خطبة عن الحياء مكتوبة

كتابة:
خطبة عن الحياء مكتوبة

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، منَّ علينا بالفضل والإحسان، وجعل الحياء شعبةً من شُعب الإيمان، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله وخليله وصفيه من خلقه -صلّى الله عليه وسلّم- وبارك تسليمًا كثيرًا.[١]



الوصية بتقوى الله

أيُّها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فاتقوا الله حق تقواه فقد عزّ القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).[٢][٣]



الخطبة الأولى

أما بعد: فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيُّها المسلمون، إنّ الدين الإسلاميّ الحنيف جاء داعيًا ومتممًا لمكارم الأخلاق، فالمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا)،[٤] فالإيمان والخلق الحسن أمران متلازمان؛ إذ إنَّ الأخلاق الحميدة مكمّلة ومعظمة للإيمان، والخلق الحسن يتقّل الميزان، ويرفع العبد المؤمن إلى درجات الكمال، ومن الأخلاق الإسلامية التي دعا إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وجعلها مقرونة بإيمان العبد خلق الحياء.[١]



فالحياء أيها الأفاضل خلقٌ فضيل؛ وهو يكون عند الإنسان بقدر الإيمان في قلبه، فإذا رُفع عن أحد الحياء نقص ذلك من إيمانه، وينقص من إيمانه بمقدار الحياء الذي يُرفع عنه؛ فقد روى ابن عمر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: (إنَّ الحياءَ والإيمانَ قُرِنَا جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخرُ)،[٥] وللحياء درجة تميزه عن بقية الأخلاق الحسنة، كما أنَّ الحياء خُلق الإسلام، فكيف لا يكون ذو فضل عظيم، ودرجة محمودة بعد كل ذلك.[١]



وقال ابن القيم -رحمه الله- مبينًا فضل الحياء وأهميته: "الحياء أصلٌ لكل خير، وهو أفضل وأَجَلّ الأخلاق، وأعظمها قَدْرًا، وأكثرها نفعًا، ولولا هذا الخلق لم يُوفَ بالوعد، ولم تُؤَدَّ الأمانةُ، ولم تُقْضَ لأحد حاجة، ولا تحرَّى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا سُتِرَ له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤدِّ شيئاً من الأمور المفتَرَضة عليه، ولم يَرْعَ لمخلوق حقًّا، ولم يَصِلْ له رَحِمًا، ولا بر له والدًا".[١]



ويُعرّف الحياء على أنّه شعور يتولد في النفس يمنعها من الوقوع فيما لا يليق بها، وهو من الأخلاق التي أولاها الدين الإسلاميّ أهمية كبيرة، واعلموا إخوتي الكرام أن الحياء المحمود فيه اعتدال؛ فلا يكون كثيرًا في النفس لدرجة تجعل الإنسان يترك الأمور التي لا بأس بها؛ بل يكون في منع النفس من ارتكاب ما لا يليق بها وحسب، وبحسب المسلم أن يعلم أن الحياء ميزان لعفة النفس وعفافها ورشدها؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ).[٦][٧]



أيّها الناس، إنّ للحياء فضلٌ عظيم، وقد جاء فضله في العديد في أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها : (الحَياءُ لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ، فقالَ بُشيرُ بنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ في الحِكْمَةِ: إنَّ مِنَ الحَياءِ وَقارًا، وإنَّ مِنَ الحَياءِ سَكِينَةً، فقالَ له عِمْرانُ: أُحَدِّثُكَ عن رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وتُحَدِّثُنِي عن صَحِيفَتِك)،[٨] وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحياءُ من الإيمانِ، والإيمانُ في الجنةِ، والبَذاءُ من الجفاءِ، والجفاءُ في النارِ"،[٩] وقال: "سَمِعَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- رَجُلًا يَعِظُ أخاهُ في الحَياءِ، فقالَ: الحَياءُ مِنَ الإيمانِ).[١٠][١١]



ومن السلف الصالح من أدرك أهمية الحياء؛ فقال ابن الأثير -رحمه الله-: "جُعل الحياء -وهو غريزة- من الإيمان، وهو اكتساب؛ لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم تكن له تقية- أي مانع-، فصار كالإيمان الذي يقطع بين العاصي والمعصية، وإنما جُعل الحياء بعض الإيمان لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله، وانتهاء عما نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعضَ الإيمان".[١٢]



عباد الله، إنّ للحياء قيمة كبيرة وقدر عظيم؛ وهو بمثابة رقابة ذاتية توجد في داخل الإنسان وتتحكم في سلوكياته، وتحثه على كل فعلٍ حسن، وتبعده عن كل فعل قبيح، والحياء شعار الإسلام، وسمة لباقي الأديان، وعلامةٌ للإيمان، ونورٌ يُزين وجوه من هداهم الرحمن، وهو شعبة من الإيمان، وطريق لنيل الجنان.[١٣]



أيّها المسلمون، إنّ للحياء نوعان؛ حياء محمود وهو ما حثّت الشريعة الإسلاميّة عليه، وحياء مذموم، ومن صور الحياء المحمود:[١٤]

