محتويات
مُقِّدمة الخُطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له من دون الله ولياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا الله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيهُ من خلقه وحبيبه، أرسله -تعالى- هدىً ورحمةً للعالمين.
وصلوات ربي وسلامه عليك يا سيدي أبا القاسم، أشهد أنك قد بلَّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة؛ حتى تركتها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكبُها إلا ضال.
الوصية بتقوى الله
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسيَّ المُقصِّرة بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وأُحذر نفسي من معصيته، ومخالفة أمره ونهيه لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[١]
الخطبة الأولى
أيها الموِّحدون، الموت كأس لا بُدَّ من الشرب منه، والقبر منزلة لا بُدَّ من المكوث بعذابها أو نعيمها، والكيِّس الفطن فينا من اتعظ من غيره واستعد للقاء ربه؛ فمن أحب لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كرِه الله لقاءه.
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَن أحبَّ لقاءَ اللَّهِ، أحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، ومن كرِهَ لقاءَ اللَّهِ، كرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ كراهيةُ لقاءِ اللَّهِ في كراهيةِ لقاءِ الموتِ، فَكُلُّنا يَكْرَهُ الموتَ، قالَ: لا، إنَّما ذاكَ عندَ موتِهِ، إذا بُشِّرَ برحمةِ اللَّهِ ومغفرتِهِ، أحبَّ لقاءَ اللَّهِ، فأحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، وإذا بُشِّرَ بعذابِ اللَّهِ، كرِهَ لقاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ).[٢]
والمسلم يُحب لقاء الله ليس بمعنى أنه يُحب الموت وسكرته بحد ذاته، وإنما يعني استعدَّاد تمام الاستعداد للوقوف بين يدي ربه -تبارك وتعالى-؛ فإذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وهنا أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وأمَّا عن ذلك الذي كره لقاء الله؛ إنَّما كره اللقاء لسوء أعماله، وقبحها وشناعتها، فكره الله لقاءه.[٣]
عباد الله، إن الناس عند قدوم الموت نراهم قد انقسموا إلى قسمين: قسمٌ يسمع ويرى الموت من حوله ولا يُبالي؛ بل يُصرُّ على معاصيه ويبقى على حاله دون استعداد للقاء الله، فهذا الصنف يَبغضُ لقاء الله فالله يبغض لقاءه، وأمَّا القسم الثاني من يسمع ويرى الموت من حوله؛ فيتعظُ ممن حوله ويُقبل على الطاعات، ويجدُّ ويجتهد ويبتعدُ عما حرَّم الله، ويستعدُّ للقاء الله؛ فهذا الصنف يحبُّ لقاء الله والله يُحبُّ لقاءه.[٤]
إخواني، إن الفرح والفوز الأكبر، والنعيم الأعظم فرحٌ لا يفنى ونعيمٌ لا ينتهي؛ عندما يوفق العبد المسلم لنيل السعادة الأبدية في جنات النعيم، وهناك يفرح المؤمنون دون غيرهم، وتتلألأ وجهُهم نوراً قال -تعالى-: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾،[٥]﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾،[٦] ومن شدة الفرح تظهرُ وجوههم ضاحكةً مستبشرة، قال -تعالى-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾.[٧]
أيها المسلمون، والذي نفسي بيده ما بعد هذه الحياة إلا جنَّة أو نار، فتزودوا من ممركم لمقركم، واحرصوا على الدوام على الطاعات، وابتعدوا عما حرَّم الله من الشهوات، وعلى المسلم أن يكون في هذه الدُّنيا كأنه غريب أو عابر سبيل؛ فما الحياة الدُّنيا إلا متاعُ الغرور، وإن الآخرة لهي الحياة الباقية، نفعني الله وإياكم بما سمعنا، أقول ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم.[٨]
الخطبة الثانية
الحمد لله على كل حال، وأمام كُل مقال، والصلاة والسلام على من كان لهذه الأمة خير منال، وعلى آله وصحبه أجمعين، اعلموا أيها الناس أن الموت قريب وآت، وهادم اللذات موجود في كلِّ الأوقات فكونوا على أهبة الاستعداد للقاء الله -تعالى- في كل الأوقات، حتى تحبوا لقاءه، ويحب المولى بذلك لقائكم.[٤]
وحريٌ بالعبد المؤمن أن يكون دائم الحرص على الطاعة وفعل الخير، فتراه كاظم لغيظه مقبلاً على ربه، جاعل الدنيا آخر همه، متواضع لإخوانه، يَمدُّ يد العون لكل محتاج، دائم الحمد والشكر لله على ما يصيبه، باراً بوالديه، قواماً باليل صواماً بالنهار، فهذه والله صفات من أحب لقاء الله.[٨]
واعلموا عباد الله أيضاً أنكم لدنياكم هذه مغادرون، ومن ثم في قبوركم نازلون، وعن أعمالكم محاسبون، وعند ربكم في يوم الأشهاد ستقفون وتُعرضون، فأعدِّوا لما بعد الموت، فالفطن من اتعظ، والجاهل من تولَّى وأعرض.[٤]
الدُّعاء
- اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا، وأدخلنا جناتك بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم اجعلنا ممن أحب لقاءك، وأعدّ لذلك.
- اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها.
- اللهم باعد بيننا وبين معصيتك، كما باعدت بين المشرق والمغرب.
- اللهم حبب الإيمان في صدورنا، واجعلنا من عبادك المخبتين.
- اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، فأنت الغنيُّ ونحن الفقراء إليك.
- اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها.
- اللهم اجعلنا ممن تحبُ لقاءهم، ولا تجعلنا ممن تبغض لقاءهم يا أكرم الأكرمين.
- اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
- اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:1
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3458 ، صحيح.
- ↑ الخطابي، كتاب أعلام الحديث شرح صحيح البخاري، صفحة 2262. بتصرّف.
- ^ أ ب ت خالد الكناني (13/11/2016)، "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة المطففين، آية:24
- ↑ سورة القيامة، آية:23
- ↑ سورة عبس، آية:39
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (28/7/2014)، "أحوال الناس مع ذكر الموت"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2022. بتصرّف.