خطبة عن المخدرات وأثرها على الفرد والمجتمع

كتابة:
خطبة عن المخدرات وأثرها على الفرد والمجتمع


مقدمة الخطبة

الحمد لله -تعالى- الذي كرّم الإنسان وميّزه بالعقل، الحمد لله الذّي أوجب على المسلم السّعي والعمل، الحمد لله الذي شرّف عباده بالطاعة، والحمد لله الذي كلّف الإنسان بحمل الأمانة التي عجزت عن حملها الجبال، فحملها الإنسان، الحمد لله الذّي ميّز الإنسان عن سائر الحيوان، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)،[١] نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وعلى آله وأصحابه والتّابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.[٢]



الوصية بتقوى الله

أيّها المسلمون، عليكم بتقوى الله في السّر والعلن، وطاعته في المَنشط والمَكره، فإنّ تقوى الله -تعالى- رأس الأمر كلّه، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،[٣] وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[٤][٥]



الخطبة الأولى

عباد الله، العقل جوهرة من أغلى الدّرر، والإدراك والوعي ممّا يتميّز به البشر، وإنّ العقلاء هم من يدركون قيمة هذه الجوهرة ويأخذون بالعبر، فيستعملون عقولهم، ويرون بأبصارهم. عباد الله، هل للمرء فينا قيمة إن فقد عقله وإدراكه؟! أتظنّون أنّ عاقلاً أتمّ الله -تعالى- عليه عقله ولكنّه يسعى لإذهابه؟! إنّهم من يشربون المخدرات والمسكرات، فإنّه ممّا لا يخفى على أحد منّا أنّها مُذهبة للعقل، مُغيّبة للوعي.[٢]



عباد الله إنّ هذه الظّاهرة كانت منذ الجاهلية، فقد كان المشركين بشربها يتباهون، وعندما تزول بها عقولهم يتسامرون، لكنّ الإسلام عندما جاء أدرك أنّ لا قيمة لأحد دون عقله، فحرّم كل ما يُذهب العقل، وقد أبطل عادات الجاهلية كلّها.[٢] أيّها المسلمون، إنّ العقلاء يعلمون علماً يقيناً أنّها لا تُلائم سجيّة البشر، يقول بعض شعراء الجاهلية في ذمّ الخمر والمسكر:[٦]

رأيت الخمر صالحةً وفيها *** خصال تفسد الرجل الحليما

فلا والله أشربها صحيحاً *** ولا أشفي بها أبداً سقيما

ولا أعطي بها ثمناً حياتي *** ولا أدعو لها أبداً نديما

فإن الخمر تفضح شاربها *** وتجنيهم من الأمر العظيما



عباد الله، إنّه لمن المؤسف أن نسمع أنّ المخدّرات والمسكرات قد تعدّدت أشكالها، وكثرت بين شباب المسلمين، وإنّه لمن المؤسف حقّاً أن نسمع أنّ منهم من لا يعرف حرمتها وخطورتها، فوالله إنّها لجريمة كبرى، ووالله إنّها لمصيبة عُظمى، فهي محرّمة تحريماً قاطعا، فإن كان الخمر قد تعاضدت نصوص الشّريعة على حرمته، فما بالكم بالمخدّرات التي هي أشدّ فتكاً وأعظم ضرراً، فهي مسكرة ومذهبة للعقل مهما كان نوعها، ومهما تغيّر مسمّاها ومن أي كان مصدرها فهي حرام.[٧]



صحّ عن نبّينا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِن جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ، فَسَأَلَ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- عن شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ له: المِزْرُ، فَقالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إنَّ علَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)،[٨] فنستدلّ أنّ كل ما يشترك بهذه العلّة وكلّ ما يُذهب العقل يُقاس على الخمر فيحرّم، وإنّ فيها من المفاسد كما في الخمر أيضاً.[٩]



وأمّا لو حدّثتكم عن مضارّها فإنّنا لن نتهِ، فهي تُغيّر طبائع الإنسان، فيصبح متعاطيها كالسّفيه الذي لا يعي ما يتصرّف، فقد يفعل ما يضرّه ويؤذيه، ويبتعد عمّا يفيده، غير أنّها تُفسد عليه تدبيره، فيفقد الرّأي السّديد وعن الطّريق الصّحيح يحيد، ومتعاطي هذه السّموم يا إخوتي هو شخص فاقد للأمانة، لا يؤتمن على مال، ولا أولاد، ولا عمل، حتّى أقرب النّاس إليه لا يأتمنوه على أنفسهم منه؛ لأنّ طباعه كلّها مختلّة.[٧]



وحسْبها من الشرّ أنّها مهدرة للمال، وتبعده عن إتقان الأعمال، فيضطّر المدمن والعياذ بالله إلى اللجوء لطرق غير مشروعة فقط من أجل كسب المال وشراء هذه السّموم، فقد يَقتل، أو يسرق، أو يظلم، فتتفشّى الجرائم وتزيد بين المسلمين، فإنّنا كثيراً ما نسمع عن تقصير هؤلاء مع أولادهم، وزوجاتهم، وأهليهم، ولا يؤمّنون لهم أبسط متطلّبات الحياة، بل يكون همّهم وشغلهم الشّاغل توفير هذه المخدّرات لأنفسهم مهما كانت الطريقة.[٧]



