خطبة عن ذكر الله

كتابة:
خطبة عن ذكر الله

خطبة عن ذكر الله

مقدمة الخطبة

الحمد لله حمداً طيباً واسعاً مباركاَ فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، النبي الأمي وعلى آله وصحابته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

الوصية بتقوى الله تعالى

وأوصيكم إخواني الأعزاء ونفسي المقصّرة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وإياكم ومخالفة أمره ونهيه، واتعظوا من قوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).[١]

الخطبة الأولى

أيُّها الإخوة الأفاضل، خطبتنا لهذا اليوم عن عمل يسير لا يحتاج إلى كبير جهد، ولكن المحافظة عليه تحتاج إلى يقظة قلب، ومراقبة دائمة للحق -تبارك وتعالى-، خطبتنا اليوم عن ذكر الله -سبحانه وتعالى-.

ولتعلم أخي الحبيب أهمية الذكر وفضله انظر إلى آيات ربك -سبحانه وتعالى- التي تتحدث عن الذكر وتأمل، قال الله سبحانه وتعالى-: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)،[٢]وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا - وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).[٣]

وقال -عز من قائل-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[٤]وقال -تبارك وتعالى-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)،[٥]وقال -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ).[٦]

أخي الكريم، إليك أكبر هدية تأخذها على الذكر، قال الله الكبير المتعالي العظيم الكريم الجواد -سبحانه وتعالى لا نحصي ثناءً عليه-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)،[٧]أي كرم وأي جود وأي فضل أن يذكرنا الله -سبحانه وتعالى- إذا ذكرناه.

الله خالق السماوات والأرض، والجنة والنار، ومن يدبر الأمور كلها، وأمره بين الكاف والنون، من لا تنفعه عبادة العابدين، ولا تضره معصية العاصين، الذي لو سأله الأولون والآخرون وأعطى كل واحد مسألته، الله القدوس الذي ليس كمثله شيء يذكرك أيها العبد الضعيف الفاني الفقير الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره خيرا ولا شرا إذا ذكرته، إن ربنا لكريم ودود -سبحانه-.

واسمع معي أخي الفاضل جملة من أحاديث حبيبك المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه- وهو يخبرك عن فضل الذكر:[٨]

  • عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ).[٩]
  • عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).[١٠]
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ).[١١]

معاشر المسلمين، الذكر أنواع ومراتب، فأولها وأفضلها هو قراءة القرآن الكريم، قال سفيان -رحمه الله-: "أفضل الذكر تلاوة القرآن في الصلاة، ثم تلاوة القرآن في غير الصلاة، ثم الذكر"، والقرآن هو أحسن الحديث، وهو الطيب من القول، قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاس قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن هُم؟ قالَ: هُم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ).[١٢][١٣]

ومن أنواع الذكر: ذكر أسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به، كأن تقول: "سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ"، و"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ"، و"لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءِ قَدِير"، ونحو ذلك مما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كلما كان الذكر أجمع وأشمل وأعم كان أفضل.[١٣]

ومن أنواع الذكر الخبر عنه -سبحانه وتعالى- بأحكام أسمائه وصفاته، كقولك: "الله -سبحانه وتعالى- يسمع أصوات العباد ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير"، وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به هو -سبحانه وتعالى- على نفسه، وبما أثنى عليه به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[١٣]

ومن أنواع الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه، إما بالإخبار عنه بأنه أمر بكذا، ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط على كذا، ورضي كذا، فهذا ذكر أمره ونهيه، وإما ذكره عند مخالفة أمره ونهيه، وذلك بالحياء من -سبحانه وتعالى- والخوف من عقابه، وذلك عندما يتقاعس عن أمر الله بتثبيط الشيطان له أو بتجريئه على معصية الله أثناء الغفلة، وحينها إذا ذكر العبد ربه فإنه ينشط للعبادة، قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).[١٤][١٣]

إخواننا الأحبة، هناك أنواع أخرى للذكر لا يتسع المقال لشرحها، وللذكر فوائد وثمرات، وعليه أجور عظيمة، نذكر لكم حديثاً واحداً يدل على فضل أحد الأذكار، قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ).[١٥]

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً، وسبحان وبحمده بكرة وأصيلاً، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وسلم، أيها الإخوة الأكارم، ذكر الله -سبحانه وتعالى- من أجلِّ الأعمال وأيسرها على المؤمن، وقد دلّ على فضله آيات وأحاديث كثيرة، وللذكر أنواع أفضلها وأعظمها تلاوة القرآن الكريم، ويأتي بعدها ما ورد في النصوص الشريفة في القرآن أو السنة.

والمؤمن الحصيف الحريص على كسب الحسنات وارتفاع الدرجات أن يلتزم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي فقال له: "يا رسولَ اللهِ إنَّ شَرائعَ الإسلامِ كثُرتْ عليَّ فأنبِئْني بأمرٍ أتشبَّثُ به"، فقال: (لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْبًا من ذِكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ).[١٦]

الدعاء

  • الحمد لله الحنان المنان، صاحب الفضل والعطاء والجود والإحسان.
  • اللهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
  • اللهمّ اجعلنا من عبادك الذاكرين الشاكرين.
  • اللهمّ أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
  • اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا اللهم من الراشدين.
  • اللهمّ ألهمنا ذكرك آناء الليل وأطراف النهار.
  • اللهمّ إنّا نعوذ بك من الغفلة وقسوة القلب.
  • اللهمّ جدد الإيمان وابعثه في قلوبنا بلا إله إلا الله.
  • اللهمّ افتح لنا بتلاوة القرآن العظيم وترتيله على الوجه الذي يرضيك عنا.
  • اللهمّ اجعل ألسنتنا دائمة الذكر والدعاء، وقلوبنا دائمة التوجه إليك.
  • اللهمّ إنّا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.
  • اللهّم اشرح صدورنا بذكرك، ويسر أمورنا بجميل التوكل عليك.
  • وصلِّ يا رب وسلم على سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم.

المراجع

  1. سورة الحشر، آية:18
  2. سورة العنكبوت، آية:45
  3. سورة الأحزاب، آية:41-42
  4. سورة الأحزاب، آية:35
  5. سورة آل عمران، آية:41
  6. سورة آل عمران، آية:191
  7. سورة البقرة، آية:152
  8. عبد الرزاق البدر (1422)، كتاب الذكر والدعاء في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية:وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، صفحة 27. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:6407، صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري وأبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2700، صحيح.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2676، صحيح.
  12. رواه الوادعي ، في الصحيح المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:78، صحيح.
  13. ^ أ ب ت ث محمد حسين يعقوب، الأنس بذكر الله، جمهورية مصر العربية:مكتبة سوق الآخرة دار التقوى للنشر والتوزيع، صفحة 20-27. بتصرّف.
  14. سورة الأعراف، آية:201
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6406، صحيح.
  16. رواه ابن حجر العسقلاني، في نتائج الأفكار، عن عبدالله بن بسر ، الصفحة أو الرقم:93، حسن.
18351 مشاهدة
للأعلى للسفل
×