خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات)

كتابة:
خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات)


خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات)

مقدمة الخطبة

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من سيئات أعمالنا، ومن شرور أنفسنا، ونشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحابته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.


الوصية بتقوى الله تعالى

أوصيكم أيها الإخوة الأكارم بتقوى الله -عز وجل- ولزوم طاعته، ودوام مراقبته، وأحذركم من مخالفة أمره ونهيه، والانخداع بالدنيا وزينتها، واتعظوا من قوله -عز وجل-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).[١]


الخطبة الأولى

أيّها الإخوة الأفاضل، خطبتنا اليوم بعنوان: رمضان شهر الانتصارات، ولقد كان رمضان بالفعل شهراً نصر الله فيه عباده المؤمنين على أعدائهم، وسنستعرض بعض تلك الانتصارات، ونسأل الله -عز وجل- أن يمنَّن على أمتنا بنصر يشفي قلوبنا، ويزيل الغُمة عن المستضعفين في مشارق الأمة ومغاربها، كما نرجوه -سبحانه وتعالى- أن ينصرنا على أنفسنا وشياطيننا الذين يقيدوننا عن التزام أوامره -سبحانه وتعالى- واجتناب نواهيه.


أيُّها الأحبة، أول انتصارات أمتنا في كل تاريخها، وأهم انتصاراتها على الإطلاق هو انتصار المؤمنين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- على كفار قريش في معركة بدر الخالدة بقدرة الله -عز وجل- وتوفيقه، ولقد كان ذلك النصر في السنة الثانية للهجرة، في السابع عشر من رمضان.[٢]


وقد حدثت المعركة عندما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه وكان عددهم يزيد عن الثلاثمئة بقليل، وبأسلحة خفيفة، يريد أن يستولي على قافلة للمشركين يقودها أبو سفيان كنوع من التعويض عما أخذه المشركون من أموال المسلمين في مكة.[٢]


ولكن الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يذل الشرك والمشركين، وينصر دينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعباده المؤمنين، فتنجوا القافلة وتخرج قريش بقضِّها وقضيضها لمواجهة المسلمين.[٢]


ولقد كان عدد المشركين ألفاً من المقاتلين يتقدمهم كل صناديد المشركين، مدججين بكل الأسلحة المتوفرة في بيئتهم، وتواجه الفريقان، فيمنُّ القوى -سبحانه وتعالى- على عباده المؤمنين -الفقراء في كل شيء إلا من العقيدة والعزيمة-، ويُجندَلُ زعماء الشرك فيُقتل أبو جهل -فرعون هذه الأمة- وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، وسبعون آخرون، ويؤسر مثلهم، فكان نصراً مؤزراً بعون الله -سبحانه وتعالى- وقدرته.[٢]

أيُّها الإخوة الأعزاء، من انتصاراتنا العظيمة ما حدث في العشرين من رمضان سنة ثمان للهجرة، حين فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة المكرمة، ودخلها من غير قتال فعلي، حيث استسلمت المدينة المقدسة التي لطالما ناصب أهلها العداء للدين الحق، ودخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون بعد أن غادروها مكرهين قبل ثمانية أعوام ومنعهم من دخولها كل تلك الفترة.[٢]


ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- جمع الأنصار حول نبيه -صلى الله عليه وسلم- في تلك الفترة وقوّى جبهة المؤمنين، فيأتي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعشرة آلاف مجاهد وينصرهم على أعدائهم، ليكون فتح مكة تاج تلك الانتصارات وإنهاءً لصراع طويل، وليدخل الناس بعدها في دين الله أفواجاً، وعندما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- أزال كل مظاهر الشرك من داخل الكعبة وحولها، ومن رحمته عفا عن أهل مكة.[٢]


أيُّها الإخوة الأكارم، من انتصارات المسلمين الفاصلة، ذلك الانتصار الذي حقّقه المسلمون بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله تعالى- أمير المماليك في مصر على التتار، وكان ذلك في العشر الأواخر من رمضان، وقد حدثت المعركة على أرض فلسطين الحبيبة، ومنطقة عين جالوت هي سهل يقع في الوسط تقريباً بين مدينتي نابلس في الجنوب وبيسان في الشمال.[٣]


وكانت المعركة معركة وجودية للمسلمين جميعاً، فقد كانت عقِبَ انتصارات التتار التي لم تتوقف منذ أن خرجوا من ديارهم، حيث اجتاحوا الدولة الخوارزمية، ثم دمّروا الدولة العباسية وسووا عاصمتها بغداد بالأرض، وقتلوا أهلها وعلى رأسهم خليفة المسلمين المستعصم بالله وكبار الأمراء والعلماء، ثم واصلوا المسير إلى الشام ودخلوا دمشق وعاثوا فيها فساداً، واجتاحوا فلسطين كذلك ولم يبق أمامهم إلا مصر.[٣]


وراسل التتار أمراء مصر وأمروهم بالاستسلام، ولكن الملك المظفر قطز يرد عليهم بقتل الرسل، وتجهّز الجيش، وعلماء الأمة بقيادة العز بن عبد السلام يحضون المسلمين على الجهاد، وعندما التقى الجيشان كانت صيحات "وا إسلاماه" التي يطلقها القائد المؤمن تتجاوب في جنبات الميدان، ويرد صداها كل المؤمنين من خلفه، وينصر الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين، وينهى صورة الجيش الذي لا يقهر، ويحمي الأمة الإسلامية من الفناء.[٣]


الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد المنتصرين، وعلى آله وصحبه، وعلى من سار نهجه واتبع هداد إلى يوم الدين، وبعد.

أيُّها الأحبة، شهر رمضان هو شهر الانتصارات، التي سطرها عباد الله المؤمنين في عدة مواضع، فكان نصر الأمة الأول في بدر الكبرى في هذا الشهر المبارك، وكان فتح الفتوح -فتح مكة- في هذا الشهر، وكان إيقاف الاجتياح المغولي لكل بلاد المسلمين في معركة عين جالوت في هذا الشهر الكريم.


أيُّها الأحبة، إنّ تلك الانتصارات، وغيرها لم تكن لتتحقق دون الإعداد الإيماني للجنود الذين حققوها، والإعداد المادي بكل الاستطاعة المتاحة، ونحن في هذا العصر الذي يعيش فيه المسلمون في الظلمة والهوان وعلى هامش الحياة إن أردنا أن نعيد مجدنا، فأول طريقنا انتصارنا على أنفسنا، وتربيتها على أصول الإيمان، ثم محاولة الشهود الحضاري المادي.


الدعاء

  • اللهمّ لك الحمد حمداً طيباً مباركاً فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
  • اللهمّ صل وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
  • اللهمّ انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعزنا بالرجوع إليك واتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
  • اللهمّ قوِّ شوكة المسلمين، وأيدهم بنصرك وارزقهم من فضلك، واجعلهم لك شكارين ذاكرين.
  • اللهمّ اهد شباب وشابات المسلمين، وردهم إليك رداً جميلاً.
  • اللهم كل من أراد بالمسلمين سوءاً فرد كيده في نحره وأشغله بنفسه.
  • اللهمّ اجعل لنا من لدنك سلطانا نصيراً.
  • اللهمّ إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد، اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا.
  • اللهمّ لا تكلنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.
  • وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. ^ أ ب ت ث ج ح محمد الغزالي (1427)، فقه السيرة (الطبعة 1)، دمشق:دار القلم ، صفحة 226-239. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت راغب السرجاني، التتار من البداية إلى عين جالوت، صفحة 1-22، جزء 10. بتصرّف.
6759 مشاهدة
للأعلى للسفل
×