خطبة الجمعة حول الدخول المدرسي

كتابة:
خطبة الجمعة حول الدخول المدرسي


مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله، نحمدهُ، ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، ونشهد أنَّ لا إله إلَّا الله، والصَّلاة والسَّلام على محمدٍ النَّبيِّ الأميِّ الذي اختاره الله لهداية خلقه فأرسله للنَّاس كافَّةً وداعياً ومعلِّماً، يدعوهم إلى الله، ويعلِّمهم كتابه، لقوله -سُبحانه- عنه: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).[١][٢]



الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصِّرة بتقوى الله ولُزوم طاعته، وأُحذِّركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، فربُّكم أهلٌ للتُقوى والمغفرة، وبالتَّقوى ننال العزَّ في الدُّنيا والآخرة، ويجعل لنا من كُلِّ همٍ فرجاً، ومن كُلِّ ضيقٍ مخرجاً، لِقوله -سُبحانه-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)،[٣] كما أنَّ التَّقوى سببٌ لتكفير السيِّئات، ومُضاعفة الحسنات، وتيسير العسير من الأُمور، وينالُ العبد بها ولاية مولاه، فحريٌّ بنا أنَّ نتَّقيه في سرِّنا وعلانيتنا، قال -تعالى- عن المُتَّقين: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ* الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ* لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).[٤][٥]



الخطبة الأولى

أيها الأخوة، نتفيأُ في هذه الأيَّام استقبال عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، يتوافدُ فيه أبناؤنا الطلبة صِغاراً وكِباراً إلى مدارسهم، ليخطُّوا من خلالها مرحلةً جديدةً في التَّعليم والتَّحصيل الدِّراسيِّ، يتوافدون لمدارسهم لأجل الغاية التي أُنشئت وأُسِّست من أجلها ألا وهي التَّعليم، ويتفاوت الطُلاب في الاستعداد لهذه الغاية النَّبيلة، وهذه المرحلة تتجدَّدُ فيها مسؤوليَّة الآباء تجاه أبنائهم، لِقول النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).[٦][٧]



فالمسؤوليَّة عظميةٌ وكبيرةٌ أمام الله -تعالى-، وحريٌّ بنا أن نُراقب الله -تعالى- فيما نتحمَّله من مسؤوليَّةٍ في مدارسنا التي ستفتحُ أبوابها، وكُلُّنا شُركاءُ في هذه المهمَّة والمسؤوليَّة، ابتداءً من المُدير، والمُعلِّم، والأب، والطَّالب، وينبغي علينا أن نستشعر عظم هذه المسؤوليَّة أمام الله، وأنَّ مدارسنا بُنيت لتكون مناراتٍ للهُدى، ونشر الخير، والصَّلاح، والفضيلة، ورفعاً للمُجتمع عن الرَّذيلة، فينبغي أن تتكاتف الجُهود لتحقيق هذه الأهداف السَّامية.[٧]



معشر المسلمين، لا بد وأن نستشعر الإخلاص لوجه الله -تعالى-؛ فالعلم من الأُمور التي يُحبُّها الله ورسوله والتي رغَّبا بها، وقد جاء عن الإمام أحمد قوله: "العلم لا يعدله شيء إذا صَلُحت النيَّة"، فلنُصلح نوايانا جميعاً عند تعلُّمنا ما ينفعنا في ديننا ودُنيانا، ولندخُل مدارسنا بنيَّة ابتغاء الأجر من الله -تعالى-، ولنسعى للرُقيِّ بأُمَّتنا، وتحقيق أهداف العلم النَّبيلة، أتعلَّم أُمور ديني لأُزكِّي نفسي، وأصلح شأني، وأستزيد في العلم الذي أمرني ربِّي التَّزود منه.[٧]



كما ينبغي على أبنائنا الطلبة أن يبدأوا عامهم الجديد بهمَّةٍ عاليةٍ تُناسب رُقيَّهم في دُروب العلم والفضيلة؛ فالهمَّة العالية ينبغي أن تكون مُصاحبةً لطالب العلم على الدَّوام؛ فهي التي تحثُّه على الفضيلة، وتُبعدهُ عن الرَّذيلة، وبالهمَّة يكون العلم صلاحاً ونماءً لصاحبه، ومن قصَّر في طلبه للعلم يكون مسؤولاً أمام الله يوم القيامة، كما أنَّه يجب لطالب العلم أن يعمل بما يعلم ليكون له حُجَّةً يوم القيامة.[٧]



