خطبة عن النجاح في الدراسة

كتابة:
خطبة عن النجاح في الدراسة

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على نفسه أنّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وجعل للعلم مكانة عالية عنده، ورفع مقام العلم وأهله، وجعل نجاح العبد وفلاحه من معالم فضله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أصدق الناس عزمًا، وأخلصهم قولًا وفعلًا -صلّى الله عليه وسلّم- وبارك تسليمًا كثيرًا.[١]


الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي أنفع الوصايا وأجمعها، فاتقوا الله حق التقوى، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).[٢][٣]


الخطبة الأولى

أيُّها الأخوة، لا شك أنّ كل واحدٍ منّا يبحث عن طريقٍ لسعادته، ويسعى لتوفير وسائل لتسهيل حياتِه وراحته، وكل إنسانٍ لا يفتئ عن السعي وراء تحصيل متطلباته مهما كلّفه ذلك من وقت، أو مال، أو جهد، والسعادة التي يتفق عليها البشر كافة، ويبحث عنها الجميع؛ هي النجاح، فهو سببٌ للفرحة، وطريقٌ للراحة.[٤]


أيُّها الأحبة، إنّ النجاح مطلبٌ من مطالب النفس المرغوبة، وهو من الأمور التي يحبها الفرد ويسعى ورائها في غريزته، فالنجاح له فرحةٌ عظيمة، ولذةٌ كبيرة، وهو المُحفّز على بناء المستقبل، فعقب كل نجاح يحققه الإنسان، يسعى لتحقيق نجاحٍ غيره، ويتطلّع لحياة أفضل من التي هو فيها، فالنجاح كالإشراقة في حياة الفرد؛ تُضيئ له حاضرَه، وتُعينه على مُستقبله.[٤]


ومجالات النجاح كثيرة وواسعة، فالنجاح قد يكون في الوظيفة، أو الأسرة، أو العلوم الدينية، أو الدنيوية، والنجاح في الدراسة، هو من أبرز أنواع النجاح، وأكثرها أهمية؛ إنّ نجاح الدراسة ينبني عليه نجاح في شتى مجالات الحياة، واعلموا أنّ الله -تعالى- جعل خَلقَه متفاوتون في المواهب والقُدرات، فكل فرد منّا يستطيع تحقيق النجاح إن أراد ذلك؛ فيبحث عن نفسه، ويكتشف ما يحبُه بداخله، ويستغل طاقته، ويوظفها بطريقة صحيحة، ليَصل إلى هدفه وغايته.[٤]


أيّها النّاس، إنّ من الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه، هو إقناعه لنفسه بأنّه غير قادر على النجاح، وأنّه عاجزٌ عن ذلك، وهذا غير صحيح، فمجالات النجاح كثيرة، فعلى كل طالبٍ للعلم أن يعرف ميوله وقدراته، ومواهبه، فهناك طالبٌ يهوى الحفظ ولا يمل من قضاء وقته فيه، ولا طاقة له بأن يحلّ مسائل حسابية -مثلًا-، فعليه بأن يُّركز طاقته على ميوله، ويحاول الاستعانة بغيره في الأمور التي تصعب عليه، فهذا الاختلاف في العقول والميول هو ما يفتح آفاقًا عديدة للنجاح المطلوب، وبهذا تسير الحياة ويتشكل المجتمع المتنوع، فيستطيع كل إنسان الانتفاع بما عند الآخر، ونفع غيره بما عنده.[٤]


أيّها النّاس، إنّ النجاح هو الهدف الذي من أجله يسعى طالب العلم، وهو المحفز لديه للإنجاز والإنتاج، والناجح صفةٌ تلازم طالب العلم المُجدّ الذي يسعى ورائه ويغتنم وقته لنيله، فهو يعلم أنّ نجاحه سببٌ لنيل الخير في الدارين، فلا يبقى لديه من جهد، ووقت، وطاقة، حتى يحصل عليه، وهو خير ما يُّحصله المرئ في حياته، وشتان بين هذا وبين الطالب المهمل؛ الذي يترك دراسته، ولا يجد ما يُشغل وقته، ويبقى متكاسلًا عنها، وقبل بالأدنى في حياته، وأمضى عمره بلا هدفه.[٥]


عباد الله، يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ)،[٦] فأشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ضرورة اغتنام الشباب والصحة قبل الهرم والفناء، فهو مرحلة العطاء عند الإنسان، فيغتنمه في تحقيق النجاح به، والعمل من أجل ذلك، وأشار كذلك إلى اغتنام الفراغ قبل الشغل، فلا يجوز للإنسان أن يُضيع وقته فيما لا ينفع، فعلى الشباب أن يسعوا في جميع مراحلهم الدراسية إلى تحقيق النجاح فيها.[٥]


أيُّها الأحبة، لتعلموا أنّ النجاح يحتاج لتحقيق ثلاثة أمور، فاحفظوها وعلّموها لابنائكم؛ وأول ذلك وضع هدف للوصول إليه، فعلى الطالب أن يكون أمامه هدف يسعى لتحقيقه، فمثلًا طالب الثانوية يجعل هدفه الوصول لمعدل كذا لقراءة تخصص كذا، ثم يضع خطةً تُعينه على الوصول إلى هدفه، فينشئ جدولًا يساعده على تنظيم وقته، وآخر ذلك أن يُلزم نفسه بالإنجاز، ويحاسبها على التقصير.[٧]


واعلموا أنّ هناك أربعة عوامل تساعد على النجاح في الدراسة:[٨]

  • الإيمان بالله -تعالى- والاستعانة به، والتوجه إليه بالدعاء.
  • العمل الصالح، والمحافظة على أداء العبادات، والتقرب بها لله -تعالى-.
  • التواصي بالحق، ويكون ذلك بتوصية الناس بالإيمان بالله -تعالى-، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
  • التواصي بالصبر، الصبر على أداء الطاعات والبعد عن المعاصي، والصبر على مشقة الدراسة وصعوباتها.


