مقدمة الخطبة
"الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، وبيَّن حقوق كل منهما على الآخر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من العدم ومَنَّ علينا بالإسلام"،[١] ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدً عبدالله ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وزوجاته الطيبين الطاهرين، وأصحابه والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصرة بتقوى الله، فهو الذي يبقى وما سواه يفنى، أكرم أولياءه بطاعته، وأضل أعداءه بمعصيته، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).[٢][٣]
الخطبة الأولى
عباد الله، نتحدّث معكم في هذا اليوم المُبارك عن المرأة الصالحة في الإسلام، وعن صفات المرأة الصالحة كما ورد في الآيات والأحاديث، فالمرأة الصالحة تُضفي السعادة على مَن حولها؛ على والديها وعلى إخوانها وإخوتها، وكذلك أبنائها وزوجها، فالسعادة يطلبُها كُل البشر؛ فهي مطلبٌ عظيمٌ كريم يبحث عنها الإنسان بكافة الوسائل والسُبل.
وقد أخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن خير متاع الدُنيا المرأة الصالحة، لقوله: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)،[٤] لذلك حثّ الإسلام المُسلم على اختيار الزوجة ذات الصلاح والدين والخُلق؛ فهي لا ترفع صوتاً، ولا تؤذي غيرها، وتطبّق أمر الله -تعالى- وأحكامه في حياتها، كما حثّ الشرع المسلم على الاستخارة قبل اختياره لزوجاته.[٥]
والمرأة الصالحة تلتزم بتقوى الله -تعالى-، وتتقرّب من ربّها بعبادته وطاعته، وتصبر على قلة المال الذي قد يواجهه زوجها، فلا تطلب منه فوق ما لا يُطيق، أو تُقارن نفسها بغيرها من أقربائها، وتحتسب ذلك عند الله -تعالى-، وتُربي أبناءها على الصلاح والدين، وتقنع بما عندها وبما رزقها الله -تعالى-، فكلّ هذه الصفات الطيّبة من خصال المرأة الصالحة، وهي مأجورة عليها من الله.[٦]
وينبغي على الزوج الحرص على اختيار المرأة ذات الدين، وصاحبة الأخلاق الفاضلة، والعفيفة المُحتشمة، فهي لبنة أساسية في البيت والمجتمع، ويخرج من بين يديها النّشْء الصالح، وقد دلّ على ذلك العديد من الأدلة، وبيّنت النصوص صفات المرأة الصالحة، كقوله -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[٧]
ولقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في الحديث الصحيح: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ)،[٨] وذكر القُرطُبيّ أن هذه الصفات يبحث عنها أي إنسانٍ في المرأة، وظاهر الحديث إباحة الزواج لهذه الصفات، ولكن الأوْلى والأهمّ أن يكون الاختيار على أساس الدين والصلاح.[٥]
وللزواج بالمرأة الصالحة العديد من الثمرات؛ وأوّلها اتباع وصية النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في اختيار الزوجة على أساس الصلاح والدين، ومنها أنها تكون عوناً لزوجها على النجاح والفلاح في الدُنيا والآخرة، فهي تحثُ زوجها على الطاعة؛ كقيام الليل، وصيام النوافل.
