خطبة عن صلة الرحم قصيرة

كتابة:
خطبة عن صلة الرحم قصيرة

مقدمة الخطبة

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ سيدنا محمد عبده ورسوله، وصفيه وخليله؛ من بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا ضالٌ هالك، صلوات ربي وسلامه عليك يا رسول الله.


الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، فهو الذي قال في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[١] فاتَّقوا الله عباد الله فما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً، وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموت.


الخطبة الأولى

عباد الله، لقد قال نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما سُئِل عن أعمال تُدخل الجنة فقال: (تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ)،[٢] وقوله: "وتصل الرحم"، من الصِّلة أي: "وصلت الشيء وصلاً وصلة، والوصل ضد الهجران".[٣] والرحم: "يطلق على الذين يرتبطون بقرابةٍ سواء كانوا يتوارثون أو لا يتوراثون، ومن المحارم أو من غيرهم، وقيل أنهم من المحارم فقط".[٤]


عباد الله، الأرحام هم الأقارب الذين حثَّ الاسلام على زيارتهم والسُّؤال عنهم، وتفقُّد أحوالهم، والإهداء إليهم، وإنزالهم منازلهم، والتصدُّق على فقيرهم، والتلطُّف مع غنيهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم وضعيفهم، وتعاهدهم بكثرة السُّؤال والزِّيارة؛ لنشر روح المحبَّة والتَّكافل في المجتمع الإسلامي، فالأقربون أولى بالمعروف كما تعلمون، وأولى هذا المعروف صلتهم.[٥]


عباد الله، إنَّ المتأمِّل للنُّصوص القرآنيَّة، والأحاديث النبويَّة يقطع بوجوب صلة الرَّحم بلا خلافٍ بين العلماء، وأنَّ قاطعها آثمٌ، مرتكبٌ كبيرةٍ من الكبائر ـ والعياذ بالله ـ ففي الحديث عَنْ عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يقولُ اللَّهُ تعالى: أنا الرَّحمنُ خلَقتُ الرَّحِمَ وشققتُ لها اسمًا مِنَ اسمي، فمَن وصلَها وصلتُهُ ومن قطعَها بتَتُّهُ)،[٦] ولقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ قاطع الرَّحم منقطعٌ عن رحمة الله -سبحانه وتعالى- وأنَّها تعلَّقت بعرشه حتَّى رضيت بحكمه.[٧]


ولقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ آخر أنَّ لصلة الرَّحم آثارٌ عجيبةٌ، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)،[٨] فيا سعد من نال الأجور والثَّواب، ويا سعد من أدرك البركات واستعد ليوم الحساب بالتزوُّد والخيرات، أيّها النّاس، خذوا هذه البشرى واجعلوها نصب أعينكم علها تعينكم على الوصل، زيادة في الرِّزق سواءً أكان هذا الرِّزق في المال أو البدن أو الأكل والشُّرب أو حتى المنافع الأخرى، كالعلم النَّافع، والعمل الصَّالح وأمَّا قوله "ينسأ له في أثره" فهو التَّأخير في الأجل، وفي روايةٍ أخرى: (صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ).[٩][١٠]


وقد يقول قائلٌ: كيف تكون الزِّيادة في العمر والله -جلَّ في علاه- قال في كتابه الكريم: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)،[١١] وهنا نقول ونوضح: أنَّ لا تعارض بين الآية الكريمة والحديث النبويِّ الشَّريف، فكما هو معلومٌ أنَّ الآجال مقدَّرةٌ عنده -سبحانه-، ولا علم لأيِّ أحدٍ بهذا، فإذا وقع الأجل لا تأخير ولا تأجيل، والآية الكريمة تثبت هذا الأمر، بينما في الحديث النبويِّ حثٌّ على التَّرغيب بصلة الرَّحم وأنَّها من مسببات حصول البركة في العمر، وكذلك الأمر في الرِّزق، فهو مقدَّرٌ ومكتوبٌ منذ أن كان الإنسان في بطن أمِّه، لكن هل يعلم الإنسان بمدى رزقه؟ طبعاً لا، إنَّما هذا العلم في حقِّ الله -سبحانه وتعالى-، وهنا تتجلَّى الحكمة في الهدي النبويِّ، ألا وهي التَّرغيب والتحبيب لنيل البركة والخير الوفير، في توثيق أواصر المحبَّة بين أفراد المجتمع.


عباد الله، كما أنَّ لصلة الرَّحم بركات وأجور، فإنَّ القطيعة لها أوزار وعواقب، فإنّ قطيعة الرَّحم من مظاهر الفساد في الأرض يقول -سبحانه وتعالى-: (هَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)،[١٢] ولكم أن تتأمَّلوا هذا الحديث الذي يدعو إلى الأسى العميق، يقول الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)،[١٣] فالإنسان بالنِّسبة لأرحامه أي لقرابته له ثلاث حالات: إمَّا أن يصل، وإمَّا أن يقطع بلا إساءة، وإمَّا أن يسيء، المسيء والقاطع محرومٌ من دخول الجنَّة، والواصل قد تكفَّل الله -تعالى- بصلته؛ لأنَّه تكفَّل للرَّحم أن يصل من وصلها.[١٤]


فالواصل رغم الضَّرر أو القطيعة هو الأعظم أجراً، يقَولَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "لَيْسَ الْوَصْلُ أَنْ تَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، ذَلِكَ الْقِصَاصُ، وَلَكِنَّ الْوَصْلَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"،[١٥] وأمَّا القاطع فعليه إثم القطيعة، وأمَّا المسيء فعليه أثمان: إثم القطيعة وإثم الإساءة.


