خطبة عن الحجاب الشرعي

كتابة:
خطبة عن الحجاب الشرعي

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أمر بالعفاف والستر، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأُصلّي وأسلّم على أشرف الخلق سيدنا وقائدنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله، فاللهم صل وسلم وأنعم على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[١]

الوصية بتقوى الله

أما بعد، يا معاشر الموحدين، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل جلاله-، وأحذركم ونفسي المقصّرة من عصيانه ومخالفة أمره، القائل -سبحانه- في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه).[٢]

الخطبة الأولى

عباد الله، نحمد الله -تعالى- على ما نراه في بلادنا من تمسّك الكثير من بناتنا وأخواتنا الفضليات بحجابهنّ الشرعي، امتثالاً لأمر الخالق -جلّ وعلا- الذي صان المرأة وكرّمها أمّاً وبنتاً وأختاً وزوجةً، وإنّا لنسأل الله لهنّ الثبات، ولجميع أخواتنا بالهداية والرّشاد.

يقول ربنا في كتابه العزيز: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)،[٣] ولا أحد أعلم بمصالح الإنسان أكثر من الذي خلقه من العدم، ربنا -جل وعلا- الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

الله -سبحانه- الذي يعلم السر وأخفى، حينما يأمرنا بأمر فعلينا أن نتيقّن أنه يصبّ في مصلحتنا أو يدفع مفسدة عنا، واعلموا أن الله قد أمر النساء بالسّتر وأمر الرجال بغض البصر، فهذه هي الطريقة الأفضل لحماية المجتمعات ووقايتها من الآفات.

معشر المسلمين، اعلموا أن فرضية الحجاب حكم ثابت بشكل قطعي ولا خلاف فيه بين أهل العلم، أما الأدلة من القرآن الكريم فهي:

  • يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ).[٤]
  • يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العزيز: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[٥]

ويقول ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير الآية الكريمة: "الزِّينَةُ الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلاءِ مِنَ النَّاسِ مِنْ قُرْطِهَا وَقِلادَتِهَا وَسِوَارَيْهَا، فَأَمَّا خَلاخِلُهَا وَمِعْضَدَتُهَا وَنَحْرُهَا وَشَعْرُهَا فَإِنَّهَا لَا تُبْدِيهِ إِلا لِزَوْجِهَا".[٦]

  • يقول -تبارك وتعالى- أيضاً: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[٧]

والقواعد يُقصد بها المرأة التي كبرت في السن ولم تعد تشهد الحيض وقد يئست من الحمل.[٨]

وأما الأدلة من السنة المطهرة فمنها: (أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كُنَّ يَخْرُجْنَ باللَّيْلِ إذَا تَبَرَّزْنَ إلى المَنَاصِعِ وهو صَعِيدٌ أفْيَحُ فَكانَ عُمَرُ يقولُ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: ألَا قدْ عَرَفْنَاكِ يا سَوْدَةُ، حِرْصًا علَى أنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ).[٩]

وأما دليل الاجماع -إخواني الكِرام- فقد أجمع علماء الأمة على وجوب تغطية شعر وبدن المرأة، أمّا تغطية الوجه والكفّين فهو مما تعدّدت به الآراء،[١٠] وقد جرى إلاجماع العملي على عدم خروج النساء أمام الرجال إلا متحجبات،[١١] وبعد أن سردنا هذه الأدلة القاطعة على فرضية الحجاب لم يبقَ أي مجال للشك في فرضيّته.

ويقول الله -تعالى- في محكم كتابه: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)،[١٢] فحينما أكل سيدنا آدم عليه السلام من الشجرة التي حرمها الله عليه هو وزوجته ناسياً لا قاصداً انكشفت سوآتهما.

وذلك يُبيّن لنا أن اللباس والستر نعمة من الله -تبارك وتعالى-، قال الإمام الطبري في تفسير قوله -تعالى- (بدت لهما سوآتهما): أي "انْكَشَفَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْرَاهُمَا مِنَ الْكِسْوَةِ الَّتِي كَانَ كَسَاهُمَا قَبْلَ الذَّنْبِ وَالْخَطِيئَةِ، فَسَلَبَهُمَا ذَلِكَ بِالْخَطِيئَةِ الَّتِي أَخْطَآ، أَوِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي رَكِبَا".[١٣]

عباد الله، كما أمرنا الله بالستر والعفاف فقد أمرنا أيضاً بلبس الملابس الجميلة التي تَسر عين من ينظر إلينا، وقد قال حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ)،[١٤] وقال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)،[١٥] وللمرأة أن تلبس ما تشاء إذا توفر في لباسها الشروط الشرعية، ألا وهي:[١٦][١٧]

