خطبة جمعة قصيرة مؤثرة عن التوبة

كتابة:
خطبة جمعة قصيرة مؤثرة عن التوبة

مقدمة الخطبة

الحمدلله رب العالمين، الحمدلله الذي فتح لعباده أبواب الخير والرحمة والتوبة، وسهّل لهم باب الرجوع والإنابة إليه -عز وجل-، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ونبيه وصفيّه وخليله، عليه أفضل صلوات ربي وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.[١]


الوصية بتقوى الله

أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله ربنا ورب كل شيء وخالقنا والمنعم علينا بالنعم كلها، والتوبة من ذنوبنا ومن سيئات أعمالنا، فقد فتح الله -تعالى- لنا باب التوبة والاستغفار والإنابة، وأمرنا بذلك، فقد قال تعالى في محكم تنزيله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٢] فلنلتفت بقلوبنا وجوارحنا وأعمالنا إلى الله -تعالى-، ولا نعتمد إلا عليه.[١]


الخطبة الأولى

عباد الله، إنّ التوبة النصوحة تكفّر جميع الذنوب ولو بلغت عنان السماء، إلا الشرك بالله، فيستعيد الشخص الطمأنينة والثقة بنفسه، قال الله -عز وجل- في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[٣][٤]


عباد الله، إن للتوبة شأن عظيم وفضل كبير، وتفتح التوبة أبواب الخير للإنسان، ولها ثمرات وفضائل لا تعد ولا تحصى، ونذكر منها ما يأتي:[٥]

  • التوبة طريق لنيل رضا ومحبة الله -عز وجل-.
  • التوبة طريق لنور الوجه، وتكفير الذنوب مهما عظمت، وتجعل المسلم كمن لا ذنب له.
  • التوبة والاستغفار هي السبب المباشر للرزق، فبها تنزل الأمطار، ويرزق الله التائب القوة والمال والبنين.
  • التوبة والإنابة هي ما يميز المؤمنين، وتعد من أول أوصافهم.
  • التوبة هي السبب للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، لما يناله المسلم من رضا الله -عز وجل- وتوفيقه لما يحب ويرضاه.
  • التوبة هي تنفيذ لأمر الله -تعالى- وطاعته، وبالتالي نجاة للمسلم من النار والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين التائبين المستغفرين.
  • التوبة هي السبب الرئيسي للمتاع الحسن، فهي تستجلب النعم.
  • التوبة ترفع البلاء عن المسلم والمجتمع.


معشر المسلمين، إن التوبة النصوحة الصادقة لها شروط وأركان، فهي تبدأ من الإقلاع عن الذنب وتركه، ثم الندم والحسرة على اقتراف الذنوب الماضية، ثم العزم على عدم العودة للذنب، على أن يكون ذلك كله تعبداً صادقاً لوجه الله -تعالى-، ثم أخيراً يجب رد الحقوق لأصحابها، والبراءة منها، بعد ذلك تصبح التوبة صادقة، ويقبلها الله -تعالى- ويثيبنا بالأجر العظيم.[٦]


يا عباد الله، إن التوبة من الذنوب واجبة على الفور بعد كل ذنب نقترفه، ولا ينبغي علينا التسويف والتأجيل، فلا تعلم نفس متى تموت، فلنبادر جميعنا بالإنابة إلى الله -تعالى-؛ لننال عفوه ورضاه ونفوز بأعلى درجات الجنة.[٦]


عباد الله، أما علمتم ما كان من توبة دينار العيار، فقد كان لا يتعظ ولا يأخذ بنصيحة أمه، حتى مرّ ذات يوم بمقبرة، ووجد عظمة فأخذها وفركها بيديه فإذا بها تتحول لتراب تتطاير في الهواء، فهزه ذلك واستشعر ما كان عليه من الذنوب، وأن هذه الحياة فانية، والدار الآخرة هي القرار، فتاب توبة نصوحة، رجع إلى أمه وقد تغير لون وجهه، وأخذ عهداً على نفسه بأن لا يفعل إلا الطاعات.[٧]


ويقول لنفسه "ويحك يا دينار ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار"، حتى وصلت به الحالة أن لا يأخذ راحة، طمعاً في مغفرة الله -تعالى- له، وقال لأمه بصوت ضعيف خاضع "إن لم تجديني في عرصات القيامة، فاسألي مالكاً خازن النار عني"، ثم توفي بعد ذلك، وقد اجتمعت الأعداد الكبيرة لحضور جنازته ودمعت الأعين عليه، فلنا في مثل هؤلاء قدوة حسنة في التوبة والرجوع إلى الله.[٧]


الخطبة الثانية

عباد الله، إنني أوصي نفسي قبل أن أوصيكم، بلزوم طاعة الله -تعالى-، والابتعاد عن المعاصي قدر المستطاع، فإن الله قد رزقنا الطيبات، وأمرنا بالصالحات، التي هي طريق لمحبة ورضا الله -عز وجل-، والتوبة هي الوسيلة لتطهير القلب من السيئات، لأن النفس البشرية خلقت معرضة للخطأ واقتراف الذنوب، ولكن بمقابل ذلك شرع لنا ما نستطيع به تلافي غضب الله -عز وجل-، فلا بد من التوبة الفورية قبل أن يباغتنا الموت،[٨] واعلموا أنّ الله يقبل التوبة من عباده مهما بلغت ذنوبهم فهو الغفور الرحيم، فاستغفروا الله وتوبوا إليه.


الدعاء

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:  

  • (رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ).[٩]
  • (اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).[١٠]
  • اللهم إنا نسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام وعظمتك التي لا يبلغها أي شيء أن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تعاملنا بما أنت أهله وليس بما نحن أهله.
  • اللهم وفقنا إلى ترك المعاصي أبداً ما أحييتنا، واختم حياتنا بعمل صالح يا أرحم الراحمين.
  • اللهم منّ علينا بمغفرة منك تجعلنا في الفردوس الأعلى من الجنة، وباعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اجعلنا ممن غفرت لهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إنك ربي سميع مجيب عظيم رحيم غفور.


عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب عبدالرحمن بن ناصر السعدي (1991)، الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (الطبعة 1)، صفحة 190، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة النور، آية:31
  3. سورة التحريم ، آية:8
  4. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (4-5-2016)، "خطبة عن التوبة إلى الله تعالى"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16-8-2021. بتصرّف.
  5. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 247. بتصرّف.
  6. ^ أ ب الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، "أثر التوبة على عقوبة القذف في الفقه الإسلامي"، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 66، صفحة 262-263. بتصرّف.
  7. ^ أ ب امير بن محمد المدري (21-2-2012)، "مع التوبة والتائبين"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 16-8-2021. بتصرّف.
  8. "أهمية التوبة "، طريق الاسلام، 2-3-2016، اطّلع عليه بتاريخ 16-8-2021. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:6398، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:6326، صحيح.
17798 مشاهدة
للأعلى للسفل
×