مقدمة الخطبة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والحمد لله ربِّ العالمين خلق الإنسان وعلَّمه البيان، وهدى قلبه إلى كلِّ خيرٍ وصلاحٍ بنور القرآن، وأرسل نبيَّه محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام، لينشر رسالة دين الإسلام، ربّنا اغفر لنا ولوالدينا، واجزهم عنّا خير الجزاء، وأشهد أن لا إله إلَّا الله الحنَّان المنَّان، وفقني وإياكم لنكون من أهل الجنان، وفتح قلوبنا للطَّاعات وعليها أعان،[١]
الوصية بتقوى الله
معشر المسلمين، اجعلوا تقوى الله نُصب أعينكم فلا تغفلوا عنها، فإنَّ فيها المخرج من كلِّ ضيقٍ وفيها الرِّزق بعد الفاقة، والشِّفاء من كل داءٍ، فقد قال الله -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}،[٢] فتقوى الله -تعالى- هي طريق الهدى، ومن اتَّصف بتقوى الله كان قادرًا على التمييز بين الحقِّ والباطل، فلا يُظلم ولا يَظلم معه أحد، ويكون صالحًا بارًا بوالديه؛ لأنَّ من أعظم الحقوق على العباد هو حقُّ الوالدين بالبرِّ.[٣]
الخطبة الأولى
عباد الله، ما الحياة الدُّنيا إلَّا متاع الغرور، فقد قال الله -تعالى-: {وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَلَلدّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقونَ أَفَلا تَعقِلونَ}،[٤] وإنَّ الآخرة لهي دار البقاء التي لا موت فيها ولا فناء، فاحرص أخي المسلم على طاعة الله -سبحانه وتعالى- بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- ببرِّ الوالدين فقال: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا}،[٥] والإحسان إلى الأب والأم من صفات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فاتَّقوا الله في أنفسكم وأصلحوا أمركم مع أهلكم، فمن أبرَّ والديه نال الأجر من الله -سبحانه وتعالى-، ومن كان عاقَّاً بهما فقد خسر الدُّنيا والآخرة.[٦][٧]
عباد الله، إنَّ المؤمن ليخشى الله -سبحانه وتعالى- في كلِّ أمره، ويجعل حقَّ الله -عز وجل- فوق كلِّ أمرٍ، وقد كان برّ الوالدين مقترنًا برضا الله -سبحانه وتعالى-، فقال -جلَّ جلاله-: {وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}،[٨] وجاءت عبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده لا شريك له يليها الإحسان إلى الوالدين لبيان عِظم هذه الطَّاعة، فمن يعبد الله -عز وجل- بحقٍّ ويتَّقيه حقَّ تقاته، عليه أن يبرَّ والديه ويُحسن إليهما في حياتهما ومماتهما.
فكم تحمَّل الوالدان حتى يكبر أبناؤهما بسلامةٍ وعافيةٍ، كم بذل الأب من جهدٍ ووقتٍ حتى يُوفِّر المال الذي يكفي أهل بيته فلا يحتاجون أحدٍ بعده، وكم سهرت الأمُّ من ليالي على راحة أطفالها في صحَّتهم ومرضهم فلا تتركهم حتى يكونوا بأحسن حال، أو ليس من بذل كلَّ هذا التَّعب حتى تصبح على ما أنت عليه الآن يستحقُّ أن تطيعه وتبرَّه وتُحسن إليه؟ فالإحسان إلى الوالدين عبادةٌ عظيمةٌ لا يَستهين بها إلَّا من فرَّط في دينه ولم يتَّقِ الله في نفسه.
اعلموا عباد الله أنَّ الإحسان إلى الوالدين يكون بالقول والفعل، فلا تكون مخاطبتهما إلَّا بالكلام الحسن الطيِّب، فيا عبد الله، لا ترفع صوتك فوق صوتهما، ولا تغضب وتفقد السَّيطرة على نفسك أمامها، قال الله -تعالى-: {وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا}،[٩] ومن صاحب والديه بالمعروف وكان هيِّنًا ليِّنًا معهما سينال الفوز العظيم في الدُّنيا والآخرة بإذن الله، وحين يكبر الوالدان تقلُّ حيلتهما ويضعفان، وهذا هو الوقت الذي تجب فيه رعايتهما وخدمتهما، ومهما بدر منهما من تصرفاتٍ لا ترضي الأبناء تبقى العناية بهما واجبةٌ، فقد صوَّر الله -عزَّ وجل- الاهتمام بهما بصورةٍ مليئةٍ بالحنوِّ والرِّفق، فجعل الابن كالطائر الذي يخفض جناحه ليحمي فراخه خوفًا عليهما.
أيُّها المسلمون، ما بالنا حين نكبُر نُصبح أكثر قسوة؟ الله الله في الوالدين! من أضاع برَّهما خسر الخسران المبين، وما برُّ الوالدين بفضلٍ من الأبناء على الآباء والله، بل هو دينٌ وقضاءٌ، وكما تُدين تدان، واعلموا أنَّ الرُّجولة والقوَّة ودليل المروءة هو بكونك خاضعاً لهما طاعةً لله -سبحانه وتعالى-، ومهما بدر من الوالدين تبقى الرَّأفة والرَّحمة بهما فرضٌ لا محالة، قال -سبحانه وتعالى-: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}،[١٠] فإيَّاك إيَّاك أن تُقدِّم مصالحك الخاصَّة عليهما، فما من خاسرٍ حينها سوى أنت.[٦] واحرص على أن يكون برّك بوالديك مستمرٌّ حتى بعد وفاتهما.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على أشرف الخلق سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد، تناولنا في الخطبة الأولى أهميَّة برِّ الوالدين والإحسان إليهما، وكيف أنَّ عقوقهما مقترنٌ بالشِّرك والعياذ بالله، ومن أهم صور برِّ الوالدين مصاحبتهما بالمعروف، والجلوس معها والاستماع إلى حديثهما، والرّفق بهما، فاحرص أخي المسلم على تخصيص جزءٍ من وقتك لقضائه برفقتهما ليشعران بأهميَّتهما بالنَّسبة إليك، وبأنَّ جهدهما وتعبهما في تنشئتك لم يكن هباءً، وأبشر بعدها برحمة الله -سبحانه وتعالى- في دنياك وآخرتك، فإنَّ وعد الله حقٌّ، وما من مسلمٍ أحسن إلى والديه إلَّا عوضَّه الله -عزَّ وجل- بخير الجزاء.[١١]
الدعاء
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، ووفقنا اللهم لما تُحبُّ وترضى، ويسر لنا من الخير كلِّه، واهدنا صراطك المستقيم الذي نكون فيه كما تُحبُّ وترضى، اللهموفِّقنا جميعًا لبرِّ أمهاتنا وآبائنا وارزقنا في ذلك الإخلاص وحسن القصد والسَّداد إنَّك جوادٌ كريمٌ، اللهم جازنا بالإحسان إحساناً وبالمعصية عفوًا وغفرانًا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرَّحيم.[١٢]
المراجع
- ↑ "مقدمات خطب"، الخطباء، 27/1/2017، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية:2-3
- ↑ ابن عثيمين، كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع، صفحة 501. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:32
- ↑ سورة الإسراء، آية:23
- ^ أ ب "بر الوالدين"، الألوكة الشرعية، 15/1/2018، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
- ↑ "بر الوالدين (خطبة)"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:36
- ↑ سورة الإسراء، آية:24
- ↑ سورة لقمان، آية:15
- ↑ "خطبة عن بر الوالدين"، الألوكة الشرعية، 16/1/2016، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2021. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع، صفحة 504.