كما أنّ المرأة الصالحة -إخواني الكرام- لا تكون حريصةً على الدُنيا، ولا تُرهق زوجها بكثرة المطالب التي قد تكون فوق طاقته وكُلفته، فقد جاء عن بعض نساء السلف أنها كانت تطلب من زوجها أن يتقي الله -تعالى- فيما يُطعمهم، وأن يتحرى الحلال وإن كان قليلاً، لأنها تصبر معه على الجوع وحرّه ولكنها لا تصبر على النار وحرها.[٩]
كما أن المرأة الصالحة تحثُّ زوجها على الانشغال بأمور الدعوة والدين، وتُشجّعه على ذلك، وقُدوتها في ذلك السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- زوجة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، والتي وقفت بجانبه وواسته بنفسها ومالها، والمرأة الصالحة تكون عوناً لزوجها في القُرب من الله -تعالى- وطاعته، كما أنها تستقبل طلبات زوجها برحابة صدر، وتتكلّم معه بأدبٍ واحترام، وتسعى لرضاه، كما أن الزواج بالمرأة الصالحة سببٌ للبُعد عن الفاحشة والرذيلة.[٩]
عباد الله، إنّ الحرص على اختيار الزوجة ذات الخُلق والصلاح والدين لهو أمرٌ ضروريٌ في هذه الأيام؛ لما يُشاهده الإنسان من هجماتٍ من أعداء الإسلام على الفضائل والأخلاق والثوابت الدينيّة، وخاصةً المرأة؛ لأنها عماد المُجتمع، ومُربية أبنائه، فالمرأة الصالحة تحفظ زوجها وأبناءها، ولا تؤذي غيرها من جيرانها وأبناء مُجتمعها.[١٠]
والمرأة الصالحة هي المُلتزمة بالفضيلة والحياء، صاحبة الطُهر والعفة، المُترفعة عن البذاءة والفُحش، والمُتحلية بالأخلاق والفضائل، والبعيدة عن الرذائل.[١١]عباد الله، بارك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المُسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وإن من أخطر ما تتعرض له الأمّة المُسلمة هو إعراضها عن أنوار الوحي وسؤال أهل العلم الربانيين، فهم الذين يُدركون ما يُخطّط له بعض الكائدين لإخراج المرأة عن دورها الحقيقيّ في تربية الأبناء، بل ويدعون إلى تبرجُها وسُفورها وإخراجها مُتزينةٌ من بيتها.
لذلك حذر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من ذلك بقوله: (إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ. وفي حَديثِ ابْنِ بَشَّارٍ: لِيَنْظُرَ كيفَ تَعْمَلُونَ)،[١٢] والمرأة الصالحة واعيةٌ لما يدور حولها، وما يُحاك من مُخططاتٍ للنيل منها، فهي تُحافظ على نفسها وبيتها داخل البيت وخارجه.[١٣]
الخطبة الثانية
الحمد لله على جوده وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وسلم تسليماً كثيراً، أمّا بعد: معاشر المُسلمين، إن موضوع المرأة من المواضيع المُهمة، وديننا الكريم لم يغفل عن أمرها في تشريعاته وأحكامه، بل كرّمها ورفع قدرها، ووضع الضوابط والأحكام التي تحميها وتصونها.
والمرأة الصالحة هي كنزٌ ثمينٌ من بين جميع النساء، وينال بسببها المسلم خيري الدُنيا والآخرة، فلا اعتبار بباقي الصفات إن لم يكن معها صفة الدين والصلاح، فالجمال كنزٌ إذا كان معه دينٌ يحميه، ومغرَمٌ إذا لم يكن معه الدين، فلا اعتبار لصفةٍ بعيداً عن الدين.[٥]
الدعاء
- اللهم استر على نساء المُسلمين، وجنّبهنّ الفواحش والفتن والتبرّج والسّفور.
- اللهم اغفر لنساء المُسلمين، واستر عليهنّ، واجعلهنّ مع الحور العين في الجنّات.
- اللهم إنّا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، وارزق أبناء المُسلمين الزوجات الصالحات، صاحبات الخُلق والعفة والدين، وارزق بنات المُسلمين أزواجاً صالحين.
- اللهم إنّا نسألك البرّ والتقوى، ومن الخير كُله، ونعوذ بك من الشر كله، وجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
- اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وأبنائنا وذُرياتنا، واجعلنا لك شاكرين، قانتين، مُطيعين يا أرحم الراحمين.
- اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته.[١٤]
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ عمر المشاري، "من صفات المرأة المسلمة"، الخطباء.
- ↑ سورة الحج، آية:1-2
- ↑ اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (1423)، خطب مختارة (الطبعة 3)، السعودية:وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 36. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1467، صحيح.
- ^ أ ب ت جمعية التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية ، "الخطبة واختيار الزوجة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد، "خصال مطلوبة في المرأة المسلمة"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:32
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5090، صحيح.
- ^ أ ب عصام بن هاشم الجفري، "ثمرات الزواج من الزوجة الصالحة"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن علي النهابي، "حول المرأة"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
- ↑ اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (1423)، خطب مختارة (الطبعة 3)، السعودية:وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 218-220. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2742، صحيح.
- ↑ خالد بن سعد الخشلان، "دعاة الفتنة وقضايا المرأة"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
- ↑ محمد إمام (2007)، أحلي الكلام في مناجاة ذى الجلال والإكرام (الطبعة 1)، مصر:مطبعة السلام، صفحة 63. بتصرّف.