أيها الفضلاء، على صعيد المُربين الأفاضل من المُعلمين والمُعلمات؛ فلا بُدَّ من اهتمامهم وعنايتهم بالطُلاب عنايةً عظيمةً، وخاصَّةً في زماننا الذي كثُرت وتنوَّعت به الفِتن والشُّرور، وذلك يُحتِّم على المُربين أن يهتموا بِطُلابهم اهتماماً أكثر، وأن يولوهم عنايةً أكبر، حيثُ إنّ أبناءنا الطلبة باتوا يتلقون من أكثر من وسيلةٍ، ومن قنواتٍ مُختلفةٍ، فلا بُدَّ لهم عند قُدومهم للمدرسة أن يجدوا المُربِّي النَّاصح الذي يُرشدهم للخير، ويأخُذ بيدهم إلى الصَّلاح والهداية، ويُبعدهم عن الشُّبهات والشَّهوات والمُغريات، وعلينا أن نكون جميعاً مُتعاونين في تحقيق هذه الأهداف، وأن يكون المُربِّي قُدوةً لِطُلابه، حريصاً على تأديبهم وتعليمهم طاعة الله -تعالى-، ناصحاً لهم.[٧]



كما يجدر بأبنائنا الطَّلبة أن يكونوا على مُستوىً عالٍ من الاحترام والتَّقدير لمُعلميهم ومُربيهم، وأن يحترموا مدرستهم، وأن يحرصوا على أن يكون علمهم نافعاً ومُباركاً أينما وُجد، وأن يبتعدوا عن كُل ما يُمكنهُ أن يُبعدهُم عن الغاية التي من أجلها أرادوا الدراسة والتوجه إلى مدرستهم،[٧] فأول ما بدأ الله به من آيات من حيث النُزول قوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[٨] وذلك ممَّا يرفع من قيمة العلم وأهله، إذا كان المقصود منه وجه الله -تعالى-.



عباد الله، يحرص المُسلم على تعلُّمُ ما ينفعه وأُمَّته في الدُّنيا والآخِرة، وقد جاء عن الإمام الترمذي أنَّه كان من دُعاء النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يُعلمه ما ينفعه، وأن ينفعه بما علمه، وأن يزيدهُ من العلم، كما ننصحُ أبناءنا الطلبة بالتَّواضع والأدب عند طلبهم لعلم، وأن يكون قُدوتهم في ذلك نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- عندما ذهب إلى الخضر للتعلُّم منه، فقال -تعالى- في وصف ذلك: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)،[٩] وممَّا جاء في الشِّعر العربي من الحثِّ على العلم:

احرص على كل علم تبلغ الأمل

                 ولا تموتن بعلم واحد كسلا 


النحل لما رعت من كل فاكهة

                أبدت لنا الجوهرين الشمع والعسل 


الشمع في الليل ضوء يستضاء به

                والشهد يبرئ بإذن الباري العلل 



فالعلمُ نورٌ عند وجود ظُلمات الجهل، وشفاءٌ من الشُّبُهات والشَّهوات، كما يليق بطُلابنا الكرام أن يكونوا مؤثِّرين في غيرهم من زُملائهم، وأن يقوموا بدعوتهم إلى الخير والصَّلاح، وإلى الإسلام إن كانوا غير مُسلمين، وأمَّا ما يجبُ به على مُربينا الأفاضل؛ فجدير بهم أن يضعوا نصب أعيُنهم أنَّ العلم النَّافع ممَّا يلحق الإنسان بعد موته، لِقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (أربعةٌ تجري عليهم أجورُهم بعد الموتِ: من ماتَ مرابطًا في سبيلِ اللهِ، ومن علَّم علمًا أُجريَ له عملُه ماعُمِلَ به، ومن تصدَّق بصدقةٍ فأجرها يجري له ما وجدتْ، ورجلٌ ترك ولدًا صالحًا فهو يدعو له).[١٠]



