خطبة عن الهجرة غير الشرعية وضرورة حفظ النفس

كتابة:
خطبة عن الهجرة غير الشرعية وضرورة حفظ النفس

مقدمة الخطبة

الحمد لله خالق كلّ شيء، وباسط الرزق كما وصف نفسه بأنّه الرَّزاق (إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[١]، أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، وكلُّ شيءٍ عنده بأجل مُسمَّى وبمقدار.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له؛ إلها واحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من تواضع لباريه، وإمام المتقين، والهادي إلى الصراط المستقيم، صلوات ربِّي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.[٢]


الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله -عزَّ وجلَّ-، وبفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وكثرة ذكره والإنابة إليه، فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).[٣]


الخطبة الأولى

أيّها المسلمون، إنَّ من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الضروريات الخمس وهي؛ حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.[٤]

أيها الأحبَّة، إنّ حفظ النفس هي إحدى الضروريات الّتي حثّ الشارع على حِفظها، وحرّم الاعتداء عليها، وتعريضها للهلاك، قال الله -تعالى-: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانًا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورًا).[٥]


أيها الإخوة الأفاضل، من أبرز صور الاعتداء على النفس، وتعريضها للهلاك في زماننا، الهجرة غير الشرعية؛ وهي التّسلل إلى دولة ما من غيّر طرق قانونيّة، أو تأشيرة دخول، وهذا حال شبابنا اليوم يهاجرون إلى الدول الأوروبية من غيّر تصريح أو إذن بالدخول.[٦]


عباد الله، إن من أهم أسباب الهجرة غير الشرعية ضعف الإيمان في نفوس كثير من الشباب، الذين يَظنُّون أن رزقهم لا يأتيهم إلاّ في تلك البلاد الأوروبية، ألم يتذكروا قول الله -عزّ وجلّ-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)،[٧] وقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[١].


عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنَّكم كنتُم تتوَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا)،[٨]فلنتوكل على الله، ولنأخذ بالأسباب للحصول على الرزق.[٩]


أيها الإخوة الأكارم، تنتج عن الهجرة الشرعية العديد من المخاطر، منها:[٦]

  • إنّ الهجرة غير الشرعية تعرِّض النفس غالبًا إلى الهلاك، وقد حذَّرنا الله من إلقاء النفس بالتهلُكة، قال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).[١٠]
  • إنّ الهجرة غير الشرعية تعرِّض النفس للذلِّ والهوان، وقد نهى النبي -صلى عليه وسلم- المسلم أن يتسبب في إذلال نفسه، عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا ينبغي لمؤمنٍ أن يُذِلَّ نفسَه: يتعرضُ للبلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ).[١١]
  • إنّ الهجرة غير الشرعية قد تؤدِّي إلى الكسب الحرام، كالعمل في البارات والخمارات وغيرها.

أسأل الله -تعالى- أن يرزقني وإيّاكم الرزق الحلال.


الخطبة الثانية

فلنحذِّر أيُّها الأحبّة الكرام من أن نطلب الرزق بمعصية الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ رُوحَ القدُسِ نفثَ في رَوْعي أنَّ نفسًا لنْ تموتَ حتَّى تستكملَ أجلَها وتستوعبَ رِزقها فاتقوا اللهَ وأجمِلوا في الطلبِ ولا يحملِنَّ أحدُكم استبطاءَ الرِّزقِ أنْ يطلبَهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ – تعالى – لا يُنالُ ما عنده إلَّا بطاعتِهِ).[١٢]


فإذا كانت هجرة الإنسان من بلده لطلب عملٍ ستؤدي إلى الضررعلى حياته يقينًا أو غَلَب ذلك على ظنِّه، فلا يجوز حينئذٍ أن يُقدِم على ذلك، إذ إنَّ السعي في طلب الرزق مباح، والإقدام على ما فيه تلفُ النَّفس من الكبائر.[٩]


يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-:[١٣]


عليك بتقوى الله إن كنت غافلا

                                           يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري 

فكيف تخاف الفقر والله رازقا

                                         فقد رزق الطير والحوت في البحر 

ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة

                                            ما أكل العصفور شيئا مع النسر 



الدعاء

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:[٦]

  • اللهمّ افتح لنا في بلادنا كنوز الخيرات، واجعلها خيرات مباركات، وأغننا بخيرك وبرِّك عن جميع المعونات.
  • اللهمّ وفِّق شبابنا للعمل الصالح على منهج الله، وعلى اتباع حبيب الله ومصطفاه.
  • اللهمّ اغنِّنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبمعافتك عن عقوبتك، وبفضلك عمن سواك.



عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب سورة الذاريات، آية:58
  2. مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 132. بتصرّف.
  3. سورة سورة الأحزاب، آية:70-71
  4. الشاطبي (1997)، الموافقات (الطبعة 1)، صفحة 101، جزء 6. بتصرّف.
  5. سورة الإسراء، آية:33
  6. ^ أ ب ت مراد سلامة، "قوارب الموت وأوهام الثراء (الهجرة غير الشرعية)"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 9/7/2021. بتصرّف.
  7. سورة الذاريات، آية:22
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:2344، صحيح.
  9. ^ أ ب المعتز بالله الكامل (26/11/2020)، "الهجرة غير الشرعية والحفاظ على الأنفس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/7/2021. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية:195
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:7797، حديث صحيح.
  12. رواه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزياداته، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:2085، حديث صحيح.
  13. مجموعة باحثين، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 32.
4866 مشاهدة
للأعلى للسفل
×