خطبة عن صلة الرحم مكتوبة

كتابة:
خطبة عن صلة الرحم مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله حمداً كثيراً، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكثرهم تطهيراً، الحمد لله الذي خلق من الماء بشرًا، فجعله نسبًا وصهرًا، الحمد لله الذي أوجب صلة الأرحام وأعظم أجر الواصلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.[١]

وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله هو نبيّنا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، أعظم الناس قدرًا، وأرفعهم ذكرًا -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين-، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيراً، عدد ما أحاط به علمه، وخطّ به قلمه، وأحصاه كتابه.[١]

الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، واتّباع أمره، واجتناب نهيه، فقد قال الله -تعالى- في كتابه محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). [٢]

الخطبة الأولى

إخواني في الله، اتقوا الله -تعالى-، وصِلوا ما أمر الله -تعالى- به أن يُوصل من حقوقه وحقوق عباده، صِلُوا أرحامكم، وهم أقارب الإنسان؛ مثل أمه وأبيه، وابنه وابنته، وكل مَن كان من بينه وبينه صلة من قِبل أبيه أو من قبل أمه أو من قبل ابنه أو من قبل ابنته.[٣]

وقد حثّ الله -تعالى- على صلة الأرحام، وبيّن أنّ البرّ بأولي الأرحام هو من أهم أنواع البر، فهم من أوْلى وأحقّ الناس وصلاً، واهتماماً، وسؤالاً عن أحوالهم، ومداً ليد العون لهم، حيث ذكر الله -تعالى- في محكم تنزيله بأن من أهمّ صفات المؤمن الحقّ التي يجب أن يتصف بها هي الاهتمام بأولي الأرحام، وبرهم، ووصلهم، والإحسان إليهم.

قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: (وَالَّذينَ آمَنوا مِن بَعدُ وَهاجَروا وَجاهَدوا مَعَكُم فَأُولـئِكَ مِنكُم وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ). [٤]والرحم متعلقة بالعرش، تقول: (من وصلني وصله الله).[٥]

أي إنّ الذي يصل رحمه يصله الله -عز وجل- بالتوفيق والمغفرة والسداد والرحمة، ومَن وصله الله نال سعادةَ الدنيا والآخرة، ومَن انقطع عليه خير الله انقطع عنه النجاح والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة،[١] والأحاديث الشريفة والآيات الكريمة تدلّ بشكلٍ قطعيٍّ على وجوب صلة الرحم، وهذا أيضاً متفق عليه بين العلماء، وعلى أن قاطعها آثم، ومرتكب لكبيرة من الكبائر.[٦]

معشر المسلمين، لقد اهتمّ النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- منذ بواكير الدعوة بهذا الأمر أيّما اهتمام، ولا يخفى علينا بأنه أحسن مّن اتّصف بها -صلوات ربي وسلامه عليه-، فعندما نزل عليه الوحي وأتى إلى أمنا خديجة -رضي الله عنها- فزعاً، قال لها: "زمّلوني".

وعندها قالت له أمنا خديجة -رضي الله عنها-: (كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنك لتصل الرحم، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ)،[٧]إذاً فإن صلة الرحم -إخواني الكريم- سببٌ لتحقيق الاطمئنان والسعادة ونيل رضا الله -تعالى- وتأييده،[٨] كما أنّ فضل هذا الأمر عظيم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فليصل رحمه).[٩]

ولا يخفى عنكم قول الله -تعالى-: (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبابِ* الَّذينَ يوفونَ بِعَهدِ اللَّـهِ وَلا يَنقُضونَ الميثاقَ* وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِسابِ* وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ* جَنّاتُ عَدنٍ يَدخُلونَها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِّيّاتِهِم وَالمَلائِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بابٍ).[١٠] 

وفي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُخبره عن العمل الذي إذا عمله كان سبباً في دخوله للجنة، فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).[١١][٣]

