خطبة عرفة وقتها ومكانها وما يشرع للإمام ذكره بها

كتابة:
خطبة عرفة وقتها ومكانها وما يشرع للإمام ذكره بها

خطبة عرفة: وقتها ومكانها وما يشرع للإمام ذكره بها

يعدُّ يوم عرفة من أفضل أيَّام العام عند المسلمين، إذ إنَّه أحد أيام العشر من ذي الحجَّة، ويُؤدَّى فيه الرُّكن الأعظم من أركان الحجِّ؛ وهو الوقوف بعرفة، وفي هذا المقال بيانٌ لوقت خطبة عرفة، ومكان خطبة عرفة، وما يشرع للإمام ذكره في خطبة عرفة، وحكم خطبة عرفة وما إذا كانت خطبتان أو خطبة واحدة؟

وقت خطبة عرفة

اتَّفق جمهور العلماء على أنَّه يسنُّ للإمام أن يبدأ بخطبة عرفة بعد زوال الشَّمس وقبل تأدية صلاة الظُّهر والعصر جمع تقديمٍ،[١][٢] بحيث يبدأ خطبته بعد انتهاء أذان المؤذِّن كما في خطبة الجمعة،[٣] ويعمد الإمام إلى افتتاح خطبته بالتَّلبية حال كونه محرِماً، فإن لم يكن كذلك افتتحها بالتَّكبير.[٤]

مكان خطبة عرفة

اتَّفق جمهور العلماء على أنَّ المكان الذي يُلقي فيه الإمام خطبة عرفة هو جبل عرفات،[٥][٦] وهو الجبل الواقع شرق مكَّة الذي به يقف الحجَّاج تحقيقاً للرُّكن الأعظم للحجِّ، حيث قال الله -تعالى-: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)،[٧] وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد وقف عليه عندما خطب خطبة الوداع، وتجدر الإشارة إلى ثلاثة أمور كما يأتي:

  • هناك بعض المواقع التي يعتقد بعض الحجاج أنَّها من جبل عرفات وهي ليست كذلك، وهي: وادي عرنة، ووادي نمرة.[٨][٩]
  • ركن الحجِّ الأعظم وهو الوقوف بعرفة يتحققَّ بأيِّ موضعٍ من داخل حدود عرفة، فلا يُشترط موضعٍ دون آخر، وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ).[١٠][١١]
  • المقصود بالوقوف بعرفة هو التَّواجد والمكث فيه وِفق أيّ هيئةٍ يريدها الحاجّ من جلوسٍ أو وقوفٍ أو مشيٍ أو ركوبٍ ونحو ذلك.[١١]

ما يشرع للإمام ذكره في خطبة عرفة

يُسنّ للإمام في خطبة عرفة الحديث عن توحيد الله -تعالى- وتقواه، وكيفية تحقيق الإخلاص في سائر الأعمال والأقوال، وحثُّ الحجَّاج وتوصيتهم بتعاهد كتاب الله -تعالى- والتَّمسُّك به، واتِّباع سنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والسير على نهجه.[١٢]

باإضافة إلى الوصيّة بالحُكم في شتَّى مناحي الحياة بالقرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة والتَّحاكم إليهما،[١٢] كما ويجدر بالإمام إحاطة الحجَّاج علماً بما يشرع لهم في يوم عرفة، واليوم التَّالي له وهو يوم النَّحر؛ يوم عيد الأضحى المبارك.[٣][١٣]

حكم خطبة عرفة

تعدُّ خطبة عرفة من الخطب المسنونة،[١٣][١٤] حيث يَعمَد الإمام إلى افتتاحها بحمد الله -تعالى- والثَّناء عليه، ثمَّ التَّكبير والتَّهليل، فإن كان محرِماً افتتحها بالتَّلبية، ثمَّ بعد ذلك يأمر الحجَّاج بالمعروف ويحثُّهم على كلِّ ما فيه خيرٌ وصلاحٌ لهم ويدعوهم إليه.[١٥]

كما وينهاهم عن المنكر ويدعوهم لاجتناب محارم الله -تعالى- وكلِّ ما يَجلب غضبه وسخطه من المعاصي والآثام، ثمَّ ينتقل للحديث عن مناسك الحجِّ؛ من وقوفٍ بعرفة، وإفاضة منها، والوقوف بمزدلفة.[١٥]

هل خطبة عرفة خطبتان أو خطبة واحدة؟

اتَّفق جمهور العلماء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة على أنّ خطبة عرفة هي خطبتان، يَفصل الإمام بينهما بجلسةٍ خفيفةٍ، وقد استدلُّوا على ذلك بقياس خطبة عرفة على خطبة الجمعة، ويجدر بالذكر أنَّ الإمام يبدأ خطبته بعد انتهاء الأذان، إلَّا أنَّه يجوز للمؤذِّن أن يشرع في الأذان بعد أن يجلس الإمام مُنهياً الخطبة الأولى من خطبة عرفة.[١٥][١٦]

