خطبة حجة الوداع الأفكار الرئيسية والدروس المستفادة

كتابة:
خطبة حجة الوداع الأفكار الرئيسية والدروس المستفادة


التعريف بخطبة حجة الوداع

الحجّ هو من أحد أركان الإسلام ودعائمه، ويتضمّن خطبةً جامعة تُقال عند الوقوف على عرفة وعند النّزول بمنى، وسنعرض في هذا المقال أهمّ ما جاء في خطبة حجّة الوداع، وأهمّ الأفكار الرّئيسية التي تضمّنتها، كما سنشير للدّروس والعبر التي استفادها المسلمون وتعلّموها من هذه الخطبة.



تعدّ خطبة الوداع من أهمّ الخطب التي خطبها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث جاءت بعد أن أتمّ الله -تعالى- هذا الدّين وأكمل نزوله، ولمّا اقترب أجل النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان لا بدّ من أن يحجّ حجّة الإسلام، وأن يجتمع بالمسلمين اجتماعاً أخيراً،[١] وقد ورد أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خطب في حجّته تلك خطبتان، وهي خطبة الوقوف على عرفة، والخطبة الثّانية هي ما سُمّيت بخطبة الوداع؛ لأنّ الصّحابة شعروا بخطابه نبرة الوداع، ولذلك سمّيت الحجّة بحجّة الوداع، فكلّ ما فيها كان يبعث رسالةً على أنّ هذه أيام النبيّ الأخيرة، وكان يودّعهم ويوصيهم.[٢]



وخطب فيهم خطبة تليق بهذا الجمع الغفير، فكانت تلك الخطبة خطبةً جامعةً، وضع فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أهمّ الدعائم التي يرتكز عليها الدّين، ولتكون مرجعاً للمسلمين كافّة إلى يوم القيامة، وشدّد فيها على جملة من الأحكام والحرمات التي يجب عليهم حفظها، كما رسمت تلك الخطبة هويّة واضحة لأمّة المسلمين تُميّزها عن باقي الأمم، فهي إذاً ليست مجرد كلمات قيلت في خطبة عابرة، إنّما هي كلمات تُؤصّل الشّريعة الإسلامية.[٣]



الأفكار الرئيسية في خطبة حجة الوداع

اشتملت خطبة حجّة الوداع على جملةٍ من الأحكام المهمّة، وشدّدت عليها، وفيما يأتي أهمّ الأفكار الرّئيسية التي جاءت فيها:



حرمة الدماء والأموال

شدّد رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- في خطبة حجّة الوداع على حرمة دماء المسلمين، وحرمة أموالهم، وحرمة أعراضهم، فقد جاء في نصّ خطبته: (فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا)،[٤] فيدلّ قوله على أنّ حرمة دم المسلم وحرمة ماله وعرضه كلّها حرمات متساوية، لا يحقّ لمسلم أن يستبيح مال أخيه المسلم دون أن تطيب بها نفسه، ولا يحقّ له أبداً دم أخيه المسلم دون وجه حقّ أيضاً،[٥] وقد ربط تلك الحرمة بحرمة يوم عرفة وشهر ذي الحجّة، وربطها أيضاً بقدسيّة هذا المكان؛ ليعي المسلم خطورة هذا الأمر فلا يستهينوا به.



الحفاظ على الأمانة

المرادبالحفاظ على الأمانة هنا هو التّمسك بكتاب الله -تعالى- وسنّة نبيّه، فقد أوصى -صلى الله عليه وسلم- أصحابه ومن بعدهم في هذه الخطبة أن يتمسكوا بكتابهم، وأن يلجأوا إليه لحلّ مشكلاتهم الدّينية والدّنيوية، فهو الشّفاء لهم، فقال لهم: (تركتُ فيكم شيئَينِ، لن تضِلّوا بعدهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي)،[٦] فيتّضح من كلام نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- أنّ القرآن الكريم والسّنّة النّبوية هما بمثابة الدّستور الدّائم لحياة المسلمين، ويصلح لهم في كلّ زمان ولكلّ مكان، حيث إنّ قوانين الدّنيا تتغيّر وتتبدّل، ولكنّ القوانين الرّبانية ثابتة، وعلى المسلمين التّشبث بها كما يتشبثّ الغريق بالحبل المتين، وهما أمانة عند المسلمين عليهم الذّود عنهما، وصونهما، والعمل بهما.[٧]



