الشعراء الكلاسيكيّين بمختلفِ الأوزان التي نظموا عليها كانوا يحرصون على الانضباط بقواعد العروض والابتعاد عن الكسر العروضي أو الوقوع في عيوب القافية وغيرهِ من الزحافات أو العلل غير المستحبّة[٣]، ويمكن أن يكون المثال الآتي دليلًا على ذلك، إذ يبدأ البيت الأول بالتصريع، ثم يمضي أمير الشعراء على قافية واحدة ورويّ واحد ليسري التناغم في كل القصيدة:[٤]

سَلوا قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا

لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا

وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ

فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا

وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا

تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا

وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ

هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا

تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى

وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا


تعدد الموضوعات في القصيدة الواحدة

ما سرّ تعدّد الموضوعات في القصيدة الكلاسيكية الواحدة؟

يمكن القول إنّ القصيدة الواحدة في الشعر الجاهلي كانت تحمل العديد من المقاصد التي يرمي إليها الشاعر، وهي حتى وإن كانت بغرضٍ واحدٍ كالمدحِ أو الهجاءِ أو الفخر أو الغزل إلا أنّها تضمّنت العديد من المعاني التي ترمي إليها، وعددًا من المواضيع المتنوعة، حيثُ يمكنُ أن تكون وصفًا للفرس أو الناقة، بالإضافة لكونها مدحًا في أبيات منها، بالإضافة إلى استهلالها بالغزل، ويعود ذلك على الأرجح باختلاط التجربة الذاتية للشاعر بالتجربة الجماعية، إذ كانت شخصية الشاعر ممتزجةً بقبيلتهِ في مختلف نواحي الحياة.[٥]


من الأمثلة التي يمكن ذكرها عن تعدُّد الأغراض الشعرية في القصيدة الواحدة هي قصيدة الشاعر محمود سامي البارودي الذي بدأ قصيدةً من قصائدهِ بالغزل ثم ختمها بالحكمة والاعتبار، إذ يقول:[٦]

صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ

لَوْ كانَ يَمْلِكُ عَيْنِيَ الإِغْفَاءُ

يا هاجِري مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ في الْهَوَى

مَهْلًا فَهَجْرُكَ والْمَنُونُ سَواءُ

أَغْرَيْتَ لَحْظَكَ بالْفُؤادِ فَشَفَّهُ

ومِنَ الْعُيُونِ عَلَى النُّفُوسِ بَلاءُ

هِيَ نَظْرَةٌ فامْنُنْ عَلَي بِأُخْتِها

فالْخَمْرُ مِنْ أَلَمِ الْخُمارِ شِفَاءُ


يستمر البارودي على نسق الغزل في أبيات عديدة من هذه القصيدة، مليئة بالرقة والمعاني الواضحة والألفاظ المناسبة لهذا الغرض، ولكنه ينتقل في النهاية إلى الحكمة التي لخّصتْ لعينيهِ الحياة بصورتها الحقيقية بعد أن رأى من التجارب ما رأى، فيذم الغبيّ الذي لا يُحسن التصرف، ويقدم حكمة حول تشابه الناس فيما بينها وإن اختلفتْ عن بعضها بسبب الآراء واختلاف المستوى الفكري والثقافي فيما بينها.[٧]

يتطرّأ لوجوب العناية بصلاح النفس والسريرة لأنها إذا لم تكن كذلك استولت عليها الأهواء ولعبت بها كيف شاءت، ثم يخلص إلى نتيجة في غاية الحكمة والخلاصة، وهي أن الوداد يكاد يكون أكذوبةً يجامل الناس بعضهم بعضًا بها، والوفاء لا يعدو أن يكون رياءً لا جوهر له في نفوس الناس، فيقول في ذلك:[٦]

كَيْدُ الْغَبِيِّ مَساءَةٌ لِضَمِيرِهِ

وَلِمَنْ يُحَاوِلُ كَيْدَهُ إِرْضَاءُ

والناسُ أَشْبَاهٌ ولَكِنْ فَرَّقَتْ

ما بَيْنَهُمْ في الرُّتْبَةِ الآراءُ

وَالنَّفْسُ إِنْ صَلَحَتْ زَكَتْ وَإِذَا خَلَتْ

مِنْ فِطْنَةٍ لَعِبَتْ بها الأَهْوَاءُ

لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرِّجالِ تَفَاوُتٌ

ما كانَ فيهِمْ سادَةٌ ورِعاءُ

وَلَقَدْ بَلَوْتُ النّاسَ في أَطْوارِهِمْ

ومَلِلْتُ حتَّى مَلَّني الإِبْلاءُ

فَإِذا المَوَدَّةُ خَلَّةٌ مَكْذُوبَةٌ

بَيْنَ الْبَرِيَّةِ والوَفاءُ رِياءُ


وحدة البيت الشعري

هل يمكن فصل بيت من الأبيات عن القصيدة ككل؟

تتجلى وحدة البيت الشعري في القصيدة القديمة وفي القصيدة الكلاسيكية بأنَّ كل بيت يعبّر عن معنىً بذاته، حيثُ إنّ البيت الشعري الواحد إذا فُصِل عن القصيدة يُمكنُ للقارئ أن يفهمَ معناه دون ارتباطِ ذلك البيت بما بعده أو بما قبله، وهذا ما يُعرف باستقلال البيت الشعري، حيث يكون له بذاته بُنية تامّة، ويشكل حيّزًا مقطعيًّا من الكلام الملفوظ[٨]،

