محتويات
خطبة عن الدعاء في رمضان
مقدمة الخطبة
الحمد لله مجيب الدعاء كريم العطاء سميع النداء، أجاب من دعاه ولبَّى من رجاه وأكرم من ناداه، له الحمد في مبتدأ الأمر ومنتهاه، وأصلي وأسلم على الهادي البشير محمد بن عبد الله الكريم النذير، خير من دعا ربه وناجاه وخير من أجيبت دعواه.
الوصية بتقوى الله تعالى
أما بعد عباد الله اتقوا الله حق التقوى، والتقوى كما قال سلفنا الصالح: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فاتقوا الله عباد الله، فقد عز القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).[١]
الخطبة الأولى
اعلموا أيها الكرام أن شهر رمضان هو شهر الدعاء كما درجت بذلك ألسنة العلماء؛ لأنه حقاً شهر تتجلى فيه عبادة الدعاء، حيث تكثر فيه أوقات إجابة الدعاء، وهو مظنة لإجابة الدعاء؛ فقد أجاب الله فيه دعوات كثيرة، وغيّر الله به أحوال كثيرين، فالزموا هذه العبادة العظيمة التي منّ الله بها عليكم من كريم عطاياه.
والدعاء هو: "طلَب ما تعجز عنه من قادر عليه"،[٢]والدعاء هو صلة بين العبد وربه وهو العلاقة التي يعلن فيها العبد عجزه أمام خالقه ويظهر فيها عميق افتقاره إلى ربه الكريم، وكل ذلك من تمام العبودية لله -تعالى-.
ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ قَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)،[٣]وفي الدعاء تظهر علاقة حب بين العبد وربه لا سيما عندما يتيقن العبد من كرم الله في إجابة دعائه.
وشهر رمضان من أكثر الأوقات التي ترتجى فيها إجابة الدعوات، فهو شهر الرحمات والمغفرة، وفيه من الأوقات التي تستجاب فيها الدعوات؛ ومن ذلك: دعوة الصائم حتى يفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ والإمامُ العَدلُ ودعوةُ المظلومِ)،[٤]فالصائم تستجاب دعوته ما دام في صومه، وكل هذا الوقت من كريم عطاء الله على عباده أن فتح لهم أبواب السماء.
وكذلك يستجاب دعاء الصائم لأنه أكثر قرباً من الله -تعالى-؛ فكلما زادت الطاعات زاد الإيمان؛ مما يعني قرب العبد لربه، وعندما يكون الصائم ضعيفاً منكسراً بسبب الجوع والعطش فهو أكثر قرباً من إجابة الدعاء.
وكذلك يستجاب الدعاء في الأوقات المعلومة، ومن ذلك: الدعاء بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات المكتوبة، وفي الثلث الأخير من الليل؛ حيث ينزل الرب -تعالى- إلى السماء الدنيا ليجيب دعاء السائلين، ويستجاب الدعاء كذلك في ليلة القدر المباركة، وكذلك في السجود حيث أقرب ما يكون العبد من ربه فهو ساجد.[٥]
عباد الله إن المسلم في رمضان عليه أن يحرص كل الحرص على هذه العبادة العظيمة فيكثر من الدعاء ومناجاة الله -تعالى-؛ لما فيه من الخير العظيم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).[٦]
ومعنى ذلك أن العبد عندما يدعو فإنه ينتفع بهذا الدعاء سواء عجلت إجابة الدعوة في الدنيا أو أخرت له في الآخرة، وكذلك ينتفع من هذا الدعاء بكونه عبادة لله -تعالى- يؤجر عليها، واعلموا عباد الله أن لإجابة الدعاء شروطاً، فمن أراد إجابة دعائه فليلزمها وليعمل بها.
وهذه الشروط هي: التوجه إلى الله -تعالى- وحده بالدعاء والحيد عمن سواه، وحسن الظن بالله -تعالى- بأنه سيجيب الدعاء بل اليقين بذلك، لأن الشك بأن الله لن يجيب الدعاء هو شك في صادق وعد الله (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).[٧][٨]
ومن أسباب وشروط إجابة الدعوة كذلك عدم الاستعجال بقول العبد قد دعوت فلم يستجب الله لي، ومن شروط وأسباب إجابة الدعاء إطابة الطعام، فمن أكل الحرام أنَّى يستجاب له دعاؤه وهو ظالم، وفي الحديث (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!).[٩][٨]
وكم من ظالم لا يستحيي من الله يظلم هذا، ويأكل مال هذا بالباطل، ويعتدي على الناس ثم بلا حياء يرفع يديه يدعو الله ويسأله من فضله، ألا يستحيي هذا العبد من ربه، يعصيه ثم يسأله ويدعوه!!،[٨] فاتقوا الله عباد الله وأدوا الحقوق ولا تظالموا، فرمضان فرصة عظيمة للإقبال على الله والرجوع إلى طاعته، والنأي عن معصيته.
واعلموا أيها الكرام أن للدعاء آداباً ينبغي للمسلم أن يراعيها في دعائه، والالتزام بها حري بأن يجعلها مستجابة، ومن هذه الآداب: تعظيم الله بحمده وتمجيده بأسمائه وصفاته، ودعائه بالافتقار إلى هذه الصفات التي لديه سبحانه، ثم الصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عند الدعاء في مقدمته أو آخره أو في كلا الحينين.[١٠]
ومن آداب الدعاء كذلك: الوضوء واستقبال القبلة، ورفع اليدين بتذلل وافتقار معلناً برفع يديه تذلله لله -تعالى-، وأن يقدم عملاً صالحاً بين يدي الدعاء وأن يدعو الله بحضور قلب وخضوع لله، والتأدب مع الله بعدم رفع الصوت واختيار ما يليق بحاجته في الدعاء مع أسماء الله الحسنى، فكل هذه الآداب حري بها إن اجتمعت في الداعي أن تستجاب دعوته.[١٠]وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ربنا أمر والصلاة على أزكى البشر محمد بن عبد الله وآله الميامين الغرر، أما بعد فاعلموا عباد الله أن الدعاء له موانع تمنع من إجابته، ومن هذه الموانع: فعل الأمور المحظورة، وترك الواجبات المأمورة، وعلى رأس المعاصي أكل الحرام، والاستعجال بقوله لم يستجب الله لي وترك الدعاء، والدعاء بالإثم أو بقطيعة الرحم فكل ذلك مما يمنع من إجابة الدعاء.[١١]
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد امتثالاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[١٢] لبيك اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.
- اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مبتلىً ببلاء إلا عافيته.
- اللهم اجعلنا ممن إذا دعاك أجبته، وإذا سألك أعطيته، وإذا دعاك لبيته؛ فأنت القريب المجيب وأنت الكريم سبحانك، إلهنا ما خاب من دعاك ولا رُدَّ من رجاك، ولا شقي من طلب هداك.
- اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
عباد الله: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)،[١٣]فاذكروا الله يذكركم وأقم الصلاة.
المراجع
- ↑ سورة آال عمران، آية:102
- ↑ الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 8395. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:1479 ، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3428 ، صحيح.
- ↑ سعود بن وهف القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 52-68. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:1819، صحيح.
- ↑ سورة غافر، آية:60
- ^ أ ب ت سعود العقيلي، الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح، صفحة 33-37. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، صحيح.
- ^ أ ب سعود بن وهف القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 34-52. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 27-33. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:56
- ↑ سورة النحل، آية:90