كما يجب أن يكون قُدوتهم في التَّعليم مُعلِّمنا الأوَّل مُحمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد قال عنه بعض الصَّحابة: (ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي)،[١١] فالمُعلم أيها الكرام بِمقام الوالد الذي يقوم بتعليمهم وتعاهُدهم وتلقينهم، كما ينبغي علينا كمُسلمين أن نُدرك أنَّ التَّعليم ليس مهنةً تختصُّ بالمُعلمين فقط؛ فقد جاء عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قوله: (ثَلَاثَةٌ لهمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِن أهْلِ الكِتَابِ، آمَنَ بنَبِيِّهِ وآمَنَ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والعَبْدُ المَمْلُوكُ إذَا أدَّى حَقَّ اللَّهِ وحَقَّ مَوَالِيهِ، ورَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ فأدَّبَهَا فأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وعَلَّمَهَا فأحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أجْرَانِ).[١٢][١٣]



أيها الكرام، لنحرص جميعاً الآباء منا والأُمهات على تشجيع أبنائنا على العلم، ومُتابعة تحصيلهم الدراسيِّ، وما يرجعون به من أخلاقٍ من مدارسهم؛ لأنَّ الابن قد يتعرَّض للانحراف بسبب زُملائه، إذ إنَّ العمليَّة التَّدريسيَّة مسؤوليةٌ مُشتركةٌ تعاونيَّةٌ بحاجة إلى وُقوف جميع أطرافها في صفٍ واحدٍ لتؤتي أُكُلها وثمارها المرجوة،[١٣] أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنّهُ هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله، أيُها المُسلمون، في كُلِّ عامٍ وبعودة أبنائنا إلى مدارسهم، وامتلاء الشَّوارع بهم، لا بُدَّ أن نقف وقفةً تأمُليَّةً ونسأل أنفُسنا لماذا نقوم بالحرص على دُنياهم ودراستهم ولا نحرص على تعليمهم دينهم، فقد أخبر الله -تعالى- أنَّ من واجب الآباء تربية أبنائهم وإبعادهم عن النَّار، لِقوله -سُبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)،[١٤] وجاء عن علي أنَّ المعنى كلمة قوا أنفسكم؛ أي علموهم وأدبوهم.[١٥]



الدعاء

  • اللهمَّ وفقنا للعمل الصَّالح في القول والعمل، واجعلنا هُداةً مُهتدين لا ضالين ولا مُضلِّين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا من المؤمنين المُنتفعين بالذكرى.[١٦]
  • اللهمَّ زدنا علماً، اللهمَّ ألهمنا رُشدنا، وقنا شر أنفُسنا، وأعطنا العزيمة على العلم والرُشد، واغفر لنا ذُنوبنا، اللهمَّ إنَّا نسألُك خير المسألة وخير الدُّعاء وخير النَّجاح وخير العمل وخير الثَّواب وخير الحياة وخير الممات، اللهمَّ أنفعنا، وأنفع بنا، واجعلنا مُباركين أينما كُنَّا، اللهمَّ إنَّا نسألُك فواتح الخير وجوامعه وخواتمه وأوله وآخره ووطاهره وباطنه والدرجات العليا من الجنة.[١٧]
  • اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وأنفعنا بما علَّمتنا، واجعلنا من العاملين بما يعلمون، اللهمَّ وفِّق أبنائنا الطلبة، وافتح عليهم فُتوح العارفين.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلّ الله عليه محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.



عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. سورة المائدة، آية:15-16
  2. عبد القادر عودة (1985)، الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه (الطبعة 5)، صفحة 5. بتصرّف.
  3. سورة الطلاق، آية:2
  4. سورة يونس، آية:62-64
  5. عبد العزيز آل الشيخ، جامع خطب عرفة لعبد العزيز آل الشيخ، صفحة 61-62. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5200، صحيح.
  7. ^ أ ب ت ث ج ح عبد الرزاق البدر (20-9-2010)، "العام الدراسي الجديد وكيف نستقبله؟"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2021. بتصرّف.
  8. سورة العلق، آية:1-5
  9. سورة الكهف، آية:66
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:877، حسن.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي، الصفحة أو الرقم:537، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:97، صحيح.
  13. ^ أ ب "العودة للمدارس"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2021. بتصرّف.
  14. سورة التحريم، آية:6
  15. شعيب العلمي (8-9-2013)، "وقفات ونصائح مع الدخول المدرسي"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2021. بتصرّف.
  16. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 16، جزء 84. بتصرّف.
  17. "جوامع الدعاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2021. بتصرّف.
4714 مشاهدة
للأعلى للسفل
×