خصائص مدرسة البعث والإحياء

كتابة:
خصائص مدرسة البعث والإحياء

ما هي خصائص مدرسة البعث والإحياء

مدرسة البعث والإحياء هي اتّجاه شعري ظهر على يد محمود سامي البارودي الشاعر والوزير المصري ومجموعة من رفاقه، كان الهدف من ذلك إعادة إحياء الشعر العربي، وإعادة الروح إليه بعد عقود من الركود والجمود، وسمّيت بمدرسة البعث لأنّها بعثَت الروح في الشعر من جديد.[١]

جدّد شعراء هذه المدرسة في الصياغة ونهجوا منهج الشعراء الكبار في البناء الفني والمعاني، وحافظوا على عمود الشعر والأوزان والقوافي، واهتموا بقوة المبنى والمعنى، وحافظوا على الصور العربية القديمة، وعلى سلامة اللغة، وأكثروا من البيان والبديع وضروب البلاغة، ومن خصائص هذه المدرسة ما يلي.[١]


اتخاذ الشعر العربي القديم مثلاً أعلى في الكتابة الشعرية

إنّ الأساس الذي قامت عليه مدرسة البعث والإحياء هو العودة إلى الشعر القديم، وخاصّة شعر العصر العباسي كونه يمثّل ذروة سنام الشعر العربي كما يراه شعراء الإحياء، ومحاولة صياغة قصائد مُحاكية لقصائد ذلك العصر؛ إمّا بمعارضتها، وإمّا بتمثّل معاناة الشعراء القدماء واستلهام فروسيتهم ونحو ذلك.[٢]

كان شعراء هذه المدرسة يُحافظون على عمود الشعر كما حافظ عليه القدماء، وقد سبّب هذا الأمر -يعني المحاكاة- محدوديّة في مجال الإضافة الشعريّة لشعراء هذا الاتجاه؛ ذلك أنّ المحاكاة في حدّ ذاتها تنمّ على اتّباع لا إبداع.[٢]

لذلك؛ فإنّه يطغى على القصيدة الإحيائيّة محاولة مجاراة القصيدة القديمة في نمط التعبير، سواء أكان غزلًا أم وقوفًا على الأطلال أو نحو ذلك، ويكاد يُجمع الدارسون لمدرسة البعث والإحياء أنّ أحمد شوقي هو رأس شعراء الإحياء في المعارضات الشعريّة.[٢]

ومن قصائده التي عارض فيها الشعراء القدامى سينيّته التي عارض فيها سينيّة البحتري،[٢] ويقول فيها:[٣]

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي

وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ

صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت

سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ

وَعَظَ البُحتُرِيَّ إيوانُ كِسرى

وَشَفَتني القُصورُ مِن عَبدِ شَمسِ

رُبَّ لَيلٍ سَرَيتُ وَالبَرقُ طِرفي

وَبِساطٍ طَوَيتُ وَالريحُ عَنسي


الاهتمام بالجانب البياني في الشعر

كان الشعر العربي يرزح تحت وطأة التلاعب بالألفاظ والزخرفة اللغوية قبل مجيء جماعة مدرسة الإحياء، فكان مقياس الجمال الشعري في ذلك الوقت هو الإكثار من صنوف البديع في القصيدة الواحدة، فكان الشاعر يفاخر إن هو أتى بنحو مئة نوع بديعي في قصيدته الطويلة، ولكن بعد بزوغ فجر مدرسة الإحياء انقلب الوضع واختلف.[٤]

صار اهتمام الشعراء الإتيان بقصائد تعيد للشعر رونقه القديم، فأماتوا الشعر الذي يهتم بالجانب البديعي واهتمّوا باستلهام الصور الشعرية البيانية كما كان في شعر القدماء، وكان السبيل إلى ذلك هو المعارضة والمحاكاة.[٤]

مثلًا أحمد شوقي حين كتب "نهج البردة" استطاع أن يأتي بصور شعريّة بيانيّة ربّما تفوّق فيها على البوصيري ذاته،[٤] ومن ذلك قوله:[٥]

يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ

لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ

لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ

وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ

يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا

أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ

لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن

يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ يَغتَنِمِ

فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ

ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ

عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلًا أُعَزُّ بِهِ

 :في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُحَمِ


التفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية المعاصرة

كان العرب يقولون: "الشعر ديوان العرب"، ويرمون من وراء هذا القول إلى أنّ أيّام العرب ووقائعهم والأحداث التي تجري في مجتمعاتهم في ذلك الوقت كلّها مدوّنة في قصائد الشعراء منظومة بطريقة فذّة، وهذا القول يمكن تطبيقه على شعر مدرسة البعث والإحياء.[٦]

