محتويات
خصائص شعر بشار بن برد
هو بشار بن برد بن يرجوخ، وُلد بالبصرة في أوائل العقد العاشر من القرن الأول الهجري، وهو فارسي الأب ورومي الأم ولدته أمه أعمى فلم يرَ الدنيا أبدًا، نشأ عند بني عقيل وأعانته هذه النشأة على تعلُّم اللغة العربية، فاتجه إلى المساجد وحلقات العلم والشعر حتى اعتاد لسانه على الشعر وهو ابن العاشرة، وهو شاعر من شعراء العصر العباسي الأول.[١]
لقراءة المزيد عن سيرة الشّاعر، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال:نبذة عن بشار بن برد.
سعة الثقافة والمعجم اللغوي
نبغ بشار بن برد في الشعر من سنّ السابعة ومال في ذلك الوقت إلى شعر الهجاء حتى شكا منه الناس لوالده فضربه ضربًا مبرحًا، ولما بلغ الحلم كان قويًا مُجيدًا للشعر فبلغ قدره وصيته بين الشعراء، وكان ثقيلًا يخشاه الناس، وأجمع النقاد القدامى والمحدثين على أنّه شاعر مطبوع لا يكلف نفسه المشقة والعناء في قول الشعروإنما يرتجل ارتجالًا، ويعود ذلك إلى حياته البدوية التي بدت واضحة على شعره، وعُرف بشار بالذكاء الشديد الذي ليس له نظير، واتفق الشعراء والنقاد على أنّ بشارًا رئيس طبقة المحدثين، ويعد شعره وسطًا بين الشعر القديم والحديث في خلوه من التعقيد وسلامته من الخلل.[٢]
شهد له الجاحظ بتنويعه في فنون القول فقال: "كان بشار خطيبًا، صاحب منظوم، ومنثور، ومزدوج، وسجع، ورسائل. وهو من أصحاب الإبداع والاختراع المتفننين بالشعرالقائلين في ضروبه وأجناسه المتنوعة"، برع بشار بابتداع المعاني التي لم يسبق إليها أحد.[٣]
من ذلك قوله:[٤]
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
- وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَنْ لا تَرَى تَهذي فقلتُ لهم
- الأُذْنُ كالعَينِ تُوفي القَلبَ ما كانا
امتاز شعر بشار بقوة الأسلوب ونعني بالأسلوب اللغة وكل ما يتعلق بها من الجزالة والغرابة والسهولة وفخامة البناء وبراعة الصياغة، فعُرف بفصاحة ألفاظه وبُعدها عن الخطأ، فليس في شعره ما يُشَكُّ فيه، فكان يقول: "من أين يأتيني الخطأ؟ وُلدت ونَشأت في حُجور ثمانين شيخًا من فصحاء بني عقيل ما فيهم أحدٌ يعرف كلمةً من الخطأ"، فسبق بشار أبناء عصره في حسن المعاني التي يُضمّنها أشعاره وتهذيب ألفاظه.[٣]
دقة الوصف والتصوير
امتاز شعر بشار بالنظرة العميقة، والعقلية الجادة، والقريحة الفنية، والعاطفة القوية ، والإحساس المرهف، وكل ذلك بسبب خياله الخصب الواسع، فكان دقيق الوصف والتصويروأحسن الإتيان بهم فكان أفضل من البصراء، فحرمانه من النظر إلى الأشياء جعل معطياته ترتكز على البصر الذي يفقده[٥]، ومن الشواهد الشعرية الدالة على دقة الوصف والتصوير في شعر بشار:[٦]
هَيَّأتُ فيها حينَ خَيَّستُها
- مِن حالِكِ اللَونِ وَمِن أَصهَبِ
راعي الذِراعَينِ لِتَحريزِها
- مِن مَشرَبٍ غارَ إِلى مَشرَبِ
دُعموصُ نَهرٍ أَنشَبَت وَسطَهُ
- إِن تَنعَبِ الريحُ لَها تَنعَبِ
يركز الشاعر على الألوان في هذه القصيدة حتى لا يظهر عاهته ويجعلها تتحكم بمخيلته، فالألوان واضحة جلية فيها، ولكنها بعيدة عن التناسق لأن الألوان معدومة في مخيلته فهو لم يراها قط، فلا يعرف عنها إلا ما سمعه عنها.[٦]
كَأنَّ مُثارَ النَّقْعِ فَوقَ رُؤوسِنا
- وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ
قال صاحب الأغاني ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه، فكيف جاء به بشار وصور أحداث المعركة وميَّزالألوان وهو لم ير الدنيا قط؟ وجوابنا هو تمكنه من اللغة العربية فقد تربى على الفصاحة والبلاغة والبيان عند بني عقيل، بالإضافة إلى محفوظه الشعري الكبير، وسعة خياله وثقافته الواسعة.[٧]
التنويع في الموضوعات الشعرية
امتاز شعر بشار بكثرته وجودته، ممّا جعله يتربع على فحولة الشعراء، وتفوق بشار على شعراء عصره واحتل مكانه رفيعة لدى النقاد، وكما عُرف عند النقاد أن الشعر يجب أن تتلازم جودته مع كثرته، فكثرة الشعر من غير جودة لا تجعل صاحبها يتبوّأ مكانة المتقدمين من الشعراء ولا الجودة وحدها مع القلة تكفي لذلك، فكثيرٌ من الشعراء المجوّدين أخروا أنفسهم بسبب قلة أشعارهم، ومع كثرة أشعاره تعددت موضوعات شعر بشار بن برد، فنظم في كل ضروب النَّظم المعروفة من مدح وهجاء وغزل ووصف وفخر ورثاء.[٣]