وقد خالف الحنابلة ما ذهب إليه جمهور العلماء، حيث قالوا بأنَّ خطبة عرفة هي خطبةٌ واحدةٌ، وكان ممَّن اختار هذا القول الإمام ابن القيِّم والشَّيخ ابن عثيمين -رحمهما الله-، وقد استدلُّوا على ذلك بما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال:

(أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقُبَّةٍ مِن شَعرٍ، فضُرِبتْ له بنَمِرَةَ، فسار رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا تشُكُّ قريشٌ إلَّا أنَّه واقفٌ عندَ المشعَرِ الحرامِ كما كانت قريشٌ تصنَعُ في الجاهليَّةِ، فأجاز رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أتى عَرَفةَ، فوجَد القُبَّةَ قد ضُرِبتْ له بنَمِرَةَ فنزَل بها حتَّى إذا زاغتِ الشَّمسُ، أمَر بالقصواءِ فرُحِلتْ له، فأتى بطنَ الوادي فخطَب النَّاسَ ثمَّ قال: إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم ….).[١٧][١٦]

خطبة حجة الوداع

كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد حجَّ في السَّنة العاشرة من الهجرة بعد أن فرض الله -تعالى- الحجَّ في أواخر السَّنة التَّاسعة من الهجرة، وكانت حجَّته تلك هي الحجَّة الوحيدة له -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فسمِّيَت بحجَّة الوداع.[١٨][١٩]

وقد احتوى نص خطبة حجة الوداع على العديد من الوصايا والنَّصائح النَّبويَّة، ومنها ما يأتي:[٢٠]

  • الاعتصام والتّمسُّك بالقرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة

وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به، كِتَابُ اللهِ)،[١٧] حيث إنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة سببان في حماية الأُمَّة الإسلاميَّة من الضَّلال والانحراف.

  • العدل

وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا)،[٢١] حيث دَعا -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مجانبة الظُّلم بمختلف صوره، والابتعاد عن سفك الدِّماء، ونهب أموال وممتلكات الغير وعدم التَّساهل في ذلك.

  • الوصية بالنِّساء

وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ)،[١٧] حيث حثَّ النبي على مراعاة النِّساء وتقوى الله فيهنَّ وتلبية احتياجاتهنَّ من مَطعَمٍ، ومشربٍ، وكسوةٍ، ومعاملتهنَّ بالمعروف والحسنى.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 234. بتصرّف.
  2. الجويني (1428)، نهاية المطلب في دراية المذهب (الطبعة 1)، جدة:دار المنهاج، صفحة 310، جزء 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب الجصاص (1431)، شرح مختصر الطحاوي (الطبعة 1)، بيروت:دار البشائر الاسلامية، صفحة 584، جزء 2. بتصرّف.
  4. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (1433)، الفقه الميسر (الطبعة 2)، الرياض:دار مدار الوطن، صفحة 90، جزء 4. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة 4)، دمشق:دار الفكر، صفحة 2274، جزء 3. بتصرّف.
  6. سعيد حوّى (1414)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة 1)، بيروت:دار السلام، صفحة 3125، جزء 7. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:198
  8. أحمد عمر (1429)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة 1)، السعودية:دار عالم الكتب، صفحة 1486، جزء 2. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر:دار الصفوة، صفحة 60، جزء 30. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:1218 ، صحيح.
  11. ^ أ ب "الوقوف بعرفة"، المجلة الاردنية في الدراسات الاسلامية، 1439-2018، العدد 3، المجلد 14، صفحة 57. بتصرّف.
  12. ^ أ ب سعيد القحطاني، العمرة والحج والزيارة في ضوء الكتاب والسنة، الرياض:مطبعة سفير، صفحة 78. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ابن الفراء (1431)، التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف علي مذهب أحمد (الطبعة 1)، دمشق:دار النوادر، صفحة 143، جزء 2. بتصرّف.
  14. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دار السلاسل، صفحة 65، جزء 17. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة 4)، دمشق:دار الفكر، صفحة 2147، جزء 3. بتصرّف.
  16. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 234-235. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1457 ، أخرجه في صحيحه.
  18. "حجة الوداع"، اسلام و يب، 21-12-2005، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2021. بتصرّف.
  19. محمد ويلالي (24-1-2010)، "خطبة حجة الوداع"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2021. بتصرّف.
  20. راغب السرجاني (17-4-2010)، "وصايا النبي في حجة الوداع"، قصة الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2021. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:105، صحيح.
5092 مشاهدة
للأعلى للسفل
×