واكب الشعراء الإحيائيّون عصرهم واستجابوا للأحداث السياسية والاجتماعيّة التي حدثت في العالم العربي، حتى غدا شعرهم مرآة حيّة لهذا العصر، فواكبوا الثورات التي كانت تموج بها المنطقة العربية، وصوّروا تمزّق الإمبراطوريّة العثمانيّة وكفاح الشعوب من أجل نيل استقلالها وحريّتها.[٦]

إضافة لتصويرها الصدام الكبير بين القيم الإسلامية السائدة في ذلك الوقت وبين القيم التي استوردها الناس من الغرب بعد الاحتكاك الذي صار بينهم، والوقوف على مشكلات المرأة ومعاناتها في ذلك الوقت، وتصوير الفقر والجهل والمرض الذي كانت معظم الشعوب تعاني واحدًا منها على الأقل، والثلاثة على الأكثر.[٦]

من هذا الشعر ما قاله معروف الرصافي في قصيدته "نهضة الشرق" يصف حال الشرق العربي والآسيوي في بداية نهوضه في مطلع القرن العشرين،[٦] يقول في قصيدته:[٧]

أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة

نهوضيّةٌ فيها طموح إلى المجد

ففي مصر شيدت للعلوم معاهد

على أسس التحليل والبحث والنقد

فلم تتّخذ غير التجارب منهجًا

لتحقيقها من جوهر العلم ما يجدي

وفي الأفق التركيّ سارت إلى العلا

جيوش بأعلام التجدّد تستهدى

وفي الهند قامت للتحرّر ثورة

سياسية عزلاء قائدها "غندي"

وفارس حلّت عقدة من جمودها

وحنّت بمسعاها إلى سالف العهد


التفاعل مع الاتجاهات العالمية في الفن

لم يكتفِ الشعراء الإحيائيّون عودة القصيدة العربية إلى شكلها القديم، ولكن استطاعوا التجديد في الشعر العربي من خلال اطلاعهم على الأدب الغربي وأشكاله، والفنون التي قد برع بها أدباؤهم، فأدخلوا إلى الشعر العربي ظاهرة المسرح الشعري من خلال مسرحيات أحمد شوقي مثل: "مصرع كليوباترا" و"مجنون ليلى" وغيرها.[٨]

كذلك فقد أدخل أحمد شوقي شعر الطفولة إلى الأدب العربي بعد أن رأى ذلك في أشعار الشعراء الأوروبيين، وهو وإن لم يكن الأوّل على وجه التحديد الذي أدخل مفهوم أدب الطفل إلى الأدب العربي، ولكنّه أدخل شعر الأطفال بمفهومه الناضج الذي ما زال الشعراء يكتبون به إلى اليوم،[٨] ومن ذلك قوله:[٩]

يَمامَةٌ كانَت بِأَعلى الشَجَرَه

آمِنَةً في عُشِّها مُستَتِرَه

فَأَقبَلَ الصَيّادُ ذاتَ يَومِ

وَحامَ حَولَ الرَوضِ أَيَّ حَومِ

فَلَم يَجِد لِلطَيرِ فيهِ ظِلًّا

وَهَمَّ بِالرَحيلِ حينَ مَلّا

فَبَرَزَت مِن عُشِّها الحَمقاءُ

وَالحُمقُ داءٌ ما لَهُ دَواءُ

تَقولُ جَهلًا بِالَّذي سَيَحدُثُ

يا أَيُّها الإِنسانُ عَمَّ تَبحَثُ

فَاِلتَفَتَ الصَيادُ صَوبَ الصَوتِ

وَنَحوَهُ سَدَّدَ سَهمَ المَوتِ

فَسَقَطَت مِن عَرشِها المَكينِ

وَوَقَعَت في قَبضَةِ السِكّينِ

تَقولُ قَولَ عارِفٍ مُحَقِّق

مَلَكتُ نَفسي لَو مَلَكتُ مَنطِقي

المراجع

  1. ^ أ ب مسعد بن عيد العطوي، الأدب العربي الحديث، صفحة 67. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، من شعراء الإحياء أحمد شوقي معروف الرصافي محمد الشاذلي خزنه دار، صفحة 15 - 20. بتصرّف.
  3. "اختلاف النهار والليل ينسي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2021.
  4. ^ أ ب ت مسعد بن عيد العطوي، الأدب العربي الحديث، صفحة 78 - 81. بتصرّف.
  5. "ريم على القاع بين البان و العلم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2021.
  6. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، الأدب العربي الحديث، صفحة 88 - 101. بتصرّف.
  7. "أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2021.
  8. ^ أ ب فطيمة الزهرة سلماني، شعر الأطفال في قصائد أحمد شوقي، صفحة 6 - 20. بتصرّف.
  9. "يمامة كانت بأعلى الشجره"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2021.
5617 مشاهدة
للأعلى للسفل
×