واسمعوا -إخواني الكِرام- ما قاله عمرو بن عبسة عندما سمع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء ليقابله في أول بعثته، فجاء له، ودخل ليقابله، وقال له: (ما أَنْتَ؟ قالَ: أَنَا نَبِيٌّ، فَقُلتُ: وَما نَبِيٌّ؟ قالَ: أرسلني اللَّهُ، فَقُلتُ: وَبِأَيِّ شَيءٍ أَرْسَلَكَ؟ قالَ: أرسلني بصلة الأرحام، وَكَسْرِ الأوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لا يُشْرَكُ به شَيءٌ).[١٢]

وما انفك نبيّنا يدعو الناس إلى ذلك طوال فترة دعوته، ومن ذلك ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- عندما أتى إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فقال إن أول أمرٍ سَمِعه عندما أتى إلى المدينة من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: (يا أيها الناسُ أفشوا السلام وأطعِموا الطعامَ وصِلوا الأرحامَ وصلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ).[١٣][٨]

عباد الله، إن صلة الرحم سببٌ من أسباب الفوز بالجنة، والبعد عن النار دار البوار، وهي سببٌ للفلاح والبركة والنجاح، والبعد عن أسباب محق الرزق والتعاسة، وبها يبارك الله لنا في أزواجنا وأولادنا، وبها تحل علينا البركة في أموالنا وما نملك.

وصلة الرّحم سببٌ لسعادتنا في الدارين، ومصداقاً لذلك قال الله -جل وعلا- في محكم تنزيله: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).[١٤][٨]

وصلةُ الأرحام -يا عباد الله- لها صورٌ عديدة؛ منها: أن نحسن إليهم بطيب الكلام، وأن نشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، فإن فرِح قريبنا لأمر نشاركه هذا الفرح، ونسعد لفرحه، ونُشعره بالاهتمام والسعادة لسعادته، وإذا ما أصابه أو ألمّ به ألمٌ وكربٌ، أو فَقَد عزيزاً غالياً فنهتمّ لأمره، ونواسيه، ونجلس معه، ونشدّ من أزره، ونعينه حتى يتجاوز هذا الألم ويصبح أقوى بعون الله ثم بمعاونتنا ووقوفنا بجانبه.[٨]

معشر المسلمين، فلنصل أرحامنا بالاهتمام، لنصلهم بالسؤال والتفقّد والإكرام، وبلين الكلام وحسن القول والفعل، وبعدم القطيعة وسوء الظن والحقد والحسد والغل والبغضاء والنميمة، وبالتقرب إليهم بالهدايا والنفقات، فلنصلهم بطلاقة الوجه وحسن الخلق، فإن ذلك أجره كان كبيراً، فمن منا لا يريد أن يصله الله؟ ومن منا لا يريد نيل الدرجات العلا؟[٣]

ومما نصل به أرحامنا -يا عباد الله-؛ هو أن نعينهم على الخير، ونحثّهم على فعله والمداومة عليه؛ لنيل وتحقيق رضا الله -تعالى-، والسعادة في الدارين -إن شاء الله تعالى-، فقد قال الله -جل في علاه-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).[١٥] 

وبعض الناس ربما ينشغل في دعوة البعيد وينسى القريب، وربما نَسِيَ مَنْ في بيته مِن أولادٍ وزوجةٍ أو إخوةٍ وآباءٍ وأمهات، ولكنّ هذا ليس من شأن المؤمن الحقّ الذي يصل رحمه ويُراعي حقّ الله -سبحانه- وحقّ عباده.[٨]

عباد الله، إنّ أعظم ما يمكن للمسلم أن يصل به أرحامه أيضاً هو وصلهم بالمال، ومن الناس من يُكرم الغرباء ويجزل لهم العطاء والمتاع، وينسى أقرباءه المحتاجين، بل المعدمين أحياناً ممن لا يجدون قوت يومهم، وممّن تقطّعت فيهم سبل الحياة، فلا يستطيعون إليها سبيلاً من عيشةٍ كريمةٍ في أيامٍ بات صعباً فيها تأمين لقمة العيش الكريمة لكثيرٍ من الأُسَرِ العفيفة التي لا تملك سوى الدّعاء والجود من الذين منحهم الله المال كي يساعدوا إخوانهم وأهلهم.[٨]