أيها النّاس، مظاهر القطيعة كثيرةٌ: كقلَّة التَّواصي والتَّزاور، فتمضي الشُّهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلةٍ أو هديَّةٍ، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورةً أو أذيَّةً، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، ومن النَّاس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدَّق على فقيرهم، ويفرق شملهم، ويفتن بينهم، والكثير الكثير - والله المستعان- من تضييع هذا الحقِّ والتفريط فيه.[١٦]


وقطيعة الرَّحم تظهر آثارها في الدُّنيا قبل الآخرة ويدلُّ على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)،[١٧] وإن المسلم مرهف الحسِّ، المتطلِّع إلى رضوان ربِّه، لتهزه هذه النُّصوص من الأعماق؛ إذ تقرَّر أنَّ قطيعه الرَّحم تحجب الرَّحمة، وتعجِّل العقوبة، وتزيد الهمِّ والمهانة.[١٦]


لذا يا إخوتي، إنَّ صور الوَّصل عديدةٌ وكثيرةٌ والمعروف والإحسان لا حاجة لنا بتفصيله لمن أراد ذلك حقاً ، فتراه يتفنَّن بعمل الخير بأبهى الصُّوَر، وتراه لا يقتصر على زيارةٍ أو معايدةٍ، فتكون منه المساندة، والمشاركة، والسؤال عنهم بالهاتف والدُّعاء لهم وتفريج كرباتهم، والمبادرة إلى الخير وإن لم يبادروا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها)،[١٨]فالإحسان رغم الإساءة والحلم عند الجهل ، والصفح عند المقدرة هي أيضاً من صور الصلة التي حثَّ الإسلام عليها، والمسلم التقيُّ الواعي يصل ذوي رحمه، ويقبل على برِّهم والإحسان إليهم، إقبال الرَّبيع الخصب الجواد المعطاء.[٧]


الخطبة الثانية

عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله انظروا في حالكم، انظروا في أقاربكم، "هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة؟ هل ألنتم لهم الجانب؟ هل أطلقتم الوجوه لهم وهل شرحتم الصدور عند لقائهم؟ هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام؟ هل زرتموهم في صحتهم توددًا وهل عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالًا؟ هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة؟ فلننظر، ولنتفكر، ولنسعى لرضا المولى في كل حركاتنا وسكناتنا".[١٩]


توبوا إلى الله واستغفروه، فإنَّ حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يتوب إلى الله في اليوم سبعين مرَّة ً، ولا تنسوا الإكثار من الصَّلاة على رسوله الكريم ، فعن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ)،[٢٠]


الدعاء

  • اللهمَّ ارحمنا برحمتك، وأكرمنا بكرمك، واحفظنا بعنايتك.
  • اللهمَّ اجعلنا من الواصلين لأرحامهم.
  • اللهمَّ ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانزع البغضاء والقطيعة من صدورنا.
  • اللهمَّ لا تجعل لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلَّا قضيته،ولا مريضاً إلَّا شافيته، ولا مبتلاً إلَّا رحمته، ولا مسافراً إلَّا إلى أهله رددته.
  • اللهم أوصلنا بك، واجعل صلتنا بأرحامنا سبباً للصلة بك، اللهم أعنّا وتقبل منّا.
  • اللهم املأنا بك أولاً وآخراً، واجعلنا من عبادك الصالحين، واغفر لنا كل كبيرة وصغيرة يا أرحم الراحمين.
  • اللهم صلّ على سيدنا محمد صلاة تامة تامة، وعلى آله وصحبه أجمعين.


عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[٢١] أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله، وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:102
  2. رواه البخاري، في شرح كتاب صحيح البخاري لابن بطال، عن أبو أيوب، الصفحة أو الرقم:202، كتاب الأدب / باب صلة الأخ المشترك.
  3. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 791.
  4. محمد طاهر الجوابي، المجتمع والأسرة في الإسلام، صفحة 143. بتصرّف.
  5. محمد بن إبراهيم الحمد، كتاب قطيعة الرحم: المظاهر الأسباب سبل العلاج، صفحة 21. بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم:1680 ، صحيح لغيره.
  7. ^ أ ب علال الدخلاوي (28/8/2019)، "خطبة الأمر بصلة الرحم والتحذير من قطيعتها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2021. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5، صحيح.
  9. رواه ابن شاهين، في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، عن ابن مسعود، الصفحة أو الرقم:115.
  10. أمير بن محمد المدري، ثلاثون عملا تطيل في العمر، صفحة 12. بتصرّف.
  11. سورة الأعراف، آية:34
  12. سورة محمد، آية:22
  13. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جبير بن مطعم، الصفحة أو الرقم:133.
  14. ابن عثيمين، كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام، صفحة 277. بتصرّف.
  15. معمر بن راشد، جامع معمر بن راشد، صفحة 171. بتصرّف.
  16. ^ أ ب علي الحذيفي (22/9/2021)، "فضل صلة الرحم"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2021.
  17. رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن أبي بكرة، الصفحة أو الرقم:276.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6.
  19. مجموعة من المؤلفين، خطب مختارة، صفحة 230. بتصرّف.
  20. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:187.
  21. سورة النحل، آية:90
5612 مشاهدة
للأعلى للسفل
×