الوصية بالمرأة

كانت المرأة في الجاهلية في مكانة ممتهنة، ولم يكن لها شأن أو رأي، فجاء الإسلام وأعلى منزلتها ومكانتها، وأوصى الرّجال فيهنّ خيراً، وقد شدّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في خطبة حجّة الوداع على ضرورة احترام المرأة وعدم ظلمها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فاتَّقوا اللهَ في النِّساءِ فإنَّكم أخَذْتُموهنَّ بأمانِ اللهِ واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ)،[٨] فقد جعل رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بهذا الحديث المرأة أمانة في أعناق الرّجال.[٧] وحذّر النبيّ من ظلمهنّ، وأمر الرّجال أن يستوصوا بهنّ خيراً، وقول النبيّ استوصوا؛ يدلّ على الاستمرارية، فكانت وصيّته بالحرص على النساء وتقديم الخير لهنّ دائمة إلى قيام الساعة.



الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع

إنّ النّاظر في خطبة حجّة الوداع يرى أنّها كلّها عبر ودروس، فقد كانت بمثابة ملخص شامل عن كلّ أمور الدّين الإسلامي، وإنّ من أهمّ الدّروس المستفادة من خطبة حجّة الوداع ما سيأتي ذكره:[٩]

  • وجوب التّمسك بالقرآن الكريم، والتّأكيد على ضروة الاعتصام به إلى قيام السّاعة.
  • ضرورة التّبليغ عن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وأهمّية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بين المسلمين، فقد كان رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يقول بعد كلّ وصيّة: (فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ)،[١٠] إذ يجب على كلّ مسلم أن يبلّغ ما يعلم من الدّين.
  • ضرورة طاعة ولاة الأمور، وعدم عصيانهم والخروج عليهم ما داموا يحكمون بشرع الله -تعالى-، وما داموا يحرصون على مصلحة الأمّة الإسلامية.
  • إبطال عادات الجاهليّة كلّها وإلغاؤها، فقد أبطل النبيّ في هذه الخطبة عادة الرّبا، وعادة القتل وأخذ الثأر، كما أبطل عادة النّسيء التي كانت منتشرة في الجاهلية، وهو التّلاعب بالأشهر الحرم، كما أنّه بدأ بنفسه فأبطل ربا عمّه العبّاس، وأبطل دم ابن ربيعة؛ ليعطي المسلمون بذلك درساً، وهو أنّ الدّاعي لا بدّ له أن يمتثل الأمر بنفسه وأهل بيته ابتداءً، ولا يصحّ أن ينصح أو يقول بما لا يفعل.
  • التّأكيد على حرمة كلّ ما يبثّ الفتنة بين صفوف المسلمين، فقد أكّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في هذه الخطبة على ضرورة ترك الحقد والحسد والبغضاء بين المسلمين.
  • ضرورة استعداد المسلم للقاء الله -تعالى-؛ لأنّ العبد محاسب عن كلّ ما يصدر منه في الدّنيا من أقوال وأفعال، والاستعداد له يكون بالتّزوّد بالأعمال الصّالحة.
  • أساس التفاضل بين الناس هو التقوى، لا بالنّسب والقوّة.

المراجع

  1. أسامة سليمان، دروس الشيخ أسامة سليمان، صفحة 1. بتصرّف.
  2. محمد أبو زهرة (1425)، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 1080، جزء 3. بتصرّف.
  3. حسن الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 1. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6043، صحيح.
  5. محمد آل بورنو (2003)، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة 1)، بيروت:مؤسسة الرسالة، صفحة 111، جزء 3. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2937، صحيح.
  7. ^ أ ب حسن الأزهري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 8-9. بتصرّف.
  8. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3944، أخرجه في صحيحه.
  9. زيد العيدروس، الفرائد لما في خطبة الوداع من الفرائد، صفحة 31-35. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1741، صحيح.
5625 مشاهدة
للأعلى للسفل
×