مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أنعم على عباده بأعظم النعم وأعلاها، فبعث الرسل وأنزل معهم الكتب، أحمده سبحانه، وأسأله المزيد من عطائه وكرمه،[١] الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، وكرم المرأة تكريماً بالغاً ورفع من شأنها، ومنحها حقوقاً كثيرة من تمليك، وزواج، وتجارة، وميراث وغيرها، ومنحها حقها في الحياة فمنع وأد البنات، وأمر أزواجهم بالمعاشرة الحسنة معهن، وإلى غير ذلك من القوانين التي سنها الإسلام لحفظ حقوق المرأة ولصيانة كرامتها، فهو أول دين أعطى النساء حقوقهن كاملة، ومنحهن مكانتهن في المجتمع كما يستحقن، والصلاة والسلام على من أوصى بالنساء خيرًا؛ فقال في خطبته خطبة الوداع: (استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا)،[٢] وقال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)،[٣] فكان بأقواله وأفعاله داعياً إلى الرحمة وهو نبي الرحمة.[٤]
الوصية بتقوى الله
أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)،[٥] وقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)،[٦][٧] فتقوى الله دعوة الأنبياء، وشعار أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، وتقوى الله مفتاح تيسير الأمور وطريق النجاة من النار، قال -تعالى-: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).[٨][٩]
الخطبة الأولى
عباد الله، قالوا: "المرأة نصف المجتمع، وهي تربي لنا النصف الآخر، فهي المجتمع كله"، وقد كرم الإسلام المرأة، ومنحها منزلة ومكانة عظيمة، فأخرج لنا الإسلام من النساء من هن أعظم من كثير من الرجال.[١٠]
ولا بد أن نعلم أن المرأة قسيمة الرجل، وشقيقته في الشريعة، قال الله -عز وجل- مبيناً مشاركة المرأة للرجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[١١][١٢]
ولقد قدمت المرأة للإسلام خدمة عظيمة، فها هي خديجة -رضي الله عنها- أول قلب خفق بالإسلام، وأول من استجاب لدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي من دعمت رسول الله وواسته بنفسها ومالها، ولذلك لما غارت أمنا عائشة- رضي الله عنها - حينما كان يكثر من ذكرها قال لها: (قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ).[١٣][١٢]
وها هي سمية أم عمار بن ياسر-رضي الله عنها- أول شهيدة في الإسلام عذبها أبو جهل هي وزوجها وابنها، فصبرت وتحملت؛ فنالت شرف الشهادة ونالت الجنة،[١٤] وها هي أسماء ذات النطاقين-رضي الله عنها- تفتدي بنفسها رسول الله يوم هاجر مع أبيها سراً إلى المدينة فكانت أول فدائية في الإسلام.[١٥]
والمرأة بايعت النبي-صلى الله عليه وسلم- في بيعة العقبة فها هي نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمر-رضي الله عنهما- أول من بايع رسول الله من النساء، وهذه البيعة المذكورة في القرآن قال -تعالى-:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[١٦][١٧]
وشاركت المرأة في العديد من الغزوات في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مداواة للجرحى وسقاية العطشى وإعداد الطعام، فها هي رفيدة الأسلمية -رضي الله عنها- كان لها خيمة تداوي فيه الجرحى، ولم يقتصر دورهن على ذلك بل كن يذهبن للغزو مع النبي فها هي أم عطية-رضي الله عنها- تقول: (غَزَوْتُ مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ،أَخْلُفُهُمْ في رِحَالِهِمْ، فأصْنَعُ لهمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الجَرْحَى، وَأَقُومُ علَى المَرْضَى).[١٨][١٩]
بل ودافعت المرأة عن رسول الله وثبتت معه كما في غزوة أحد حيث كانت أم عمارة نسيبة- رضي الله عنا-تباشر القتال بنفسها، وجرحت اثني عشر جرحا، بين طعنة رمح وضربة سيف.[٢٠]
وكذلك أم سليم في غزوة حنين وكانت حاملاً بابنها عبد الله بن أبي طلحة،[٢١] وكانت صفية في غزوة أحد بيدها رمح تضرب به فى وجوه المشركين، وقتلت يومئذ رجل من اليهود، وهذه أسماء بنت عم معاذ بن جبل-رضي الله عنهما- قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم.[٢٢]
وكان للنساء دور في العلم وتعليمه ونشره، فكان منهن الفقيهات والمحدثات وكان الصحابة يقصدون حجراتهنَ طلباً للاستفادة من علمهن، فعائشة -رضي الله عنها- كانت مقصد فقهاء الصحابة خاصة فيما يتعلق بحياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وها هي أم سلمة -رضي الله عنها-التي روت الكثير من الأحاديث النبوية، والتي روى عنها قرابة مئة من الصحابة والتابعين.[٢٣]
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، وما تأخرت المرأة المسلمة في عصر النبوة عن الدعوة، والبيعة، والجهاد وتعلُّمِ العلمِ النافعِ وتعليمه، فينبغي للمرأة المسلمة اليوم أن تقدم النموذجَ الأمثلَ للإسلام، كما قدمته أخواتُها المسلماتُ في عصر النبوة.[٢٤]
