مقدمة الخطبة
الحمد لله المعز المذلّ، الخافض الرافع، العدل الحكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أحكم بقبضته كل ملكوت، سبحانه له العزّة والجبروت، ومن جاراه في العزة والملك هزمه، ومن طلب الرفعة بغير هدى حرمه، ومن طلب الهداية هداه وألهمه، ومن طلب العلم علّمه، سبحانه ما أعظمه، جلّ وعزّ ما أحلمه. ثم الصلاة والسلام على عبده الذي أرسله بالحق والمرحمة، فأضاءت به الأرض وأشرقت به البلاد المظلمة، كرّمه الله وألهمه بالآيات المحكمة، وجعل النور في قلبه فهدى به القلوب الملهمة.[١]
الوصية بتقوى الله
معشر المسلمين، أوصيكم ونفسي المقصرّة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذّركم ونفسي عن مخالفة أمره، قال -سبحانه وتعالى- في كتابه: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ).[٢]
الخطبة الأولى
معشر المسلمين، طريق الله واحد لا تشعّب فيه، ولا منعطفات، مستقيم أبلج، أوضح من الشمس في رابعة النهار، وكم قدم قد زلّت وانزلقت فلم تكمل الطريق، وكم نفس مالت عن الطريق إلى ما تشتهي، أو توقّفت خوفا وجبناً فلم تكمل الطريق، والماضون على الطريق المستقيم هم الواصلون، وهم الناجون من عذاب وجحيم.[٣]
إخواني المسلمين، أتدرون ما هي العلمانية؟ هي دعوةٌ إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعني في جانبها السياسي الذات اللادينية في الحكم، وهى اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم والمذهب العلمي،[٤] ومهما تعدّدت تعريفات العلمانية، واخترعوا لها المصطلحات، فهي في النهاية قائمة على تنحية الدين، وعلى إقصاء التديّن من المجتمعات والمؤسّسات، وعلى جعل الناس خاوية قلوبهم من معرفة الله -سبحانه وتعالى-.
معشر الفضلاء، لا ننخدع بما يروجون له من أنهم يريدون حفظ التدين، فهم يكرهون التدين ويحاربونه، وما شعاراتهم وادعّاءاتهم إلا زيف وضلال، ويجب أن لا نغترّ باشتقاقهم اسم العلمانية من العلم، أين هم والعلم؟ أين هم والتعلم؟ وهل العلم يقتضي إقصاء الشريعة؟ وهل رأت البشرية السّعادة بغير الدين ووحي السّماء؟[٥]
إخواني المسلمين، كيف ظهرت العلمانية في بلاد الغرب؟ وكيف تسربت إلينا؟ وكيف انتشرت في بلادنا انتشار النار بالهشيم؟ إنّنا نعلم أن المحيط الذي نشأت فيه النسخة الأصلية من العلمانية في دول الغرب لها سياقاتها وملابساتها المختلفة عنها في الدول العربية والإسلامية، فقد ظهرت العلمانية في بلادٍ دينها محرف، وهو خليطٌ من القانون الوثني الروماني، ومن الفلسفة اليونانية العقلية، ومن تعاليم القساوسة، وقد وُلدت العلمانية من رحم المقولة المشهورة: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".
ومما ساعد على ظهور العلمانية في تلك الديار، جملة من الظروف، نذكر بعضها فيما يأتي:
الطغيان الكنيسي: وقد تمثّل هذا الطغيان برجال الكنيسة الذين جعلوا من أنفسهم أصحاب تفويضٍ إلهي، وادّعوا أنهم متّصلون مع الله مباشرة، وهذا ما يسمى بالثيوقراطية، فتألّهوا بفرضهم لصكوك الغفران، وبقلبٍ كالكحل سواداً وظلمة أنشأوا ما يسمّى بمحاكم التفتيش التي مارسوا فيها أبشع أنواع العذاب لمن خالفهم في المذهب من أبناء جلدتهم أو من أي دين آخر.