أحبّتي في الله، فلنحذر وننتبه، فإنّ هذه من الأمور التي لا يُستهان بها، ولا يُسكت عليها، أَوَلا أحدّثكم أيضاً عمّا تفعل بجسد الإنسان، فهي تفتك به فتكاً، وتصيب صاحبها بأمراضٍ لا شفاء لها، فيصبح هذا المتعاطي جسداً هشّاً لا يقوى على شيء، وتكون سبباً في موته، وأمّا عن الرّجولة فلا تجتمع مع مدمن؛ لأنّها تجعله ميّالاً للنّساء فاقداً لأهليّته، عافانا الله وأولادنا وأحبابنا من مثل هذه المسكرات.[٧]



عباد الله، أما أنّنا لو نظرنا من منظورٍ أوسع لوجدنا أنّ مجتمعاً تنتشر فيه هذ الآفة، هو مجتمع هشّ، لا فائدة فيه من شبابه، فهم عالة عليه لا يُفيدون ولا يستفيدون، لا يُعمّرون بل يهدمون، وهي تدمّر أُسر بأكملها، وتورث الذلّ، والخزي، والعار، بل إنّ الله -تعالى- قد يسخط على أمّة بأكملها إن استحلّت الحرام، ويُنزل عليهم أشدّ العقوبات، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[١٠][٧]



أمّا في الآخرة فإنّ متعاطي المخدّرات والمسكرات لا يدخل الجنّة ولا يجد ريحها، بل إنّ الله قد أعدّ له نهراً من صديد في الناّر، يقول نبيّنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن شَرِبَ الخَمرَ لم تُقبَلْ له صَلاتُه أربَعينَ لَيلَةً، فإنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، فإنْ عادَ عادَ اللهُ له، فإنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، فإنْ عادَ، كان حَقًّا على اللهِ -تَعالى- أنْ يُسقِيَه من نَهَرِ الخَبالِ، قيل: وما نَهَرُ الخَبالِ؟ قال: صَديدُ أهْلِ النَّارِ).[١١][٧]



أيّها المسلمون، أيّها المسؤولون، أيّها المدرّسون، أيّها المصلحون، أيّها الآباء والأمّهات، أحسنوا تربية أبنائكم، وتخيّروا لهم أصدقاءهم، فانصحوا ونبّهوا وأبعدوهم عن طريق رفقاء السّوء، الذين يدلّون على طريق الهلاك والضّياع، وامنعوا عن أبنائكم التّدخين، فهو بداية طريق الإدمان، أيّها المسلمون اغرسوا في النّشأ حبّ الله - تعالى- ومخافته، ودلّوهم على الصّلاح، علّقوا قلوبهم بالقرآن الكريم، وبالصّلاة، وبالمساجد.[٧] وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنّه هو التّواب الرّحيم.



الخطبة الثانية

الحمدلله ربّ العالمين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهن وأنّ محمّداً عبده ونبيّه. عباد الله، تناولنا في الخطبة الأولى أهمّية العقل، فهي نعمةٌ لن نوفّي الله -سبحانه- حقّها، فبها ميّز الإنسان عن سائر المخلوقات، وإنّ من شُكر هذه النعمة حفظها، فلنحافظ على هذه النِّعمة من كلّ ما يُذهبها ويفتك بها. عباد الله، الدنيا مُلِئت بالشهوات، وإنّ الحريص العاقل هو مَن يَعي أن مثل هذه المنكرات ضرّها أعظم من نفعها، فأيّ لذة يجدها المُدمن بعد أن فقد عقله، وفقد صحّته، وفقد ماله، ونال العذاب في الدنيا والآخرة.



وإنّ الأنكى ممّن يتعاطى المخدّرات والمسكرات، هو من يتّجر بها ويروّج لها، فهم يجرّبون شتّى الطّرق ليهرّبوها ويجلبوها إلى بلاد المسلمين، طامعين في كسبٍ مادّي، ولا أعلم كيف تهون عليهم أمّتهم، وكيف يهون عليهم ضياع الشّباب وإدمانها، أيّ ضمير يملك هذا المروّج؟! يفقد حسّك بالمسؤلية ويُدمّر أمّة كاملة من أجل كسب حرام لا يدوم.[١٢]



معشر المسلمين، من ابتُلي من بيننا بهذا الابتلاء، فليسارع إلى توبة نصوح، فإنّ الله غفور رحيم، يقبل التّوبة من عباده ويغفر السّيئات، قال -سبحانه وتعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[١٣]



الدعاء

اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه الطّيبين الطّاهرين، اللهمّ اهد شباب المسلمين وتب عليهم، اللهمّ خذ بأيديهم للبرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ وفق المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهمّ اجعل أمّة المسلمين أمّة واحدة، لا ينال منها أعداء هذا الدّين، اللهمّ وفق ولاة أمور المسلمين لما فيه خير العباد وصلاحهم، وصلّ الله على سيّدنا محمّد وصحبه آل بيته.[١٤]

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:70
  2. ^ أ ب ت "آفة العصر المسكرات والمخدرات رابط المادة"، طريق الإسلام، 2/3/2016، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  3. سورة الأحزاب، آية:70-71
  4. سورة النساء، آية:1
  5. سليمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة 2)، الرياض:دار المغني للنشر والتوزيع، صفحة 125، جزء 5.
  6. أحمد الفقيهي، "بلاء المخدرات والمسكرات"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث ج ح خ علي الحذيفي (3/1/2010)، "المخدرات وأثرها على الفرد والمجتمع"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2002، صحيح.
  9. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 232. بتصرّف.
  10. سورة الأنفال ، آية:25
  11. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4917، حسن.
  12. عبد الله الزاحم (3/4/2014)، "التحذير من المخدرات"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  13. سورة النور، آية:31
  14. عبد العزيز آل الشيخ، جامع خطب عرفة لعبد العزيز آل الشيخ، صفحة 41. بتصرّف.
4414 مشاهدة
للأعلى للسفل
×