وهناك وسائل عديدة لمشاركة المرأة في الدعوة منها: مواصلة المرأة المسلمة مع واقعها المحيط بها من خلال القرءاة للمجلات المفيدة والكتب، والاستماع للأشرطة والفيديوهات النافعة، والكتابة في أمور المرأة وفق رؤية شرعية، والوعي بالواقع، ومنها أن تكون قدوة حسنة في لباسها، وهيئتها، وعلو الهمة، ومنها جهاد الكلمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحلقات تحفيظ القرآن النسائية، والمشاركة في الدورات النسائية الصيفية النافعة، وتقديم البرامج المفيدة للرد على الشبهات وتوضيح المفاهيم الإسلامية.[٢٤]
وللمرأة الدور الأهم في التربية؛ وذلك لأن الأولاد والصغار يمكثون معها فترة طويلة، كما أنهم أكثر التصاقاً بها، لذلك لها دور مهم في بناء شخصياتهم وصقلها وزرع فيهم قيم الدين العظيم.[٢٥]
وصدق الشاعر إذ قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ
الدعاء
أيها المسلمون، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:[٢٦]
- اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
- اللهمَّ اسْتُرْ نِساءَنَا ونِساءَ المؤمنينَ، وجَنِّبْهُنَّ التَّبرُّجَ والسُّفورَ، واكْفِهِنَّ شَرَّ الأَشرارِ وكَيدَ الفجَّارِ، اللهمَّ زَيِّنْهُنْ بالسَّترِ والعَفافِ، واسْتُرْهُنَّ بلِبَاسِ القُنُوعِ والكَفَافِ.
- اللهمَّ أعِزَّ الإِسلامَ وَالمُسلمينَ، وأذِلَّ الشِّركَ وَالمُشركينَ، اللَّهمَّ انْصُرْ دينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُّنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبادَكَ المُؤْمنينَ.
- اللهم من أراد بنا سوءاً وأراد بعلمائنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم مزقه كل ممزق، اللهم شتت شمله، ورد كيده في نحره.
- اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم اهد بنات المسلمين، اللهم وفق علماء المسلمين واحفظهم.
- اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية، ومن كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، يا رب العالمين.
- اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
- اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، والمستضعفين في أرضك، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم يا رب العالمين.
- رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
- اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم واجعلنا من المسلمين لك المخبتين لك، الأوابين الأواهين التوابين، وارزقنا ذكرك آناء الليل وأطراف النهار.
- اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، اللهم واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٧] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون،[٢٨]وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، وضوعات صالحة للخطب والوعظ، صفحة 69. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم:1513، حسن.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3895، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 31، جزء 45.
- ↑ سورة الطلاق، آية:2
- ↑ سورة الطلاق، آية:5
- ↑ سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 33، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية:72
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 8، جزء 86. بتصرّف.
- ↑ "تكريم المرأة في الإسلام"، ملتقى الخطباء، 2021-03-11، اطّلع عليه بتاريخ 2021-8-14. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:97
- ^ أ ب محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 3، جزء 131. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج المسند ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:24864، صحيح.
- ↑ نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، جزء 64. بتصرّف.
- ↑ محمد إسماعيل المقدم، دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم، صفحة 10، جزء 43. بتصرّف.
- ↑ سورة الممتحنة، آية:12
- ↑ "أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء "، إسلام ويب، 11-4-2007، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم:1812، صحيح.
- ↑ محمد صالح المنجد (03-07-2017)، "حول الصحابية رفيدة الأسلمية وكونها أول ممرضة في الإسلام "، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2021. بتصرّف.
- ↑ خير الدين الزركلي، الأعلام للزركلي، صفحة 19، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 69، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ محمد علي إمام، كتاب صلاح البيوت، صفحة 170.
- ↑ أحمد محمود أبو زيد (29/7/2008)، "دور المرأة المسلمة في النَّهضة العلميَّة"، شبكة الآلوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2021. بتصرّف.
- ^ أ ب سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 3، جزء 6.
- ↑ سعد البريك، دروس الشيخ سعد البريك، صفحة 9، جزء 27.
- ↑ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، موضوعات صالحة للخطب والوعظ، صفحة 92. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:90
- ↑ مجموعة من المؤلفين، خطب مختارة، صفحة 221.