  • أن يكون ساتراً لبدنها، ولا يكون زينة في نفسه، قال الله -تعالى-: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).[١٨]
  • أن لا يشفّ عن شيءٍ من بدنها، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (صِنْفَانِ من أهلِ النارِ لمْ أَرَهُما بَعْدُ: قومٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ الناسَ بِها، ونِساءٌ كَاسِياتٌ عَارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلَنَّ الجنةَ، ولا يَجِدَنَّ رِيحَها، وإِنَّ رِيحَها لَيوجَدُ من مَسِيرَةِ كذا وكذا).[١٩]
  • أن يكون فضفاضاً غير ضيق، فكل لباس يظهر تفاصيل بدن المرأة هو غير جائز بلا خلاف بين أهل العلم.
  • ألا تخرج من بيتها متعطرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تعطَّرتِ المرأةُ، فمرَّت على القَومِ ليجِدوا ريحَها، فَهيَ كذا وَكَذا، قالَ قولًا شديدًا).[٢٠]
  •  ألا يشبه لباس الرجال، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس منَّا من تشبَّه بالرِّجالِ من النِّساءِ ولا من تشبَّه بالنِّساءِ من الرِّجالِ).[٢١]
  • ألا يكون الغرض من اللباس الاشتهار بين الناس، فقد قال أهل العلم: "وَيُكْرَهُ لُبْسُ زِيٍّ مُزْرٍ بِهِ لأَِنَّهُ مِنَ الشُّهْرَةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الاِخْتِيَال أَوْ إِظْهَارَ التَّوَاضُعِ حَرُمَ لأَِنَّهُ رِيَاءٌ".

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي شرع لنا من الدين ما يَقِينا من مصائب الدنيا، وأصلي وأُسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد، معاشر الموحدين عباد الله، اعلموا أن الله يأمرنا بما هو خير لنا، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، ولا يأمر بالكبت والانغلاق، ولا يسمح بالفواحش والفتن.

واعلموا أنّ نساءنا مأجوراتٍ بفعلهنّ ذلك، فقد امتثلن أمر الله -عز وجل- وأمر رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، واقتدين بأمّهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ-، أضف الى ذلك تلك اللذة الروحانية التي يشعر بها كل من التزم أمر ربه رجالاً ونساءً، قال الله -تعالى-: (ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ‌ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).[٢٢][٢٣]

وحجاب المرأة كما سمعنا في الآيات الكريمة له العديد من الفضائل والثمرات العائدة على المرأة بجزيل الثواب من الله -سبحانه-، وهو مدعاة لطهارة القلوب، وتحصين للمرأة ووقايتها من أصحاب القلوب المريضة، وفيه تعظيم لحرمات الله -تعالى-، وبثّ للأخلاق الكريمة في المجتمع من العفّة، والحياء، والاحتشام.

الدعاء

  • (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[٢٤] فاللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
  • اللهم زيّن بناتنا ونساءنا بالحجاب والستر الذي يرضيك عنا.
  • اللهم يا ستير استر عيوبنا وأبداننا.
  • اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
  • اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل شر يا رب العالمين.

عباد الله، (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٥] وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. سلطان بن عبد الله العمري (23-4-2015)، "خطبة عن الحجاب الشرعي"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 17/7/2021. بتصرّف.
  2. سورة النساء، آية:131
  3. سورة الأعراف، آية:26
  4. سورة الأحزاب، آية:59
  5. سورة النور، آية:31
  6. الرازي، تفسير ابن أبي حاتم محققا، صفحة 2576.
  7. سورة النور، آية:60
  8. "آيات وأحاديث في الحجاب"، الاسلام سؤال و جواب، 14-3-2004، اطّلع عليه بتاريخ 17/7/2021. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ام المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:146.
  10. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 702. بتصرّف.
  11. بكر ابو زيد، حراس الفضيلة، صفحة 30. بتصرّف.
  12. سورة الاعراف، آية:22
  13. تفسير الطبري، الطبري، صفحة 110.
  14. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن مسعود وعبدالله بن سلام، الصفحة أو الرقم:7674 .
  15. سورة الاعراف، آية:31
  16. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 137.
  17. "الشروط الواجب توفرها في لباس المرأة"، اسلام ويب، 24-1-2001، اطّلع عليه بتاريخ 17/7/2021. بتصرّف.
  18. سورة النور، آية:31
  19. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2128، صحيح.
  20. رواه ابن دقيق العيد، في الاقتراح، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:126.
  21. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:142.
  22. سورة الاحزاب، آية:53
  23. محمد بن إبراهيم السبر (5-10-2018)، "خطبة فضائل الحجاب"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/7/2021. بتصرّف.
  24. سورة الاحزاب، آية:56
  25. سورة النحل، آية:90
4457 مشاهدة
للأعلى للسفل
×