وهذه المتطلبات الأربعة قد وردت في سورة العصر؛ التي وضعت منهجًا للإنسان الذي يريد النجاح، ويريد تحقيق هدفٍ في حياته، فمن حرص على تحقيق هذه الأمور الأربعة سيجد نورًا في حياته، يُعينه على النجاح ويمهد له الطريق، فالعلم والعمل متلازمان لا ينفكان والله -تعالى- يقول في كتابه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).[٩][٨]


عباد الله، إنّ أهم العناصر التي يرتكز عليها النجاح؛ التوكل على الله -تعالى- أحسنَ توكل، وتفويض أمرك إليه، والقناعة واليقين التام بأنّه لن يحدث إلا ما كتبه الله -تعالى-، فالنجاح والرسوب بعد الأخذ بالأسباب والدراسة، هو أمرٌ قد قدّره الله -تعالى- عليك، وعليك أن ترضى بما كتبه الله -تعالى-، ومن العناصر أيضًا الإلتجاء لله -تعالى- والاستعانة به، والدعاء بصدق وخشوع أن يكون النجاح حليفك.[١٠]


وعلى الطالب أن يأخذ بالأسباب ويبذل كل ما بوسعه، فلا يدخل طالب إلى امتحانه وهو متوكلٌ على ربه من غير أن يدرس أو ويعلم ما يحتويه كتابه، ثم يأتي ويستنكر عدم نجاحه! فالتوكل يجب أن يصاحبه مثابرة ونشاط في الدراسة، تجعل الطالب يدخل إلى اختباره وهو مطمئن النفس، راغبًا في النجاح والتفوق؛ ليحقق النجاح الذي يرجوه.[١٠]


وكذلك العمل على تنظيم الوقت من غير أن يجهد الطالب نفسه ويرهققها، بل ينظم وقته ويدرس ما عليه ويستذكره ويتوكل على ربه، ويستعن به، ليكون النجاح حليفه.[١٠]


الخطبة الثانية

أيّها الأخوة، علمتم أن أسباب النجاح هي تقوى الله -تعالى- والصبر، والثبات، والعزيمة، وهذه صفات الأنبياء والمرسلين التي يجب التحلي بها،[١] ويجب على المسلم أن يعلم أنّه أمره كلّه بيد الله تعالى، فلا مُعطي لما يمنع، ولا مانع لما يُعطي، ومن ذلك تحقيق النجاح في الدراسة، فقد جاء عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إنّه قال: "كلُّ شيءٍ بقدَرٍ حتَّى العَجْزُ والكَيْسُ أو الكَيْسُ والعَجْزُ"،[١١] فكلّ أمرٍ في الدنيا يقدره الله -تعالى- وراءه حكمة يعلمها سبحانه، فيجب أن يكون الطالب قويًا ذو همة عالية، متوكلًا ومستعينًا بربه، ويعلم أنّ الجهد الذي يبذله لا يضيعه الله -تعالى-، وسيجد نتيجته يومًا.[١٢]


فهذا أمر الله -تعالى- وتدبيره، وهذه سنة الله -تعالى- في الأرض، فالله -تعالى- لا يضيع لعبد جهدًا بذله، حتى وإن لم يجد النجاح في فوره فقد يكون تأخير نجاحه لخير له في دينه ودنياه، وأما جهده الذي بذله في دراسته فلن يضيع، فوراء كل سببٍ مُسبب، وقد قيل: "من جد وجد، ومن زرع حصد"، وعدم النجاح في الدراسة هو سبيلٌ للنهوض مجددًا، والسعي أكثر وراء الهدف، فمن لم يحالفه النجاح في دراسته عليه أن يجعل رسوبه حافزًا يدفعه نحو الاجتهاد والتقدم، وكم من أنّاس لم يذوقوا طعم النجاح إلا بعد الفشل.[١٢]


الدعاء

  • اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء وخير النجاح، وخير الثواب، اللهم ثبتنا وثقّل موازيننا، وحقق إِيماننا، وارفع درجتنا، وتقبل صلاتنا وعباداتنا، واغفر خطيئاتنا.[١٣]
  • اللهم إنّا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت أنّ تجعل النجاح حليفنا وحليف أبنائنا وبناتنا.[١٤]
  • اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، اللهم أعذنا من النفاق وأهله.[١٥]
  • اللهم ارزقنا علماُ نافعاً ننتفع به في الدنيا والآخرة، واجعله شفيعاُ لنا يوم القيامة.


عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب "خطبة عن النجاح"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  2. سورة النساء، آية:131
  3. مجموعة من المؤلفين، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، صفحة 144. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث "سعادة النجاح"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "فضائل المسابقة إلى النجاح والإنجاز"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3355، حديث صحيح.
  7. "التخطيط ووضع الهدف الدقيق من أعظم أسباب النجاح والتوفيق"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "عوامل النجاح"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:282
  10. ^ أ ب ت "من أسباب النجاح"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  11. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6149، أخرجه في صحيحه.
  12. ^ أ ب مجمووعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2603. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، دليل الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 59. بتصرّف.
  14. محمد بن جميل زينو، توجيهات إسلامية لمحمد بن جميل زينو، صفحة 197. بتصرّف.
  15. سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 341. بتصرّف.
2937 مشاهدة
للأعلى للسفل
×