وتُعَدّ وحدة البيت على النقيضِ من وحدة القصيدة أو وحدة النص، إذ إنّ وحدة القصيدة تتطلّب انسجامَ الأبيات مع بعضها البعض لتكوّن وحدةً متلاصقة من المعاني، فتكون بذلك بنيةً كليّةً غير مقيّدة بوحدة كل بيت من أبياتها[٩]، وذلك في مثل قول الشاعر محمود سامي البارودي:[١٠]

لَكَ رُوحِي فَاصْنَعْ بِها مَا تَشاءُ

فَهْيَ مِنِّي لِناظِرَيْكَ فِداءُ

لا تَكِلْنِي إِلَى الصُّدُودِ فَحَسْبِي

لَوْعَةٌ لا تُقِلُّها الأَحْشَاءُ

أَنَا وَاللهِ مُنْذُ غِبْتَ عَلِيلٌ

لَيْسَ لِي غَيْرَ أَنْ أَرَاكَ دَوَاءُ

كَيْفَ أُروِي غَلِيلَ قَلْبِي وَلَمْ يَبْـ

ـقَ لِعَيْنِي مِنْ بَعْدِ هَجْرِكَ مَاءُ

فَتَرَفَّقْ بِمُهْجَةٍ شَفَّهَا الْوَجْـ

ـدُ وَعَيْنٍ أَخْنَى عَلَيْهَا الْبُكاءُ

أَنا رَاضٍ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ تَشْفِي

بَرْحَ قَلْبٍ هاجَتْ بِهِ الأَدْوَاءُ


بدء القصيدة بالمقدمة الغزلية

ما هي السمة المشتركة بوضوح بين الكلاسيكية والقصائد الجاهلية؟

اشتُهر العرب في الجاهلية منذ أيام الأعشى بتقديم الغزل أو النسيب على أغراض القصيدة الأساسية، ولا سيما المديح الذي كان يلقيه الشعراء أمام الملوك، فكانت تبدأ القصيدة بالغزل أو دعوة الصاحب أو الصاحبين للوقوف على أطلال المحبوبة لتذكر أيام وصالها، والحزن على ارتحالها من هذا المكان، والشوق للأيام الماضيةِ ووصف يوم الرحيل، وقد استمرّت المدرسة الكلاسيكية بتثبيت قواعد المقدمة الطلليّة التي توارثها الشعراء، بعد أن عابها العديد من الشعراء لا سيما الشاعر بشار بن برد وغيرهِ ممن لم يجد لها فائدة تُذكر.[١١]


تعدّ الأطلال مكان الحزن والدموع، وهي التي تخبر الشاعر بالأشجان لكي يعبر عنه بالقصيد، فيدعو من حوله لأن يساعدوه على الصبر والسلوان[١٢]، فيُنادي رسوم الأطلال عسى أن تُجيبَهُ، ويواصلها بالدمع رغم أنها لا تفي تلك الأطلال بحقّ ذكراها الشجيّة، وكل ما يمكن أن تفعله هي أن تحرمه من الصبر وتعلّمه كيف يذهبُ هباءً، بعد أن علّمه الشاعر أن يكبر وينمو في داخله، وذلك في مثل قول الشاعر أحمد شوقي:[١٣]

أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا

وَأُجزيهِ بِدَمعِيَ لَو أَثابا

وَقَلَّ لِحَقِّهِ العَبَراتُ تَجري

وَإِن كانَت سَوادَ القَلبِ ذابا

سَبَقنَ مُقَبِّلاتِ التُربِ عَنّي

وَأَدَّينَ التَحِيَّةَ وَالخِطابا

فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي

كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا

وَقَفتُ بِها كَما شاءَت وَشاؤوا

وُقوفًا عَلَّمَ الصَبرَ الذِهابا


لقراءة المزيد، انظر هنا: تعريف المدرسة الكلاسيكية.

المراجع

  1. أحمد العزي صغير، الخطاب الإبداعي المعاصر: رؤى واتجاهات، صفحة 157. بتصرّف.
  2. "الديوان » مصر » أحمد شوقي » قف بالممالك وانظر دولة المال"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 21/3/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب علي صليبي مجيد المرسومي، الشاعر العربي الحديث ناقدا: نقد الفكر، النقد الثقافي، النقد الجمالي، صفحة 214. بتصرّف.
  4. "الديوان » مصر » أحمد شوقي » سلوا قلبي غداة سلا وثابا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/3/2021. بتصرّف.
  5. اللدكتور إيادعبد المجيد إبراهيم، الشعر و العسل، دراسة تحليلية فنية لشعر الهذليين، صفحة 53 - 54 . بتصرّف.
  6. ^ أ ب "الديوان » مصر » محمود سامى البارودى » صلة الخيال على البعاد لقاء"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 21/3/2021. بتصرّف.
  7. كامل محمد محمد عويضة، محمود سامي البارودي، إمام الشعراء في العصر الحديث، صفحة 9. بتصرّف.
  8. مشري بن خليفة، الشعرية العربية، صفحة 106. بتصرّف.
  9. ناصر عمار ظاهري، النظام الشعري في مراثي الخنساء، صفحة 168. بتصرّف.
  10. "الديوان » مصر » محمود سامى البارودى » لك روحي فاصنع بها ما تشاء"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 22/03/2021م. بتصرّف.
  11. أسامة سليمان الفليح، مقالات هذرولوجيا، صفحة 611. بتصرّف.
  12. مسلم بن الوليد، ديوان شعر أبو الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري، صفحة 14. بتصرّف.
  13. "الديوان » مصر » أحمد شوقي » أنادي الرسم لو ملك الجوابا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/03/2021م. بتصرّف.
6740 مشاهدة
للأعلى للسفل
×