محتويات
مقدمة الخطبة
(الحمدُ للَّهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدِ اللَّهُ فلا مُضلَّ لَهُ ومن يضلل فلا هاديَ له)،[١] الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان، وأمرنا بصيامه حقّ الصيام، الحمد لله القائل في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[٢]
وأشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمَّدًا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، أفضل من صلّى وصام، القائل في حديثه: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ).[٣]
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وبتحقيق التقوى في صيامنا، وأحذركم من عصيان الله، ومخالفة أمره ونهيه؛ لقوله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).[٤]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون الموحدون، لقد شُرع الصيام لغايةٍ عظيمةٍ وجليلةٍ؛ ألا وهي تحقيق ثمرة الصيام وهي التقوى، فلا معنى ولا قيمة لصيام البطن والفرج عن الحلال، وإطلاق العنان للجوارح واللسان بالحرام؛ فالصيام الحقيقي هو صيام البطن والفرج والجوارح معًا؛ حتى يتحقّق مقصود الصيام.
ولقد جاء في حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ)،[٣] وهذا الحديث ركنٌ مهمٌّ في بيان المقصد الحقيقيّ من الصيام، وكما أسلفنا فإنّ الله -جلّ وعلا- لم يفرض علينا الصيام من أجل ألّا نأكل ونشرب فقط، وإنّما لامتثال أمره -سبحانه وتعالى- والبعد عمّا نهى عنه.[٥]
عباد الله، إنّما المؤمن الكيِّس الفطن من راعى حرمات الله في صيامه، وكان حريصًا على هذا الصيام من أن يخلطه أيٌّ من هذه الشوائب التي تؤثّر فيه، فلا ينبغي للمسلم أن يجعل صيامه عرضةً للخسران والضياع، أو يفسده بالكلام المحرَّم والقيل والقال أو الغيبة والنميمة؛ فلنحرص على صيامنا عن هذه الأمور رعاكم الله.[٦]
والصائم الصادق في صيامه هو من صامت أعضاؤه عن الحرام، ولسانه عن قول الحرام والزور، وبطنه عن الطعام والشراب؛ ولذا لا بدّ للصائم من أن يراعي آداب الصيام؛ حتّى لا يكون نصيبه من صيامه الجوع والعطش فقط،[٦] كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (رُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِهِ السَّهرُ وصائمٍ حظُّه من صيامهِ الجوعُ والعطشُ).[٧]
أيها الإخوة الفضلاء، إنّ رمضان مدرسةٌ ودورةٌ تدريبيَّةٌ مكثَّفةٌ، وفرصةٌ قيِّمةٌ من الله -سبحانه وتعالى-؛ حتّى يتدرّب كلّ واحدٍ منّا على تغيير نفسه للأفضل، وأن يقف عند حدود الله ومحرَّماته، فلا ينتهكها؛ فعلينا جميعنا أن نبادر ونسارع في الخيرات والطاعات؛ حتى لا نكون من المحرومين في هذا الشهر المبارك العظيم،[٨] أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
نحمد الله -جلّ وعلا- ونصلّي ونسلّم على رسوله الكريم؛ فيا عباد الله اتقوا الله حقّ تقواه، ولنتحرى الحلال والحرام في صيامنا، ولنتبعد عن كلّ ما قد يفسد صيامنا من قولٍ للزور أو الغيبة والنميمة، ولتصم جوارحنا عن الحرام حتّى يتحقّق فينا مقصود الصيام وثمرته، ونكون من الفائزين.
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم لا تجعل حظّنا من صيامنا الجوع والعطش، اللهم أعنّا على تحقيق مقصود الصيام فينا، وأعنّا يا مولانا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تجعلنا يا ربنا ممّن رغم أنفهم فأدركوا رمضان ولم يغفر لهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وأقم الصلاة.
المراجع
- ↑ رواه إبن القيم، في زاد المعاد، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2/415، ثابت.
- ↑ سورة البقرة، آية:183
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6057، صحيح.
- ↑ سورة الحشر، آية:18-20
- ↑ إبراهيم الودعان (13/6/2017)، "شرح حديث: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل "، شبكة الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الحميد التركستاني (5/9/1413)، "حقيقة الصيام"، المنبر، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4/416، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، خطب المسجد النبوي، صفحة 35. بتصرّف.