  • الحياء من الله -تعالى-: ويكون ذلك باستشعار مراقبة الله لك في حياتك كلها، فما أجمل أن يمتنع العبد عن الوقوع في المعصية حياءً من الله وخشيةً منه، ويكون الحياء من الله بعدم ترك الواجبات التي أمر بها، وعدم فعل المنكرات التي نهى عنها.
  • الحياء من الملائكة: ويكون الحياء من الملائكة باستشعار وجودهم ومرافقتهم لنا في كل وقت، فيكون المسلم عالمًا بأنّ الملائكة لا تفارقه إلا في الأماكن التي لا تدخلها.
  • الحياء من الناس: ويكون الحياء من الناس بعدم إيذائهم أو إلحاق الضرر بهم، لا بقول ولا بفعل، ولا يتعمد المرء مراقبتهم أو الاطلاع على خصوصياتهم وعوراتِهم، ولا شك أن هذا النوع من الحياء دليل على مروءة المسلم.
  • الحياء من النفس: وهذا لا يظهر إلا في خلوة الإنسان، فيظهر إذا كان الإنسان وحيدًا، لا رقيب عليه إلا نفسه، فيستحي من أن يخذلها بفعل ذنب أو معصية، وهذا الحياء هو جوهر حياء الإنسان من الله تعالى.
  • الحياء من الوالدين: ويكون ذلك بالإحسان إليهما، وطاعتهما بالمعروف، وبحفظ الجميل الذي يسديه الوالدين لأبنائهم.
  • الحياء من الضيف: وذلك بإكرامه، وحُسن ضيافته، ولقائه اللقاء الطيب.



كما أبُّين لكم أيها الكرام بعضاً من صور الحياء المذموم:

  • الحياء في طلب العلم: إذ يكون عندها الحياء حائلًا بين فهم المرء لتعاليم الإسلام وسؤاله عنها، ومن المعلوم أنه يجب على المسلم تعلم أمور دينه من غير حرج، فطلب العلم، والحرص على فهم التعاليم الإسلاميّة، فهي سبيلٌ في الدعوة إلى دين الله -تعالى-، وقد ورد أن أبا موسى الأشعري -رضى الله عنه- قال لعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (إنِّي أُرِيدُ أنْ أسْأَلَكِ عن شيءٍ وإنِّي أسْتَحْيِيكِ، فقالَتْ: لا تَسْتَحْيِي أنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سائِلًا عنْه أُمَّكَ الَّتي ولَدَتْكَ، فإنَّما أنا أُمُّكَ، قُلتُ: فَما يُوجِبُ الغُسْلَ؟ قالَتْ علَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ، قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ ومَسَّ الخِتانُ الخِتانَ فقَدْ وجَبَ الغُسْلُ).[١٥][١٤]


  • الحياء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فلا يجب أن يكون الحياء عند المسلم سبب في عدم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب خيرية الأمة، وكان حبيب الله -صلّى الله عليه وسلّم- أشد الناس حياءً ومع ذلك لم يترك الأمر بالمعروف يومًا، ولم يخشَ من النهي عن المنكر، ولم يقبل الشفاعة في حدود الله،[١٦] ولم يمنعه الحياء من رفض طلب أسامة بن زيد عندما طلب منه الشفاعة في حدود الله بل وقال له -صلّى الله عليه وسلّم-: (أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).[١٧][١٦]


  • الحياء بفعل أمور نهى عنها الشارع، أو بترك أمورٍ رغب بها: كمن يترك صلاته المفروضة بسبب ضيوف أتوه في وقت الصلاة، أو من يترك حقًا من حقوقه حياءً من الناس.[١٦]


لذا فلنحرص أيّها الأفاضل على التّمثل بالحياء المحمود ما استطعنا، ولنترك كل صور الحياء المذموم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه غفور رحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتَّقين، ولا عدوان إلَّا على الظَّالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



عباد الله، إنّ الحياء خلق رفيع، وهو منهج سوي وينبغي على المسلم أن يعلم كيف يوظفه في حياته، فلا يكون حياؤه ضعفًا وقلة إيمان، ولا يترك بسببه المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنَّه لا يخالف شرع الله بهذه الحجة، بل يجب فهم الحياء بمعناه الصحيح، وتطبيق جكيع صوره المحمودة.[١٨]



أيها الموحدون، من الحياء ألا يرتدي المسلم لباسًا لا يناسبه؛ إذ يجدر بالمسلم انتقاء الملابس التي يصلح أن يقابل بها الناس، ومن الحياء أيضًا توقير الكبار واحترامهم، ومراعاة الأطفال، والحرص على عدم مزاحمة الإناث في الأماكن العامة، فالحياء خلق عظيم يجب أن يظهر في حياة المسلم كلها، وأن يُنشى المسلم أبناءه ويُربيهم عليه، وألا يتركه في أمره كلّه.[١٨]



الدعاء

  • اللهم إنّا نسألك الخير في أمرنا كله، اللهم ارزقنا خُلق الحياء، وباعد بيننا وبين الحرام.
  • اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
  • اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
  • اللهم انصر المسلمين في كل مكان، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل الإسلام والمسلمين.
  • اللهم إن اليهود قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فعاجلهم بنقمة من عندك، وأنزل عليهم سخطك وعذابك الذي لا يرد عن القوم الكافرين، إنّك ولي ذلك والقادر عليه، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا.



عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "خلق الحياء"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2021. بتصرّف.
  2. سورة آل عمران، آية:102
  3. "الحياء"، محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2021. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1162، حديث حسن صحيح.
  5. رواه الألباني، في الإيمان لابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير، الصفحة أو الرقم:21، إسناده صحيح موقوفا.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3484، حديث صحيح.
  7. محمد الخضر حسين، موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، صفحة 166. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم: 6117، حديث صحيح.
  9. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2009، حديث حسن صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:36، حديث صحيح.
  11. المتقي الهندي، كنز العمال، صفحة 120. بتصرّف.
  12. سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 255. بتصرّف.
  13. سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 225. بتصرّف.
  14. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 219. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 349، حديث صحيح.
  16. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 220. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3475، حديث صحيح.
  18. ^ أ ب "خطبة عن الحياء"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2021. بتصرّف.
4992 مشاهدة
للأعلى للسفل
×