كما كان الطغيان السياسي من أبرز ما كان عليه البابوات؛ حيث تحكّموا بالملوك، ينصبون من يشاؤون ويعزلون من يشاؤون، وينشِئون الحرب متى أرادوا ويوقفونها متى أرادوا، بل وتعدى طغيانهم إلى الطغيان المادّي؛ حيث ملكوا الإقطاعات الشاسعة، والأموال الكثيرة من الضرائب التي كانوا يجنونها من الشعوب، مما أحدث فجوةً كبيرة بين رجال الدين والناس في تلك الدول.
الأمر الثاني هو صراع الكنيسة مع العلم: فلم تنسجم الكنيسة حينئذٍ مع العلم، فكانت تعتمد على نظريات مغلوطة قديمة يحاربون من حاول تغييرها؛ كنظرية أن الأرض هي مركز الكون، فسجنت من أجل هذه النظرية علماء، وحرقت آخرين، وأرهبت غيرهم، وحاربت نظرية نيوتن في الجاذبية بحجّة أن الأشياء لا تملك الإرادة بذاتها، وأن الإرادة لله -تعالى-.
معاشر المسلمين، إن العالم الإسلامي لا يحتاج إلى العلمانية، وذلك لعدة أسباب، منها:[٦]
- كمال الدين الإسلامي، لقول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[٧] فقد جاء الإسلام منظومة كاملة متكاملة في شتى مجالات الحياة.
- ومنها أن العلمانية لا تتفق مع الإسلام من قريب ولا من بعيد؛ للفروقات الشاسعة بينهما.
- ومنها أنّ العلمانية ولّدت الشقاء في كل بلد حلّت به، فزرعت الفوضى في الأخلاق، وهدمت الأسرة، ونشرت الطبقية، والفاحشة، وقلة المروءة، وجفاف الروح.
الخطبة الثانية
معشر المسلمين، لا يهدأ العلمانيون من تناول الدعّاة إلى الله والعلماء بالسبّ والشتم، والسخرية منهم، والدعوة إلى معاداتهم، والتنفير منهم، ولا يملّون من تركيزهم على قضايا المرأة المسلمة، وما يخصّها، ودعوتها إلى الخروج، والاندماج مع الرجال، والانخراط معهم، دون مراعاة للتعاليم الدينية، لتمرير مبادئ العلمانية من خلالها.
وممّا ينبغي علينا -معشر المسلمين- هو الحذر من هؤلاء والتحذير منهم؛ وذلك لخطورتهم؛ فهم يَتَسَمَّوْن بأسمائنا، ويتكلمون بلساننا، فالحذر الحذر -يا عباد الله-، فقد قال الله -تعالى-: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ)،[٨] وكما في حديث حذيفة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا).[٩][١٠]
الدعاء
- (اللهمَّ مَنْ أحييتَهُ مِنَّا فأحيهِ على الإيمانِ، ومَنْ توفيتَهُ منَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ).[١١]
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
- اللّهم أعزّ الإسلام والمسلمين، واهدِ شباب وبنات المسلمين إلى ما تحبّه وترضاه.
- اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وخذ بأيدينا إلى صراطك المستقيم.
- اللهم زِد في إيماننا، وبارك لنا في أعمارنا، وثبّتنا على دينك، واهدنا وانفع بنا.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ د سليمان العودة (1434)، شعاع من المحراب (الطبعة 2)، الرياض السعودية:دار المغني للنشر والتوزيع، صفحة 142، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:153
- ↑ اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (1423)، خطب مختارة (الطبعة 3)، السعودية:وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 98. بتصرّف.
- ↑ حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي (1422)، لعلمانية وموقف الإسلام منها (الطبعة 115)، صفحة 334. بتصرّف.
- ↑ غالب العواجي (1427)، المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها (الطبعة 1)، جدة:المكتبة العصرية الذهبية، صفحة 183. بتصرّف.
- ↑ د غالب بن علي عواجي (1427)، المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها (الطبعة 1)، جدة:المكتبة العصرية الذهبية، صفحة 198. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:3
- ↑ سورة القصص، آية:41
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:1847، صحيح.
- ↑ عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (9/8/2016)، "العلمانية وخطرها خطبة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن دقيق العيد، في الاقتراح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:97، صحيح.