وقد قام أبو طلحة -رضي الله عنه- وتصدّق ببستانه، فانظروا إلى توجيه الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- له كما جاء في الصحيحين، حيث قال له: (إنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَها في الأقْرَبِينَ، قالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ ذلكَ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَسَمَها أبو طَلْحَةَ في أقارِبِهِ، وفي بَنِي عَمِّهِ).[١٦][٨] وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين حمداً يليق بجلال وجهه، عباد الله، قد يواجه كل واحد منا من أحد أقربائه وأرحامه جفواً أو هجراً أو سوءاً أو أذى، فأوصيكم عباد الله ونفسي بأن نكون ممن يعفو ويصل الرحم حتى يصلنا الله -تعالى-، ولنكن -عباد الله- السباقون بالخير، فنعفو ونصل من قطعنا من أرحامنا.[١٧]

ولنجعل يومنا هذا بداية عهد لإصلاح ذات البين وإعادة العلاقات الأسرية إلى مجراها الطبيعي؛ الذي هو الحب، والمودة، والرحمة، والعطف، والإحسان، ولنكن نحن من نَقُود دفّة الإصلاح والمبادرة، فخيْرنا الذي يبدأ بالسلام.

ولنتواضع مع أقاربنا ولا نتكبّر ونتعالى بأموالنا أو مكانتنا الاجتماعية عليهم، ولنتودّد لهم ونتقرّب منهم، ونكرمهم بالعطايا والهدايا، ونبتعد عن أسلوب اللوم والحقد والكره والازدراء والتعيير، ولنتغافل عن عيوبهم ونصطحب أولادنا لزيارتهم، لعلّنا نحظى برضى الله -تعالى- ونفوز بجنّته -جعلنا الله وإياكم من أهلها-.[١٧]

الدعاء

  • اللهم وثّق المودة والمحبة والأخوة بين قلوب المسلمين.
  • الله ألف بين قلوبنا وقلوب أهلينا وقلوب أقاربنا.
  • اللهم اجعل المحبة تسكن قلوبنا وقلوب أقربائنا.
  • اللهم أصلح ذات بيننا، اللهم أصلح ذات بيننا، اللهم أصلح ذات بيننا.
  • اللهم اهدنا لصلة أرحامنا واحفظنا من القطيعة يا رب العالمين.
  • اللهم وفقنا لصلة الرحمِ، وأصلح بين المتخاصمينَ من الأقارب والأصدقاء، وجنّبنا القطيعة.
  • اللهم يسّر لنا فعل الخيرات، وباعد بيننا وبين المنكرات.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، خطب محتارة، صفحة 227. بتصرّف.
  2. سورة آل عمران، آية:102
  3. ^ أ ب ت ابن عثيمين، الضياء اللامع في الخطب الجوامع، صفحة 505-506. بتصرّف.
  4. سورة الأنفال، آية:75
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2555، صحيح.
  6. الخراز، موسوعة الأخلاق، صفحة 356. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  8. ^ أ ب ت ث ج ح خ عبد العزيز بن داود الفايز (03-6-2021)، "الترغيب في صلة الرحم وخطر القطيعة"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2022. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5986، صحيح.
  10. سورة الرعد، آية:19-24
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1396، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمرو بن عبسة، الصفحة أو الرقم:832، صحيح.
  13. رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبدالله بن سلام، الصفحة أو الرقم:2/292، حسن.
  14. سورة النساء، آية:36
  15. سورة الشعراء، آية:214
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2769، صحيح.
  17. ^ أ ب الشيخ سلطان بن عبدالله العمري (26-9-2016)، "فضل صلة الرحم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2022. بتصرّف.
7902 مشاهدة
للأعلى للسفل
×