وقد أورد صاحب الأغاني في كتابه تفوّق بشار على سابقيه، فقال الأصمعي: لقي ابو عمرو بن العلاء بعض الرواة فقال له: يا أبا عمرو من أبدع الناس بيتًا؟ قال: الذي يقول:[٨]
لَم يَطُل لَيلي وَلَكِن لَم أَنَم
- وَنَفى عَنّي الكَرى طَيفٌ أَلَم
وَإِذا قُلتُ لَها جودي لَنا
- خَرَجَت بِالصَمتِ عَن لا وَنَعَم
نَفِّسي يا عَبدَ عَنّي وَاِعلَمي
- أَنَّني يا عَبدَ مِن لَحمٍ وَدَم
الافتنان في الموسيقى الشعرية
لا يخلو شعر بشار بن برد من الافتنان الموسيقي إضافة إلى الخيال الذي صوّره في شعره، فالموسيقى تُهيء للشاعر سبل الانطلاق في سماء الخيال ليتمتع بالجمال، وبشار لا يعبر عن أفكاره بالبراهين في بعض الأحيان بل يحسها بالصور المحسوسة، ثم يرتبها في خياله وينمقها لتكون بصورة جديدة[٩]، ومن الشواهد الشعرية على افتنان بشار بالموسيقى في شعره وهو يصف المعركة:[١٠]
كَأنَّ مُثارَ النَّقْعِ فَوقَ رُؤوسِنا
- وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ
أجاد بشار اختيار الموسيقى الشعرية في هذه القصيدة فاختار البحر الطويل بقافية الباء المضمومة، ليستريح على الهاء الساكنة وكأنه يستريح من قوة الباء إلى الهاء ليجسد عناء الحرب، وحرف والهاء هو حرف الوصل في القافية، واختياره لهما ليترك أثرًا من آثار المعركة في أذن السامع وكأنه يسمع دوي الطبول، وقعقعة السلاح، ومسير الجنود وصهيل الخيل.[٩]
الموازنة بين الأصالة والتجديد
أجمع العلماء على مكانة بشار الشعرية وتفرده باختراع طريق جديد لم يسلكه الشعراء القدامى، وأحسن التجديد وجوّده في فنه حتى أصبح على رأس المجددين[١١]، ولا يعني سلوك بشار طريق التجديد أنه هجر القديم، ولكنه لم يحصر نفسه في نطاق القصيدة القديمة ولم يكن عبدًا لها،ومن مظاهر التجديد في شعر بشار بن برد أنه حرص دائمًا على التقدم ومواكبة الحضارة وتقدم الشعر العربي، فهو يشكل جسرًا يربط بين القديم والحديث، ولم يكن هذا التجديد من اختراع بشار فقد استفاد بشار من تجارب من سبقه في العصر الأموي ومنهم الوليد بن يزيد الذي حمل لواء التجديد[١٢]، ومن الشواهد الشعرية الموضحة موازنة بشار بين القديم والجديد:[١٣]
ذَكَرتُ مِن هِقلٍ غَدا خاضِبًا
- أَو هِقلَةٍ رَبداءَ لَم تَخضِبِ
هنا تمتزج الصورة الكاملة بين الصحراء والبحر،لأن الشاعر لم يستطع التخلص من القديم ولا يجرؤ على الانخراط في الجديد، فأخذ يبحث عن الروافد المشتركة ووصل بينهما دون إخلال أو نقص في حق أي منهما.[١٢]
كان للنقاد رأيهم في إنتاج بشار بن برد، فمنهم من قال إنّ بعض أشعاره تحتوي على معاني سخيفة وضعف فيها، ومنهم من انتقد المفاحشة في الهجاء وذلك انتقاد راجع إلى الأخلاق لا إلى صناعة القصيدة وصياغتها، وورد انتقادات لبشار حول السرقة الشعرية في كتاب البيان والتبيين، وكل آراء النقاد في شعر بشار لا تقدح في فحولته.[١٤]
المراجع
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 201-202. بتصرّف.
- ↑ احمد حسنين القرني، بشار بن برد شعره وأخباره، صفحة 19-20 29. بتصرّف.
- ^ أ ب ت هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 95-107. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 106. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 98. بتصرّف.
- ^ أ ب هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 38 40 45. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 12-13. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 100. بتصرّف.
- ^ أ ب هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 108 90. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 90. بتصرّف.
- ↑ عارف حجاوي، تجدد الشعر زبدة الشعر العباسي من بشار إلى البحتري، صفحة 15-17. بتصرّف.
- ^ أ ب هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 98 99 41 42. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد طاهر بن عاشور، ديوان بشار بن برد، صفحة 97-98. بتصرّف.